هكذا قرأت جريدة "هآرتس" الإسرائيلية قرار قطر وقف وساطتها بين حماس وإسرائيل..

هكذا قرأت جريدة "هآرتس" الإسرائيلية قرار قطر وقف وساطتها بين حماس وإسرائيل.. أوضحت قطر أنها ستعيد فحص دورها كوسيطة إزاء الجهود في المحادثات
"إعلان قطر تجميد مشاركتها في المفاوضات حول إطلاق سراح المخطوفين لا يجب أن يفاجئ أحداً"، تقول جريدة "هآرتس"، ومع ذلك، لا يدور الحديث حتى الآن عن إغلاق نهائي لقناة الوساطة القطرية. 

حسب بيان المتحدث باسم وزارة الخارجية في الدوحة، ماجد الأنصاري، فإن “قطر ستعود إلى جهود الوساطة عندما يظهر الطرفان نية جدية لوقف الحرب البربرية في غزة ووقف معاناة المدنيين في القطاع. في هذه الحالة، ستقف قطر على رأس الوسطاء لاستثمار جهود التوصل إلى إنهاء الحرب وإعادة المخطوفين والسجناء الفلسطينيين”. نفت حماس حصولها على بيان في هذا الشأن. 

في ماي 2024، أوضحت قطر أنها ستعيد فحص دورها كوسيطة إزاء الجهود في المحادثات. يبدو الآن أنها توصلت إلى استنتاج بأنه لم تعد هناك فائدة لوساطتها – حتى بمجرد وجود الاتصالات ما لم يظهر الطرفان أي استعداد للتنازل عن مواقفهما. المعنى العملي لهذه الخطوة هو أنه ليس لإسرائيل أو حماس الآن أي قناة مفاوضات ناجعة. 

هذا في الوقت الذي فشل فيه الضغط العسكري الذي طرحته إسرائيل باعتباره الطريقة الوحيدة التي تؤدي إلى الصفقة. ومثله أيضاً الضغط الذي طلبت إسرائيل استخدامه على قطر. مشروع تصفية كبار قادة حماس، وعلى رأسهم السنوار، ربما ساهم في رفع معنويات إسرائيل وهز بنية قوة حماس. ولكن النتيجة الأساسية التي تعتبر أحد أهداف الحرب، تحرير المخطوفين، لم تثمر هي أيضاً. 

يأتي قرار قطر قريباً من التسريبات الأمريكية بشأن مطالبة الإدارة الأمريكية من قطر إبعاد قيادة حماس من أراضيها، وهو طلب ظهر مثل نسخة جديدة لأغنية قديمة أثارت الانفعال ذات يوم. ففي اكتوبر 2023 نشر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأنه تحدث ونظيره القطري محمد بن عبد الرحمن، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الحكومة، عن إمكانية طرد قيادة حماس كوسيلة ضغط من أجل التوصل إلى صفقة التبادل. 

في حينه، أعلنت قطر بأنها تفحص هذه الإمكانية. كان الافتراض في حينه أن قطر لا تضغط بما يكفي على حماس رغم أن لدى الدوحة رافعة ضغط استراتيجية، وهي استضافة قيادة حماس، التي يمكن أن يغير التهديد بها مواقف السنوار. ولكن قطر أوضحت في المراحل الأولى من المفاوضات بأنه يمكن الوساطة والإقناع على الأكثر، لكن طرد قيادة حماس لا يعتبر “سلاحاً استراتيجياً” لأنه ليس لقيادة حماس الخارج أي قوة حقيقية لإقناع السنوار بتغيير طلباته حول إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل من القطاع. 

في مارس 2024، تم فحص خيار الطرد مرة أخرى، عندما أرسل بلينكن رسالة إلى عبد الرحمن وأعاد فيها طرح هذا الطلب. وقد رد المتحدث بلسان وزارة الخارجية القطرية الأنصاري، على ذلك في حينه وقال: “لا يوجد سبب لإنهاء وجود حماس في قطر ما دامت جهود الوساطة مستمرة حول إنهاء الحرب في غزة. قطر تلتزم بالوساطة ولكنها ستعيد النظر في دورها”. 

في أبريل 2024، تعرضت قطر لهجوم دبلوماسي أمريكي. عضو الكونغرس الديمقراطي ستني هوير، طلب من الرئيس بايدن “إعادة فحص علاقات الولايات المتحدة مع قطر إذا لم تستخدم الأخيرة الضغط على حماس”. رئيس الحكومة القطرية رد بغضب على هذا الطلب، وقال: “قطر ستفحص استمرار مشاركتها في الوساطة حول صفقة التبادل”. هذا تصريح تم تفسيره بأنه نية لإبعاد قيادة حماس من الدولة. بعد هذه الأقوال، نشر بأن إيران توجهت إلى سوريا وطلبت منها استضافة قيادة حماس، إذا تم طردها من قطر. كان رد سوريا رفضاً بارداً. 

في يونيو 2024، وضع وزير الدفاع القطري خالد بن عطية، في المؤتمر المنعقد بجامعة البوسفور في تركيا، طلب إبعاد حماس في مكانه عندما قال: “لا تعتقدوا أن مكاتب حماس في قطر ستغلق، لا لأننا نريد إبقاء حماس في قطر، بل لأننا نريد التسهيل على المفاوضات مع الطرفين حتى يكون بالإمكان الوصول إلى حماس مباشرة”، أوضح. وحسب أقوال الوزير، لا يتعلق الأمر بموقف أيديولوجي، بل بموقف نفعي، الذي بحسبه تستند استضافة حماس في قطر إلى طلب أمريكي من العام 2012 لإعطاء ملجأ لقيادة حماس؛ لأن الولايات المتحدة أرادت الحفاظ على قناة اتصال غير رسمية، لكنها قابلة للوصول إليها، مع الحركة. 

لقد تبين لقطر بأن الوساطة في صفقة المخطوفين تتطور إلى تهديد على مكانتها السياسية والإقليمية، لا سيما أمام الإدارة الأمريكية. ما دامت إسرائيل وإدارة بايدن تعتبران حماس بأنها المسؤولة الوحيدة عن إفشال المفاوضات، فإن قطر -على اعتبار أنها تعطي رعاية للمنظمة وتمثل موقفها في المفاوضات- أصبحت هي نفسها هدفاً مباشراً لهجوم دبلوماسي بصورة قد تضر بالعلاقات بين قطر والإدارة الأمريكية. 

انتخاب ترامب، الذي عرفت العلاقة معه ارتفاعاً وهبوطاً، يضيف عدم يقين للوضع. في العام 2017 أيد ترامب قرار السعودية ومصر والإمارات فرض المقاطعة والحصار على قطر، وطلب من الأخيرة وقف دعمها للإرهاب. ولكن في موازاة ذلك، حاول ترامب بدون نجاح، المصالحة بين دول الخليج وقطر. وبعد سنة، تراجع ترامب عن موقفه ووافق على صفقة سلاح بمبلغ 300 مليون دولار لقطر. في مؤتمر صحافي عقده في حينه مع حاكم قطر الشيخ تميم، أوضح ترامب بأنه “يقف إلى جانبي رجل مهذب يشتري معدات كثيرة منا، ومشتريات كثيرة وطائرات قتالية وصواريخ كثيرة”. في شتنبر 2024، التقى الشيخ تميم مرة أخرى مع ترامب في مزرعته في فلوريدا، وحصل في نهاية اللقاء على وابل من الثناء من المرشح للرئاسة عندما قال: “لقد أثبت الأمير أنه زعيم كبير وقوي لدولته. هو أيضاً شخص يريد السلام في الشرق الأوسط والعالم. كانت لنا علاقة ممتازة في ولايتي الأولى، وستكون أفضل في هذه الولاية”، أعلن ترامب. 

من الأفضل للذين ينتظرون بصبر أن يلوح ترامب بالسوط على رأس قطر، أن لا يحبسوا الأنفاس. ولكن حتى قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض وترجمة تقديره الكبير للشيخ تميم إلى أفعال، فإن قطر تستند بالفعل إلى أساس قوي يتمثل في مكانتها المؤثرة في الولايات المتحدة. منذ العام 2022 وهي تحظى بمكانة رسمية كحليفة كبيرة ليست عضواً في الناتو. وقد حصلت على هذه المكانة من خلال سلسلة مبادرات الوساطة الناجحة التي شملت ضمن أمور أخرى، الاتفاق بين الولايات المتحدة ومطالبات حول ترتيب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وصفقة تبادل الاسرى بين أمريكا وإيران، وخطة لحل الخلاف الدموي في تشاد، وجهود وساطة بين الولايات المتحدة وإيران في قضية الاتفاق النووي الجديد التي لم تؤد إلى أي نتائج، ومؤخراً هي ناشطة جداً في جهود التوصل إلى حل للأزمة السياسية الخطيرة في لبنان. 

وساطة قطر في نزاعات إقليمية أصبحت بالنسبة لأمريكا ذخراً استراتيجياً، خاصة على خلفية لامبالاة أو عجز دول عربية أخرى مثل مصر أو الإمارات أو السعودية. قرار قطر أن تكون عرابة رئيسية في صفقة المخطوفين، هو وليد شبكة العلاقات هذه، وإذا قررت حقاً الانسحاب من الوساطة ورفع يدها فإنها لا تعكس الإحباط العميق فحسب، بل أيضاً الرغبة في تقليص خسارتها على المستوى السياسي، فضلاً عن أنه إذا كان المعنى طرد قيادة حماس، الذي إذا ما نفذ، فسيتبين أنه لا فائدة منه في المضي بالمفاوضات حول تحرير المخطوفين. 
في الحقيقة، ربما يحاول كبار قادة الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم رئيس الـ سي.آي.ايه وليام بيرنز ووزير الخارجية بلينكن، سيحاولون الآن إقناع قطر بالتراجع عن هذا القرار. يبدو أن صيغة بيان قطر الرسمي قد تدل على أن قناة قطر لم تغلق بشكل نهائي حتى الآن. 

لكن قطر، بالذات قرار الانسحاب، تريد ليس فقط تخليص نفسها من الشرك السياسي الذي يهددها، بل تريد “إصلاح” التأطير الأمريكي والإسرائيلي لها من خلال إلقاء الاتهام بشكل متساو على الطرفين، وجعل الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل بالصورة التي تطلب فيها واشنطن من قطر الضغط على حماس. بالنسبة للمخطوفين وعائلاتهم، فهذه بشرى قاسية، تتركهم بدون وسيط، بل ومع حكومة ورئيس حكومة يحاولون إلقاء الذنب كله على حماس وقطر، والتملص من المسؤولية عن مصير أحبائهم بشكل نهائي. 
 
 
ترجمة "القدس العربي"