نظمت مؤسسة عبد الواحد القادري بشراكة مع الجمعية الإسماعيلية للتواصل والتنمية الاجتماعية، يوم السبت 2 نونبر 2024 بالمركب الثقافي للمؤسسة بمدينة الجديدة، حفل توقيع ديوان " تتمنع عني العبارة" للشاعرة مينة الأزهر، وبحضور فعاليات ثقافية وأدبية وفنية من داخل وخارج مدينة الجديدة، وقد صاحب هذا التوقيع تقديم قراءة في الديوان من قبل الشاعر والقاص والإعلامي سعيد منتسب و الباحثة نعيمة الواجيدي والكاتب محمد مستقيم وتحت إشراف وتسيير الشاعرة والإعلامية حفيظة الفارسي، واستهدفت تلك القراءات إضاءة العوالم الشعرية واللغوية والتخييلية لقصائد الديوان، وقد تخللت هذا الحفل فواصل موسيقية من توقيع عازف العود عز الدين الحسيني.
بعد كلمات الترحيب والشكر أعطت الإعلامية حفيظة الفارسي الكلمة للشاعرة مينة الأزهر استهلتها بالترحيب والشكر للجمهور الكريم والترحم على الشاعر والزجال عبد الكريم ماحي، متأسفة على ما يعيشه الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني من تقتيل وإبادة، ثم انتقلت للحديث عن بيئتها وانحدارها من أسرة تُعز الثقافة والإبداع وكيف امتدت إليها عدوى القراءة قبل أن تتحول إلى القول الشعري الذي تتوجه اليوم بتوقيع ديوانها الثالث " تتمنع عني العبارة".
بعدها أخذت الكلمة الباحثة نعيمة الواجيدي، الأستاذة والباحثة بجامعة شعيب الدكالي، في البلاغة وتحليل الخطاب وصاحبة " النظرية الجمالية في العروض عند المعري" و" بلاغة القصيدة الزجلية المعاصرة بالمغرب"، وقد اختارت الباحثة تقديم قراءة في عتبات النص مستفيدة من أهم التنظيرات الذي بلورتها نظرية التداول، منبهة إلى أنها تتجاوز لن تقف عند حدود قصدية الخطاب المرتبطة بالعقل والإقناع، لذلك اختارت الباحثة مقاربة الخطاب الشعري للديوان من زاوية وجدانية وعاطفية, مشيرة في نفس السياق، إلى أهمية تلك العتبات في الدراسات الأدبية وقدرتها على كشف مكنونات النص، باعتبارها مفاتيح أولية لتفكيك مغاليق الدلالات والغوص في أعماق النص الإيحائية والرمزية، كما ركزت على عتبة العنوان محللة بنياته وعلاقاته التركيبية والدلالية وتناصه مع العديد من العبارات الشعرية الصوفية التي تستحضر صيغة التوتر بين الذات والعبارة ومنها عبارة النفري " كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" وعبارة الشاعر المغربي أحمد المعداوي المجاطي " تُسعفني الكأس ولا تُسعفني العبارة"، هكذا تتأسس تلك العلاقة المتوترة بين ذات الشاعرة وبين العبارة، توتر تكشف عنه الذخيرة المعجمية الدالة على وضعيات اليأس والحزن والإحباط..... وغيرها من الوحدات المعجمية التي تسهم في ذلك التوتر والنشاز، غير أن الباحثة تنبه إلى أن نغمة التوتر خفت حدتها في الجزء الثاني من الديوان حيث تتحول الذات من وضعية الحزن والانكسار النفسي إلى وضعية الأمل والرجاء.
قراءة الشاعر والإعلامي والروائي سعيد منتسب وهو كاتب " ضد الجميع" اختار الكتابة بجسد عار، كتابة يُخضعها في كل تجل إبداعي، في القصة والشعر والرواية، يُخضعها إلى عملية "قلب مفتوح" يُمزق ويخرق بمشرط حاد القسمات لُعيد للغة نضارتها وتوهجها. لقد انصبت مداخلة منتسب على تفكيك الروابط الخفية بين الإشارة والكلام حيث تكون مساحة المُصرح به أقل بكثير من مساحة المسكوت عنه، عندها يتساءل المتدخل عن إمكانية تحول المسكوت عنه إلى كونه فرصتنا الأخيرة للنجاة من مخالب يأس طاعن في الغرق وكيف السبيل إلى تحمل قصور العبارة عندما يكون الجُرح أكبر منها وهو المتهم الخفي؟ في ضوء هذا التساؤل يقرأ سعيد منتسب قصائد الديوان حيث يتجلى يكون الوجود جرحا والشاهد على ذلك الجرح عبارة.
ركزت مقاربة الباحث محمد مستقيم وهو أستاذ الفلسفة وناقد أدبي صاحب " تخوم بابلية"، ركزت على تفكيك بنية التقابل والمفارقة في ديوان الشاعرة مينة الأزهر، حيث بين طبيعة هذا التقابل من خلال التقسيم الشعري الذي اختارته الشاعرة، وقد يكون بطريقة لا شعورية، حيث تتأسس بنية التقايل على بنية ثنائية تتراوح بين الألم/ والأمل ففي القسم الأول من الديوان يهيمن المعجم اللغوي الدال على وضعيات اليأس والانكسار وما تستشعره الذات من خيبات متوالية بلا انقطاع، بينما يأتي القسم الثاني من الديوان الذي تلملم فيه الذات جراحها لتستبدل معجم الخيبة والحزن بمعجم الأمل والرجاء حيث يعود الحلم وتتسع مساحة الأمل بتغير الأحوال، وهنا يشير المتدخل إلى كون التمنع لم يكن نهائيا بل كان عارضا فرضته سلطة الوضعية المتأزمة كما عاشتها الشاعرة. ضمن نفس السياق التحليلي يشير الأستاذ محمد مستقيم إلى التقارب الأجناسي بين قصائد الديوان وقصائد الهايكو الجنس الشعري الجديد الذي فرضته الحداثة الشعرية.
وختاما، قامت الشاعرة بتقديم قراءات شعرية من ديوانها لتنتقل بعد ذلك إلى توقيع نسخ الديوان للجمهور الحاضر بقوة والذي ظل متتبعا لجميع محطات هذا الحفل المتميز.