سؤال يؤرق الرأي العام.. لماذا فشلت الحكومات المتعاقبة في تحقيق الأمن الغذائي للمغاربة؟

سؤال يؤرق الرأي العام.. لماذا فشلت الحكومات المتعاقبة في تحقيق الأمن الغذائي للمغاربة؟ تشكل‭ ‬ندرة‭ ‬المياه‭ ‬تهديدا‭ ‬متزايدا‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬للمغاربة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تغير‭ ‬المناخ
ما‭ ‬يزال‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬بالمغرب‭ ‬بعيد‭ ‬المنال،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬وتنوع‭ ‬البرامج‭ ‬المنفذة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السياسات‭ ‬الزراعية‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهو‭ ‬المعطى‭ ‬الذي‭ ‬تؤكده‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬الوطنية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تقرير‭ ‬المجموعة‭ ‬الموضوعاتية‭ ‬حول‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬بمجلس‭ ‬المستشارين‭ ‬في‭ ‬يوليوز‭ ‬2022،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬منخرط‭ ‬ضمن‭ ‬المسار‭ ‬العالمي‭ ‬المتعلق‭ ‬بتفعيل‭ ‬الآليات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬للملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬أن‭ ‬أبرز‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬الرسالة‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬المعرض‭ ‬العالمي‭ ‬"ميلانو‭ ‬إكسبو‭ ‬2015"‭ ‬أن‭ ‬الرهان‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬كسبه‭ ‬اليوم،‭ ‬هو‭ ‬ضمان‭ ‬التغذية‭ ‬السليمة‭ ‬والمتوازنة‭ ‬لجميع‭ ‬الشعوب،‭ ‬وذلك‭ ‬بتحقيق‭ ‬تنمية‭ ‬مستدامة‭ ‬وفعالة‭..‬"‭.‬
 
ويشكل‭ ‬الجفاف‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬المغرب‭ ‬للعام‭ ‬السادس‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة،‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬مصدر‭ ‬رئيسا‭ ‬لدخل‭ ‬40‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬عمالة‭ ‬البلاد وتشكل‭ ‬الزراعة‭ ‬بالمغرب‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للاقتصاد‭ ‬بسبب‭ ‬مساهمتها‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬النمو،‭ ‬وارتباط‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬بها،‭ ‬خاصة‭ ‬الصناعات‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تصدير‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منها‭.‬
 
وتظل‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬مرتبة‭ ‬بالتساقطات‭ ‬المطرية،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬السنة‭ ‬ماطرة‭ ‬فإن‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬تكون‭ ‬مرتفعة‭ ‬وقد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬و6 بالمئة،‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬العكس‭ ‬فإن‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬2.5‭ ‬في‭ ‬المائة‭.‬
 
هذا‭ ‬الواقع‭ ‬يفرض‭ ‬تعزيز‭ ‬تكوين‭ ‬المزارعين‭ ‬والكوادر‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توظيف‭ ‬الطرق‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬الإنتاج،‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬توفير‭ ‬الأجهزة‭ ‬وضخ‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الآلات‭ ‬الزراعية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكلفة‭ ‬الإنتاج‭. ‬كما‭ ‬يفرض‭ ‬الواقع‭ ‬ضرورة‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬القرى،‭ ‬لأن‭ ‬السياسة‭ ‬الموجهة‭ ‬للقرى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شاملة‭ ‬تضم‭ ‬التعليم‭ ‬والصناعة‭ ‬والمهن‭ ‬الأخرى،‭ ‬وليست‭ ‬فلاحية‭ ‬فقط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيمكن‭ ‬من‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬مشكل‭ ‬ارتباط‭ ‬الفلاحة‭ ‬بالتساقطات‭ ‬المطرية‭ .‬

وتشكل‭ ‬ندرة‭ ‬المياه‭ ‬تهديدا‭ ‬متزايدا‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬للمغاربة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬حيث‭ ‬فقد‭ ‬المغرب‭ ‬حسب‭ ‬الأرقام‭ ‬الرسمية‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬موارده‭ ‬المائية‭ ‬بسبب‭ ‬تأثيرات‭ ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬نصيب‭ ‬الفرد‭ ‬السنوي‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬بالمملكة‭ ‬انخفض‭ ‬من‭ ‬2650‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬سنة‭ ‬1960‭ ‬إلى‭ ‬620‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭.‬
 
دون‭ ‬إغفال‭ ‬سلبيات‭ ‬بعض‭ ‬اختيارات‭ ‬السياسة‭ ‬الفلاحية‭ ‬والتي‭ ‬خلفت‭ ‬تداعيات‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬الفلاحين‭ ‬الصغار‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬مصدر‭ ‬تهديد‭ ‬حقيقي‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬ولذلك‭ ‬ينبغي‭ ‬مراجعة‭ ‬هذه‭ ‬السياسات،‭ ‬فلا‭ ‬يعقل‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬زراعات‭ ‬تستنزف‭ ‬الفرشة‭ ‬المائية‭ ‬وموجهة‭ ‬أساسا‭ ‬للتصدير‭ ‬مثل‭ ‬البطيخ‭ ‬والأفوكادو‭ ‬والحوامض‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تستورد‭ ‬فيه‭ ‬بلادنا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬حاجياتها‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬والقطاني‭ ‬والزيوت‭ ‬والسكر،‭ ‬وهي‭ ‬مواد‭ ‬نعتمد‭ ‬عليها‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬نظامنا‭ ‬الغذائي‭ .‬

ويدعو‭ ‬الخبراء‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬إلى‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بسط‭ ‬سيادتها‭ ‬الغذائية،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬هذه‭ ‬الزراعات‭ ‬ودعم‭ ‬الفلاحين،‭ ‬وإعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬لدعم‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الداخلي‭ ‬بدل‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬الخارج،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬بلادنا‭ ‬تعتبر‭ ‬منتجا‭ ‬مهما‭ ‬للفوسفاط‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬مادة‭ ‬أساسية‭ ‬لضمان‭ ‬الغذائي‭ ‬العالمي‭ . ‬
 
‭ ‬إن‭ ‬المتتبع‭ ‬لواقع‭ ‬الأرياف‭ ‬المغربية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬يسجل‭ ‬تناميا‭ ‬لمخاطر‭ ‬الاختفاء‭ ‬التدريجي‭ ‬للفلاحين‭ ‬الصغار‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬(كسابة‭ ‬ومزارعين)‭ ‬وتزايد‭ ‬لاحتمالات‭ ‬تسجيل‭ ‬"نزوح‭ ‬كتلي"‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬الفلاحي‭ ‬(نزوح‭ ‬قطاعي)‭ ‬لهذه‭ ‬الفئة‭ ‬نحو‭ ‬بدائل‭ ‬هشة‭.‬
 
ويسجل‭ ‬الخبراء‭ ‬أنه‭ ‬ومنذ‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬سجل‭ ‬تناقص‭ ‬تدريجي‭ ‬في‭ ‬التساقطات‭ ‬المطرية‭ ‬والثلجية‭ ‬نتيجة‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬لكن‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬الطلب‭ ‬المتزايد‭ ‬بسبب‭ ‬النمو‭ ‬الديمغرافي‭ ‬والذي‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬تزايد‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الماء‭ ‬الشروب‭.‬
 
كما‭ ‬أن‭ ‬التطور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للبلاد‭ ‬(تطور‭ ‬القطاع‭ ‬السياحي‭ ‬والقطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي)‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬تزايد‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المياه‭ ‬الباطنية‭.‬
 
وتتجاوز‭ ‬الأراضي‭ ‬المسقية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬حاليا‭  ‬مليون‭ ‬و600 ألف‭ ‬هكتار‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬الاستغلال‭ ‬المكثف‭ ‬للموارد‭ ‬الباطنية،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬الأراضي‭ ‬المسقية‭ ‬هي‭ ‬أراضي‭ ‬تعود‭ ‬لملكية‭ ‬الخواص‭ ‬والتي‭ ‬تفتقد‭ ‬لأي‭ ‬رقابة‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬العمومية‭.‬
 
ويعتبر‭ ‬الخبراء‭ ‬الترسانة‭ ‬القانونية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتدبير‭ ‬واستغلال‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬كافية‭ ‬لمواجهة‭ ‬استنزاف‭ ‬الموارد‭ ‬المائية،‭ ‬لكن‭ ‬المشكل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬الأرقام‭ ‬الرسمية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الآبار‭ ‬غير‭ ‬مرخصة‭.‬
 
ويحذر‭ ‬الخبراء‭ ‬من‭ ‬سيناريو‭ ‬إفراغ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القرى‭ ‬والبوادي‭ ‬(نزوح‭ ‬مجالي)‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد،‭ ‬وتعقيد‭ ‬مشاكل‭ ‬المدن‭ ‬(تدفقات‭ ‬المهاجرين،‭ ‬السكن‭ ‬الصفيحي،‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الخدمات،‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة،‭ ‬الهشاشة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وغيرها)‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬منحنى‭ ‬تراجع‭ ‬أعداد‭ ‬الفلاحين‭ ‬الصغار‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬إحداث‭ ‬فجوة‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬الوضع‭ ‬الى‭ ‬بروز‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الاحتكار‭ ‬لهذا‭ ‬القطاع‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬خصوصيته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وأبعاده‭ ‬الاستراتيجية‭.‬
 
وبحسب‭ ‬بعض‭ ‬المهتمين،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬المخاطر‭ ‬ممكن‭ ‬مع‭ ‬توفر‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬عبر‭ ‬عنها‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬حرصا‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬السيادة‭ ‬الغذائية‭ ‬للبلاد،‭ ‬مؤكدين‭ ‬بأن‭ ‬تصحيح‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬يتطلب‭  ‬تدخلا‭ ‬مستعجلا‭ ‬يتسم‭ ‬بالشمولية‭ ‬والاستدامة،‭ ‬ويصحح‭ ‬الاختلالات‭ ‬التي‭ ‬أظهرتها‭ ‬السياسة‭ ‬الفلاحية‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة،‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتركيزها‭ ‬على‭ ‬الزراعات‭ ‬التسويقية‭ ‬والتصديرية‭ ‬المستنزفة‭ ‬للماء،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المناطق‭ ‬البورية‭ ‬والزراعات‭ ‬المعيشية‭ ‬والفلاحين‭ ‬الصغار‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ ‬القدر‭ ‬الكافي‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭.‬