إدريس الفينة: المداخل الستة التي أعادت دونالد ترامب للبيت الأبيض

إدريس الفينة: المداخل الستة التي أعادت دونالد ترامب للبيت الأبيض دونالد ترامب
لتحليل الأسباب العميقة التي جعلت شريحة واسعة من الأمريكيين تتجه لاختيار دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة مجددًا، يتعين تناول العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بتفصيل أعمق، مستندين إلى تحليل سوسيولوجي وسيكولوجي لجمهور الناخبين الأمريكيين في المرحلة الراهنة.

1. الركائز الاقتصادية: تأييد العودة للنموذج الحمائي
سياسات اقتصادية وطنية صارمة: ارتبطت رئاسة ترامب الأولى بسياسات اقتصادية قائمة على خفض الضرائب للشركات الكبرى والأفراد ذوي الدخل المرتفع، وتقديم حوافز للشركات الأمريكية للعودة إلى الولايات المتحدة. هذا النهج لم يعزز فقط ثقة قطاع الأعمال، بل قدم للأمريكيين تصورًا بأن ترامب قادر على تحفيز الاقتصاد وإعادة بناء الصناعات الأمريكية التقليدية التي شهدت تدهورًا في العقود الماضية.

تأثير الحماية الاقتصادية على العمالة: جزء كبير من الدعم لترامب ينبع من فئة العمال التي تضررت بفعل العولمة واتفاقيات التجارة الحرة، لا سيما في ولايات “حزام الصدأ” الصناعية. هؤلاء يرون في ترامب قائداً يلتزم بتعزيز فرص العمل المحلية وحماية القطاعات التي تواجه تحديات تنافسية مع الأسواق الأجنبية، خاصة الصين.

2. التوجهات الشعبوية والخطاب المباشر
ترسيخ الهوية الوطنية في مواجهة النخبة: نجح ترامب في تقديم نفسه كصوت للطبقات العاملة والوسطى التي شعرت بأنها مهمشة من قبل النخبة السياسية في واشنطن. يرتكز خطابه على فكرة “أمريكا أولاً”، مما يلبي الحاجة لدى العديد من الأمريكيين لاستعادة هويتهم الوطنية التي يرون أنها تآكلت في ظل التعددية الثقافية والتوجهات الليبرالية المتنامية.

تخاطب مع “الناخب العادي” بلغة صريحة: اعتمد ترامب على لغة شعبوية بسيطة تصل مباشرةً إلى قلوب مؤيديه، مع تجنب الأسلوب الدبلوماسي التقليدي الذي يراه البعض كدليل على النفاق السياسي. هذا الخطاب العفوي مكنه من بناء قاعدة دعم واسعة ومخلصة، خاصة بين الفئات الأقل تعليمًا التي تنظر إلى النخبة السياسية والإعلامية بتشكك.

3. مواقفه في السياسة الخارجية: استقلالية القرار الأمريكي
رفض النهج التقليدي للسياسة الخارجية: شكّل ترامب تحولاً عن السياسة الخارجية التقليدية للولايات المتحدة، وابتعد عن التدخلات المكلفة في الخارج، وركز على إقامة علاقات اقتصادية واستراتيجية قائمة على “المصالح الأمريكية” فقط. هذا التوجه القومي لاقى تأييدًا لدى الناخبين المتعبين من التدخلات الخارجية المكلفة وغير المثمرة، مثل العراق وأفغانستان، والذين يرون أن الحروب الخارجية ليست في مصلحة الشعب الأمريكي.

تأثير حروبه التجارية على القاعدة الصناعية: من خلال فرض التعريفات الجمركية على الواردات من الصين والمكسيك والاتحاد الأوروبي، أعطى ترامب انطباعاً بأنه يتصدى للتهديدات الاقتصادية الخارجية بطريقة عملية. بالنسبة للعديد من العمال الأمريكيين في القطاعات الصناعية، مثل صناعة الصلب والألومنيوم، كانت هذه السياسات حيوية لإعادة توازن سوق العمل المحلي.

4. رد فعله تجاه جائحة كوفيد-19 وإدارة الأزمات
التركيز على الاستقرار الاقتصادي في وجه الأزمات الصحية: رغم الانتقادات الشديدة التي واجهها ترامب بسبب إدارته لجائحة كوفيد-19، يرى مؤيدوه أن قراره السريع بإعادة فتح الاقتصاد كان ضروريًا للحفاظ على معيشة الأمريكيين. موقفه كان محفوفًا بالجدل، ولكنه جذب دعمًا من الفئات التي شعرت بالضغوط المالية والنفسية نتيجة الإغلاقات، خاصة في الولايات المتضررة اقتصاديًا.

تقديم نفسه كقائد يتحدى القيود: موقف ترامب تجاه الجائحة، الذي رفض فيه ارتداء الكمامة وركز على “الحرية الشخصية”، جاء منسجماً مع رؤيته للقيادة كقوة استقلالية تتحدى “التوصيات البيروقراطية”. هذا الموقف رسخ لدى العديد من الناخبين صورة ترامب كقائد “يضع مصلحة الشعب فوق الصحة العامة” التي رأى البعض أنها تسيطر عليها هيئات لا تهتم برفاهية الأمريكيين.

5. الثقافة الأمريكية المحافظة ورفض الليبرالية الحديثة
حماية القيم التقليدية: يجسد ترامب دور المدافع عن القيم التقليدية في مجتمع يشهد تحولات ثقافية كبرى، مثل قضايا حقوق المثليين وحقوق الأقليات. بالنسبة للأمريكيين المحافظين، يعتبر ترامب حاجزاً في وجه ما يرونه تهديداً للهوية والثقافة الأمريكية.

رفض “الاستيقاظ السياسي” (Political Correctness): سعي ترامب الدائم للحديث عن “الاستيقاظ السياسي” واتهاماته لوسائل الإعلام بأنها “أخبار كاذبة” أعطته شعبية لدى فئات واسعة تشعر بالضجر من قيود اللياقة السياسية وتعتبرها تدخلاً غير مبرر في حرية الرأي والتعبير.

6. استراتيجية حملته الانتخابية وتحالفاته الواسعة
حملات ضخمة وحشد جماهيري غير تقليدي: اعتمد ترامب على التواصل المباشر مع مؤيديه من خلال لقاءات جماهيرية ضخمة في مناطق مفتوحة وأماكن غير تقليدية. كما أنه استثمر بكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي ليصل إلى شريحة أوسع، مما أعطى حملته صبغة مختلفة وحيوية مكنته من تجاوز استراتيجيات الحملات الانتخابية التقليدية.

بناء التحالفات مع منظمات وحركات محافظة: عقد ترامب تحالفات قوية مع مجموعات محافظة ومنظمات دينية، مستفيدًا من الدعم الكبير الذي يقدمه له اليمين المسيحي والمجموعات المحافظة. هذه التحالفات منحت حملته قاعدة قوية خاصة في الولايات الجنوبية والوسطى، حيث للقيم الدينية أهمية كبرى.

يعود اختيار الأمريكيين لترامب كرئيس مرة أخرى إلى عوامل معقدة تتجاوز الانتماءات الحزبية التقليدية. إذ يعكس هذا الاختيار رغبة في العودة إلى سياسات “تضع أمريكا أولاً”، وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية، والدفاع عن القيم التقليدية. في ضوء التحولات العالمية السريعة والأزمات الداخلية، يبدو أن شريحة واسعة من الأمريكيين ترى في ترامب الزعيم الذي يعبر عن مخاوفهم وآمالهم في استعادة مكانتهم داخل مجتمع سريع التغير.