محمد عزيز الوكيلي: فاز ترامب.. " فتحقق الكابوس " 

محمد عزيز الوكيلي: فاز ترامب.. " فتحقق الكابوس "  محمد عزيز الوكيلي
جرت العادة في أدبياتنا عامةً، والسياسية خاصةً، أن نتحدث عن "تحقيق الأحلام" و"الرؤى" و"المطامح"، ولكننا عندما يتعلق الأمر بالكوابيس والتوقعات المتشائمة، والأكثر تشاؤماً، فإننا نكتفي بالقول عند وقوعها وتَحَقُّقها على أرض الواقع، إنها "حلت"، أو "نزلت"، كما تحل الفيضانات، وتنزل الصواعق أو تضرب!! 
 
غير أننا في هذه الواقعة، أقصد واقعة فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لعهدة جديدة بعد غياب استغرق أربع سنوات، نُلفي أنفسنا بإزاء كابوس حقيقي ومرعب بكل المقاييس، ونجد أنّه قد "تحقق" كما تتحقق الأحلام الوردية، غير أنه بلون القار والحمم البركانية لا بلون الزهور!!
 
لا ريب أنكم قد فهمتم القصد، وأدركتم بدون كبير عناء أنني بصدد الإشارة إلى "الكابوس الجزائري" تحديداً، والذي عاشه الجزائريون برمّتهم منذ بداية إعلان ترشّح ترامب للانتخابات الرئاسية كمنافس لجو بايدن، الذي غادر قبل أوانه بسبب الخَرَف، فكان ثالث رئيس أمريكي يدفعه حظه العَاثِرُ إلى خارج البيت الأبيض، بعد كل من نيكسون، الذي أبعدته فضيحة "واتر غيت"، وريغان الذي قوّضت ترشّحه للعهدة الثانية فضيحةُ "إيران غيت"، ومرضُ إلزهايمر، إذا لم تخنّي الذاكرة!!
المهم... أن جيراننا الشرقيين ظل يراودهم كابوس عودة ترامب إلى سدة الرئاسة في بلاده، فكانت وطأة هذا الكابوس كما لو كان ترامب سيعود إلى الرئاسة في الموراديا وليس في "واشنطن دي سي"... والأهم، أن الحالة التي أصبح عليها غير السعيد شنقريحة وعبد المجيد تبون وحَوارييهما الشائخِين هي أفظع من حالة ذلك الذي كان يمشي في منامه فسقط في جب سحيق، ولكنه استيقظ وهو بداية سقطته وقبل الوصول إلى قرار الجبّ، فعاش السقطة الرهيبة بكل تفاصيلها!!
 
عندما أعلن دونالد ترامب سنة 2020 اعترافه الرسمي بمغربية الصحراء، سارع حكام الجزائر وإعلامُهم، الأشبه بمجاري الصرف الصحي، إلى توجيه ما لذ وطاب من الشتائم لشخص الرئيس الأمريكي، قبل أن يتقوّلوا في قراره الأقاويل، معتبرين إياه مجرد تغريدة في صفحته الشخصية بإحدى قنوات التواصل الاجتماعي، حتى وهم يأخذون علماً بتوجيهِه ذلك القرار في صيغته الرسمية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، بعد تدوينه في سجل حوليات البيت الأبيض. ووبالرغم من ذلك لم يُخفوا انتظارَهم المُبْرِح والمؤلِم لسَحب ذلك الاعتراف بمجرد جلوس بايدن على مقعده الشائك وغير المريح بالمكتب البيضاوي، ولم يَكُفّوا عن انتظار حدوث ذلك إلى غاية الأشهر القليلة الماضية، عندما ضاقت الدولةُ العميقة في بلد العم سام ذِرعاً بسفاسف حكام الجزائر، فأوعزت لِمُوفِدَتها إلى الموراديا بأن تصرّح لوسائل الإعلام الجزائري، بكل الصراحة الممكنة، بأن "الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء أصبح حقيقة تاريخية" حسب تعبيرها... عندئذ فقط، أدرك حكام الجزائر بأن قرار الرئيس ترامب في نهاية ولايته السابقة كان قرار دولة، ولم يكن أبدا مجرد تدوينة كما صوّرت لهم أحلام يقظتهم... غير أنهم بالرغم من كل ذلك حوّلوا وجهةَ آمالهم وأحلامهم باتجاه المرشحة كامالا هاريس، التي حلت محل بايدن في دكة الترشيح للرئاسة، حتى أنهم حركوا لوبياتهم الأمريكية الفاشلة لدعم هذه الأخيرة في حملتها الانتخابية، وهم يعلمون، بلا شك، أن ذلك يعلمه دونالد ارامب، وأنه لن يفوّته لهم في حالة فوزه... ومن هنا بالذات، أخذ كابوس فوز ترامب شكلَه المخيف، وزُخرُفَه الكارثي والخُرافي، وصار أقوى من كل الكوابيس التي يمكن أن يأرق لها حُكام الموراديا العجزة!! 
 
والآن، بعد أن "تحقق الكابوس" الجزائري المرعب، ما الذي ينتظره حكام الجزائر من رجل أشبعوه سبّاً وشتماً حينما كان خارج البيت الأبيض هناك؟ وما الذي يتوقعونه منه بعد أن كان في نهاية ولايته السابقة قد أعلن عن قرارين اثنين يخصان قضية وحدتنا الترابية: أوّلُهُما، يقضي بفتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة تحديداً؛ وثانيهما، يتمثل في تنفيذ مشاريع استثمارية في ذات المنطقة بقيمة تُقارب خمسة ملايير دولار، وهي المشاريع التي من الطبيعي أن تشكّل أوضح وأبرز مبرر لفتح تلك القنصلية، من أجل خدمة المشاريع ذاتها والقيّمين عليها، والتي قيل ساعتئذ إنها ستشمل مجالات الصناعة الدقيقة والصناعات الزراعية والتكنولوجيا العسكرية... فانظروا حفظكم الله إلى أين سيقودنا التعاون المغربي الأمريكي في عهد هذا الرئيس "البيزنس مان"، الذي يولي في العادة كامل اهتمامه للتعاون الاقتصادي المتنوع والموسّع، ولكنه في الآن ذاته يحرص على دعم التعاون الاقتصادي بكل وسائل الدفاع العسكري والمشروع عن ذاته حتى لا تذهب ملاييره أدراج الرياح!!
 
بيد أنّ الأكثر من الأهمّ في كل هذا، أن حكام الجزائر سَيَرَوْن ملف النزاع المفتعل حول صحرائنا وهو ينزلق من بين أصابعهم المتيبّسة من فرط شيخوختهم، واللزجة من فرط رعبهم وخوفهم من الآتي... بل سَيَرَوْن فضلاً عن ذلك صنيعتَهم البوليساريو وهي تدخل عن جدارة واستحقاق إلى "سجل التنظيمات الإرهابية"، ليتحول حكام الجزائر أنفسهم إلى "راعين للإرهاب"، وساعتئذٍ، لن ينقذهم لا الروس ولا الصينيون، ولا كل أصدقائهم المرتشين، من العقوبات التي جرت العادة بأن يخصصها المجتمع الدولي لكل "الأنظمة الراعية للإرهاب"، ولا ريب أن من بينها تدبير "الغاز والنفط مقابل الغذاء"، الذي يعتبر أصعب وأفظع عقاب يمكن أن يحل ببلد له من الخيرات الغازية والنفطية ما يجعله في غنى عن كل هذه الإخفاقات!!
 
نسأل الله لنا السلامة والعافية، ونسأل الله لهم أن يستمروا في السقوط في سوء أعمالهم... وما غَدُ هذه المَآلاتِ السوداءِ ببعيد!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي.