إن الزّخم الكبير الذي أحدثه خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البرلمان المغربي حول مغربية الصحراء هو تثمين لمبادرة الحكم الذاتي، وأيضا لبنة جديدة للتعاون الفرنسي المغربي الذي سوف يكون انطلاقا من شراكة استراتيجية استثنائية، ومن داخل هذا الموقف -الموقف المغربي الجديد- للتأكيد على مغربية الصحراء، وللتأكيد على أن الحل النهائي لهذا الملف سوف يمر من خلال مبادرة الحكم الذاتي.
وفي مستوى ثان، مرور فرنسا للسرعة القصوى وهي مُساعدة المغرب من خلال دعم هذا الموقف عبر المنظمات الدولية بداية من منظمة الأمم المتحدة وعضوية فرنسا في مجلس الأمن وحيازتها لحق النقض عبر الفيتو وعضوية ضمن الخمس الأعضاء الدائمين، إلى جانب دورها على مستوى الاتحاد الأوروبي ودورها أيضا على مستوى حلف الناتو ودورها على المستوى العالمي وعلى مستوى المنظمات المتخصصة.
كل هذه الأدوار وكل هذه الدينامية الفرنسية سوف تترجم بمساعدة أوسع للمغرب في هذا الباب لتأكيد هذا الحق. وهذا ما شكل حقيقة التضييق والنفع،مما يعني هزيمة الجزائر. وهو ما ساهم بشكل كبير في تقوقعها وفي انعزاليتها على أساس أن ما يقع يشكل مرحلة تاريخية فاصلة وفارقة في الملف وفي تاريخ هذا الملف، خاصة من خلال القرار الأخير 2756، الذي أكد حقيقة و قطع بشكل نهائي مع كل السيناريوهات السابقة، ومع كل الأحلام والأوهام المؤسسة للعقيدة الجزائرية، التي تركز على مفهوم الاستقلال والسيادة الوطنية وتقرير المصير. كل هذه الأمور لها قراءة جديدة تركز على إيجاد تسوية سياسية.
لا بد من الإشارة أيضا في هذا القرار لمبادرة الحكم الذاتي والكشف على أن الجزائر كانت من وراء مبادرة قرار التقسيم التي اقترحها ديميستورا في النصف الأول من شهر أكتوبر المنصرم، وكذلك بعدما طالبت الجزائر بتعديل القرار من خلال حذف وإلغاء مسألة الطاولة المستديرة للنقاش.
في اعتقادي، أن رفض الجزائر للتصويت النهائي بشكل نهائي وليس الامتناع للخروج عن المألوف، وهو استثناء حقيقة في القانون الدولي؛ لم يحصل في تاريخ النزاعات وفي تاريخ الخلافات المطروحة على الأمم المتحدة، وبالتالي فما قامت به الجزائر يعكس هذا التخبط وهذه الانعزالية وهذا الفشل الذي يجعل من الجزائر بعيدة، وكأنها تقول للعالم إنني لا أنخرط في أي من مبادرة كيف ما كان نوعها أو أن هذا النص لا يعنيني بشكل أو بآخر. وبالتالي فهي من جهة بعيدة عن المعسكر و الدول المؤثرة في الملف وأبرزها الدول التي لها حق النقض ومن بينها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين، وروسيا التي امتنعت عن التصويت، لكن رفضت الاقتراحات؛ اقتراحات الجزائر بالتعديل. وهذا يؤكد على أن الموقف الروسي لم يتغير كثيرا لكنّه حقيقة يقع في منتصف الطريق و يمسك العصا من الوسط حتى لا يخسر حليفيه.
لكن حقيقة أن الجزائر الآن معزولة، وحاولت في الآونة الأخيرة أن ترتب لموضوع الشراكة الاستراتيجية ما بين تونس وليبيا، لكن للأسف محاولتها لإنشاء تنظيم على غرار اتحاد المغرب العربي ولد ميتا كما نقول أو ولد فاشلا، على اعتبار أن الموقف الليبي واضح في هذه المسألة. كما لا يمكن الاعتداد بالموقف التونسي المتخبّط، خاصة مع فشل كبير في إدارة الدولة التونسية من قبل قيس سعيد.
على المستوى الآخر، نرى أن الرئيس الجزائري تبون قام بزيارة لمجموعة من الدول وأخذ الصفعات تلو الأخرى من جمهورية مصر العربية، حينما حاول أن يلوح بقضية الصحراء المغربية لكن فاجأه وصدمه الرئيس السيسي بعبارة واضحة أننا لا نتدخل في الشؤون الداخلية، وأن هذا الموضوع غير مطروح على جدول النقاش أو جدول المشاورات الثنائية. كذلك في سلطنة عمان خلال الجولة الخليجية، خاصة أن سلطنة عمان أيضا تلقى منها صفعة أخرى عبر رفض القيادة العمانية الزج بموضوع قضية الصحراء المغربية في النقاش الى جانب مواقف عدد من الدول الخليجية والدول العربية واضح من هذه القضية.
هي إذن عزلة دولية من خلال مجلس الأمن، وعزلة دولية أيضا من خلال علاقات سيئة مع الجوار المتوسطي، وخاصة مع فرنسا واسبانيا، فالعلاقات أو حتى ردود الأفعال من خلال وسائل الإعلام الأجنبية بينت ووضحت بالملموس أن الجزائر أو النظام الجزائري العسكري يتبنى مخرجات خارجة عن سياق التاريخ وخارجة عن سياق المحيط الاقليمي والدولي ولا تعترف بالمتغيرات الأساسية التي تقع، وهنا يؤكد تبني القيادة الجزائرية لمدركات خارج النسق الدولي، ويعكس حقيقة الفشل في معرفة المتغيرات المستقلة والمتغيرات التابعة لها في إطار منظومة متحولة، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية بعد توالي كل الاعترافات التي جاءت من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا وهولاندا وبولندا ورومانيا وأيضا في أمريكا اللاتينية، وكذا دول عربية في المحيط العربي والاسلامي. كل هذا الزخم أصبح يوحي بأن القضية هي إلى الزوال وإلى حل نهائي تحت السيادة المغربية، وكما قال الرئيس الفرنسي، أن كل الحلول الممكنة ستكون ضمن السيادة أو التعامل مع الأقاليم الجنوبية، وسوف يكون ضمن السيادة المغربية وليس خارجها.
هذه الدينامية الهامة جدّا للمغرب لا يمكن أن تنسي أن المغرب بذل مجهودات ديبلوماسية جمة والديبلوماسية الملكية لعبت أدوارا كبيرة في هذا السياق، من خلال اختراق القناة الأفريقية، ومن خلال لعب أدوار أساسية قزمت من الدور الجزائري. ولا ننسى أيضا الدور الأمني من خلال المشاركة الفاعلة عبر ما يسمى بـ “سوفت باور” في حل الأزمات بدول الساحل بدل القوة الصلبة التي اعتمدتها الجزائر منذ بداية هذه الأزمة وافتعالها، خاصة من خلال ما يسمى بـ “تمنراست بلان“ أو “مخطط تمنراست“ لمحاربة الإرهاب، علاوة على يسمى بـ “دجوبن ميليتاري أو بيريسن“ التي اعتمدتها في 2010، والتي تبتغي منها الجزائر أن تتبع نهجا يعاكس حقيقة طموحات الدول المسالمة واعتماد الآلة العسكرية هو ليس في صالح الدول الإفريقية.
إذن كل هذه العزلة التي أصبحت فيها الجزائر بفعل التطورات الكبيرة في قضية الصحراء المغربية، ويبين حقيقة أن الجزائر ليس لديها بدائل قوية، على اعتبار أن التحولات الدولية والجيوسياسية بالمنطقة أصبحت تتجاوزها بشكل كبير، وبالتالي فالجزائر تتخبّط في ردود الأفعال السيئة والعدوانية ضد المغرب والتي لا تخدم وحدة واستقرار المنطقة بشكل آخر.