السفيرعبد الخالق في درس افتتاحي في كلية تازة.. القضية الوطنية في سياق تحولات النظام الدولي

السفيرعبد الخالق في درس افتتاحي في كلية تازة.. القضية الوطنية في سياق تحولات النظام الدولي السفير السابق حسن عبد الخالق، رفقة طلبة كلية تازة
ألقى السفير السابق حسن عبد الخالق يوم 7 نونبر2024، الدرس الافتتاحي للموسم الجامعي 2024 -2025، في موضوع: "القضية الوطنية في سياق تحولات النظام الدولي"، أمام طلبة ماستر التميز في علم السياسة والعلاقات الدولية ومسلك التميز في الدراسات السياسية والدولية، في الكلية متعددة التخصصات لتازة.
 
قضية الصحراء في مرحلة الحرب الباردة
قال حسن عبد الخالق، أن المغرب الذي لم يكن استقلاله  في 1956شاملا لمجموع ترابه الوطني، طرح قضية الصحراء في غمرة الحرب الباردة وهيمنة  الولايات المتحدة  الأمريكية والاتحاد السوفياتي على النظام العالمي الجديد، و دخول العالم مرحلة "الثنائية القطبية"، بانقسام دول العالم إلى معسكرين: رأسمالي تقوده الولايات المتحدة واشتراكي يتزعمه الاتحاد السوفياتي، مشيرا إلى أن مرحلة إثارة قضية الصحراء المغربية على مستوى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية في سبعينيات القرن الماضي كانت مطبوعة بسيادة العامل الأيديولوجي في النظام العالمي، وكانت إفريقيا مسرحا  خصبا  لهذا الصراع الأيديولوجي، بخضوع أغلبية بلدانها لأنظمة الحزب الوحيد. 
 
وذكر السفير السابق أنه بعد استرجاع المغرب أقاليمه الجنوبية بعد المسيرة الخضراء، وجد نفسه مضطرا للدخول في حرب تقودها الجزائرفي معركتي أمغالا الأولى(نهاية يناير 1976) والثانية( 14 -15 فبراير 1976).
 
وحسمت بلادنا هذه الحرب  بتشييد الجدران الأمنية من سنة  1980 إلى سنة 1987 ،على طول 2200 كيلومتر بمحاذاة الحدود الجزائرية، ثم الموريتانية. 

انهيار جدار برلين وتأسيس اتحاد المغرب العربي
وأشار عبد الخالق إلى أنه قبل الإعلان عن مخطط التسوية المتعلق بقضية الصحراء ووقف إطلاق النار، تميز النظام العالمي بانهيار جدار برلين (يوم 9 نونبر 1989)، بتداعي المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي الذي انفرط عقده نهائيا في 26 دجنبر 1991.
 
ومهد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المعسكر الشرقي لولادة نظام دولي جديد تفردت فيه أميركا بالقيادة وزعامة العالم. 
 
وأبرز المحاضر أنه على المستوى الجهوي ، شهدت بداية سنة 1989 (19 فبراير)، تأسيس اتحاد المغرب العربي في مراكش، بمعاهدة تعهدت فيها  الدول الخمس بعدم السماح بأي نشاط أو تنظيم فوق ترابها يمس أمن أو حرية تراب أي منها أو نظامها السياسي. كما تعهدت بالامتناع عن الانضمام إلى أي حلف أو تكتل عسكري أو سياسي يكون موجها ضد الاستقلال السياسي أو الوحدة الترابية للدول الأعضاء الأخرى، مؤكدا أن النظام الجزائري خرق  في غشت 1994أوفاق معاهدة  الاتحاد المغاربي بقراره من جانب واحد إغلاق الحدود البرية مع المغرب، وصولا إلى قراره قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في غشت 2021 ،مع منعه الطائرات المغربية أو المسجلة في المغرب من التحليق في الأجواء الجزائرية ووقفه العمل بخط أنبوب الغاز الذي يعبر المغرب في اتجاه أوروبا وفرضه تأشيرة الدخول على المواطنين المغاربة.
 
أطماع النظام الجزائري في محاصرة المغرب
وأبرز حسن عبد الخالق أنه في بداية القرن الحالي،أي في سنة 2000 ،قدم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الراحل جيمس بيكر المبعوث الشخصي للأمم المتحدة في قضية الصحراء خطة الاتفاق الإطار لتسوية قضية الصحراء، قضت بإقامة  الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لمدة خمس سنوات، يليها استفتاء يشارك فيه جميع القاطنين في الصحراء ووافق المغرب مبدئيا على هذه الخطة، ورفضها النظام الجزائري وانفصاليو البوليساريو، وسعى النظام الجزائري إلى إقبار تلك الخطة باقتراحه في نونبر 2001 تقسيم الصحراء، لتحقيق أطماعه، في محاصرة المغرب وحرمانه من امتداده الإفريقي وخلق كيان تابع له في جهة وادي الذهب، يحصل به على منفذ على المحيط الأطلسي. وخلصت الأمم المتحدة لاحقا إلى استحالة تطبيق خطة التسوية لعام 1990، داعية الأطراف إلى البحث عن حل سياسي واقعي وتوافقي للنزاع الإقليمي المفتعل في المنطقة.
 
اندحار أطروحة الانفصال وتقديم مبادرة الحكم الذاتي
وذكر المحاضر أنه في بداية القرن الحالي وظف المغرب الوضع الدولي، لسحب عدد أكبر من الدول، خصوصا في إفريقيا، اعترافاتها بالجمهورية الوهمية. وبلغ عدد الدول التي سحبت اعترافها بجمهورية الوهم أكثر من 60 دولة، بعدما كانت 84 دولة تعترف بها، في ثمانينيات القرن الماضي. وتعزز الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء بافتتاح 30 قنصلية عامة في العيون والداخلة من دول إفريقية وعربية ومن قارات أخرى. 
 
وأضاف أن المغرب قدم في 11 أبريل 2007 ، للأمم المتحدة مبادرة الحكم الذاتي، لحل النزاع المفتعل، على أساس تمكين سكان الأقاليم الجنوبية من إدارة شؤونهم بأنفسهم بمؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية في إطار السيادة المغربية. ونوه مجلس الأمن في جميع قراراته منذ ذلك التاريخ بجهود المغرب التي وصفها بالجدية وذات المصداقية لحل النزاع المفتعل.
 
وأبرزعبد الخالق أن النظام الدولي كان مطبوعا في سنة 2011 بتعرض المنطقة العربية، وضمنها المغرب العربي لموجة الربيع العربي، التي أطاحت بالرؤساء: القذافي في ليبيا ومبارك في مصر وبن علي في تونس، وأدخلت اليمن وسوريا في دوامة عدم الاستقرار. وتعاملت بلادنا مع تلك الموجة بالحكمة وبعد النظر، باعتماد دستور فاتح يوليوز 2011 ،الذي أتى بإصلاحات كثيرة وحضرت فيه القضية الوطنية،بأن جاء في تصديره أنَّ "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية".
 
مكتسبات عضوية المغرب في الاتحاد الإفريقي
وعلى الصعيد الإفريقي اعتبر السفير السابق، أن استعادة المغرب في بداية سنة 2017 مقعده في الاتحاد الإفريقي، كانت ثمرة للسياسة الإفريقية لجلالة الملك محمد السادس،التي منحت المغرب حضورا سياسيا واقتصاديا قويا في إفريقيا وأبرزته قوة إقليمية وازنة ومؤثرة تحظى بتقدير البلدان الإفريقية، بفضل اتفاقيات التعاون التي أبرمتها بلادها مع عدد كبير من هذه البلدان وهمت قطاعات مختلفة وبذلك أصبح المغرب رابع أكثر البلدان تكاملا اقتصاديا في القارة، وأول مستثمر في منطقة غرب إفريقيا، وثاني مستثمر في القارة بشكل عام، بعد جنوب إفريقيا، مؤكدا أن من أهم نتائج عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي أنه أوقف توظيف النظام الجزائري الاتحاد، لأكثر من 30 سنة، لاستصدار قرارات ومواقف مناوئة لوحدة المغرب الترابية، فضلا عن محاولته إقحام الاتحاد في مساعي إيجاد حل للنزاع المفتعل. وبموجب القرار رقم 693 المتعلق بقضية الصحراء المغربية، الذي تم اعتماده  بالإجماع، في قمة نواكشوط  للاتحاد الإفريقي في سنة 2018، لم تعد قضية الصحراء مطروحة للنقاش داخل الاتحاد وأكد القرار الاختصاص الحصري للأمم المتحدة لحل القضية، مع إنشاء "آلية الترويكا" لدعم جهود الأمم المتحدة من أجل إيجاد تسوية هذا النزاع.
 
وذكر المحاضر بأن الهدف الدائم للنظام الجزائري، الخصم العنيد لبلادنا، منذ افتعاله النزاع حول قضية الصحراء، هو تفتيت وحدتنا الترابية، وتحقيق أطماعه بالحصول على منفذ على  المحيط الأطلسي، مشيرا إلى أن هذا النظام سعى في السنوات الماضية إلى تمكين انفصاليي البوليساريو من موطئ قدم في معبر الكركرات، لخلق تجمع بشري في المنطقة، يمنع به المغرب من التواصل مع امتداده الإفريقي. لكن  في 13 نونبر 2020، حصل تطور استراتيجي هام، أنهت به بلادنا  أطماع النظام الجزائري في الوصول إلى الأطلسي عبر الصحراء المغربية، عندما تمكن الجيش المغربي من إرغام ميليشيات الانفصاليين على الانسحاب من معبر الكركرات، وتمديد الجدار الأمني على محورين وعلى بعد عشرات الكيلومترات مع حدود المملكة عند الحدود الموريتانية.
 
مقاربة هجومية للمغرب مع تنويع شراكاته
وأبرز المحاضر أنه في سياق ثبات النظام الدولي لجأ المغرب إلى تنويع شركائه، وبات يستعمل أوراق ضغط مع الدول الغربية ويتعامل معها بكل قوة وحزم، دفاعا عن قضيته الوطنية. وفي هذا الإطار اعترفت الإدارة الأمريكية في 10 دجنبر 2020 بمغربية الصحراء وقوّى هذا  القرار الدعم الدولي للحل المغربي من أجل تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء، بتأييد إسبانيا  الدولة التي استعمرت الصحراء لمدة تسعين سنة، في مارس 2022 اقتراح الحكم الذاتي، من خلال إعلان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز في رسالة إلى جلالة الملك، أن إسبانيا تعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وأنها تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية النزاع الإقليمي. كما تعزز الدعم الدولي للموقف المغربي بإعلان ألمانيا في غشت 2022 أنها تعتبر مخطط الحكم الذاتي أساسا جيدا للوصول إلى حل مقبول من الأطراف لقضية الصحراء. 

واعتبر أن المقاربة الهجومية للمغرب في قضية الوحدة الترابية تجسدت في إعلان جلالة الملك في غشت 2022  إن ملف الصحراء المغربية هو  النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات، داعيا بعض الدول، خصوصا شركاء المملكة، إلى توضيح موقفها من قضية الصحراء المغربية بشكل لا يقبل التأويل، مضيفا أنه تجاوبا مع هذه الدعوة تزايد اندحار الأطروحة الانفصالية المدعومة من الجزائر، بتأكيد فرنسا في الرسالة التي بعثها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى جلالة الملك في 30 يوليوز 2024 بمناسبة عيد العرش  اعترافها بمغربية الصحراء،معتبرا أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية. وأكد ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة، وأن بلاده تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي". وجدد الرئيس الفرنسي هذا الموقف القوي في خطابه أمام البرلمان المغربي يوم 29 أكتوبر 2024، بمناسبة زيارة الدولة لبلادنا.
 
تأييد دولي كبير لمبادرة الحكم الذاتي
 وذكر السفير السابق أن أكثر من 110 دولة تؤيد في السنوات الأخيرة مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الحل الوحيد الواقعي وذي المصداقية لهذا النزاع الإقليمي المفتعل. وتجسد هذا الزخم في دعم الموقف المغربي في قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2756، بتاريخ 30 أكتوبر 2024 ،الذي أظهر عزلة النظام الجزائري، بإقباره مجددا  مخطط التسوية لسنة 1990، واقتصاره في مرجعياته على القرارات التي أصدرها منذ 2007، أي منذ طرح مبادرة الحكم الذاتي، التي كرس سموها على أية مقاربة أخرى. كما شدد على أهمية استئناف الموائد المستديرة بحضور الجزائر، للبحث عن الحل السياسي، مؤكدا أن المائدة المستديرة هي الإطار الوحيد للوصول إلى حل سياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
 
وقال عبد الخالق، أن هذا الدعم المتزايد للمغرب جاء بفضل السياسة الخارجية التي أرساها جلالة الملك، القائمة على خدمة أوفاق السلم وتعزيز التعاون جنوب جنوب، وجعل المغرب شريكا موثوقا به في علاقاته الدولية. كما أظهرت مبادرة جلالة الملك الرامية إلى منح البلدان في منطقة الساحل منفذا على المحيط الأطلسي، حرصه الدائم على تعزيز ارتباط المملكة بعمقها الإفريقي ووحدة إفريقيا وازدهارها.

وذكر أنه مقابل حدة عداء النظام الجزائري للمغرب ولوحدته الترابية، تتطلع بلادنا إلى أن يتغلب جانب الحكمة لدى هذا النظام، ليتحمل مسؤوليته في إنهاء النزاع المفتعل، على قاعدة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية والدفع بالعلاقات الثنائية إلى مجال أرحب، علما أنه سبق لجلالة الملك أن اقترح في خطابه في ذكرى المسيرة الخضراء لسنة 2018 على الأشقاء في الجزائر إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها، مؤكدا انفتاح المغرب على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين. وأعلن جلالته أن هذه الآلية يمكن أن تشكل إطارا عمليا للتعاون، بخصوص مختلف القضايا الثنائية، خاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية.  كما ستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لاسيما في ما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة.
 
 وخلص المحاضر إلى أن مسار الأحداث في المنطقة  يؤكد توطيد المغرب حقه الثابت وغير القابل للتصرف في تعزيز سيادته على أقاليمه الجنوبية.