من الأكيد أن الباحثين والدارسين المتتبعين لملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية يدركون تمام الإدراك لعبة التمويه التي يسلكها "ساسة الجزائر"، مع الاعتذار الشديد للسياسة الحقّة والسياسيين الحقيقيين، حين يتكلم حكام الجزائر عن الاستفتاء، وعن تقرير المصير، وحين يدّعون احترام التوصيات الأممية وقرارات مجلس الأمن، ثم حين يبررون رفضهم الجلوس إلى المائدة المستديرة بكونهم ليسوا طرفاً في النزاع، ويطالبون بالمناسبة بإجراء مفاوضات ثنائية بين المغرب وميليشيات البوليساريو، وأخيراً حين يوحون لممثلي الأمين العام للأمم المتحدة المتعاقبين بفكرة تقسيم الصحراء المغربية بين الجزائر المتنكرة لعلاقتها بهذا النزاع، والمغرب الذي يوجد بصحرائه ويبسط عليها سيادته بكل الدلالات القانونية والإدارية والعسكرية للكلمة.
لنرَ الآن هذه الادعاءات، كلاًّ منها على حدة:
أولاً: بالنسبة للاستفتاء، يتناسى الجزائريون أن الذي دعا إلى الاستفتاء، لأول مرة، هو المغرب بلسان جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، في دورة 1981 لمؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية، وأن تَحَكُّمَ الجزائرِ ذاتِها في سلوكات بيادقها في البوليساريو وقَمْعَها لحرية تحركهم وإرادتهم، وكذا لقراراتهم، هو الذي أفشل الاتفاق على الكتلة البشرية المعنية بالاستفتاء، من خلال رفضها لأبناء القبائل المغربية الصحراوية، ومحاولتها إدخال هُوِيات غريبة عن النسب الصحراوي الأصيل إلى قائمة المُستفتين... وبطبيعة الحال، فقد اكتفى الجزائريون كعادتهم بتوجيه أصابع الاتهام إلى المغرب واصفين إياه بالمعرقِل الفعلي لتلك الآلية!!
ثانياً: بالنسبة لتقرير المصير، كيف يُعقَل أن تطالب الجزائر بتقرير مصير شعب قررت هي ذاتُها مصيره، حين حسمت في حاضره ومستقبله بتحويله إلى "جمهورية عربية صحراوية ديموقراطية"، في حين أن "عملية تقرير المصير" التي يُفترَض أن تتم، والتي تترافع الجزائر من أجل أن تتمّ، وتنادي بذلك لدى الأمم المتحدة وفي كل المحافل بلا استثناء، لم يسبق لمن تعتبرهم شعبا لتلك الجمهورية أن انخرطوا فيها وقرروا مصيرهم بأي شكل من الأشكال المعترف بها دوليا وعالمياً، وإنما خرج قرار إنشاء جمهوريتهم من مكتب الرئيس الجزائري هوار بومدين، الذي قال بعظمة لسانه، وهذا موثق بالصوت والصورة، إنه أسّسها لتكون بمثابة الحجر المُدْمِي في الحذاء المغربي... والبقية يعلمها الجميع...
فهل يُعقل أو يجوز قانونياً أن يُستفتَى شعبٌ حَوْل مصيرِه وهو يشكّل أحد المكونات "اللاقانونية" لجمهورية قائمة الذات، لها تُرابها داخل الجزائر، ولها جيشُها المسلح على حساب مقدّرات شعب الجزائر، ولها مَحاكمُها وسُجونُها وأمنُها ودركُها... بل ولها سيادتُها على ذلك الجزء من التراب، بغض النظر عن كونه إقليما مغربياً واقعاً تحت الاحتلال بالتوارث عن "المقاطعة الفرنسية لما وراء البحار"؟!!
ثالثا: بالنسبة لادّعاء الجزائر احترامها لقرارات المجتمع الدولي، يَعلم حكام هذه الجارة المعتوهون، أن المجتمع الدولي وضع معالجة ملف هذا النزاع المفتعل ضمن أجندته، وأنّ أمينُه العام عَهِدَ لممثلين شَخْصيِّين عنه، متعاقبِين، بمتابعة الجهود المبذولة أممياً لحله وإنهائه "بما يُرضي جميع أطرافه"، وأن الجزائر كاذبة في ادّعائها احترامَ الجهدِ الأممي، لأنها ترفض الامتثال لقرارات مجلس الأمن الداعية إياها منذ أكثر من سبع عشرة سنة، أي منذ إيداع المغرب لمقترحه للحكم الذاتي، إلى الانخراط في هذا الجهد الأممي بجلوسها إلى الموائد المستديرة، التي تدل "استدارتُها"، بالتحديد، على اعتبار الجزائر طرفا كجميع الأطراف الأخرى، ودعوتها بتلك الصفة الصريحة إلى المشاركة على قدم المساواة مع المغرب بالذات، والمغربُ يرى فيها الطرف الوحيد الذي يستحيل إيجاد أيِّ حل بدون مشاركته الفاعلة، وبدون إقراره بكونه أساس المشكل القائم... هذا من جهة.
من جهة أخرى، إن النظام الجزائري بجلوسه إلى مائدة التفاوض المستديرة بصفته البيّنة والصريحة كطرف، سيكون عليه أن يُنهي لعبة تحريك الجناح العسكري لدُميته البوليساريو، بالبدء بنزع سلاح هذه الدمية، وإعادتها إلى حجمها الطبيعي، الذي سنَفترِضُ جَدَلاً أنه عبارة عن لجوء سياسي أو إنساني، وفي الحالتين معا ينبغي تمتيع هؤلاء اللاجئين بحقوقهم المشروعة، التي تنص عليها القوانين الدولية وترعاها المفوضية الأممية للاجئين بوصفها بنداً رئيسياً من بنود "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، وإخضاعهم قبل ذلك لإحصاء دقيق ومفصل يُغربِل ما لَحِق بهم من مرتزقة البلدان المجاورة والدخيلة...
إنّ هذا، بالذات، لن تستطيع الجزائر الامتثال له والالتزام به لأنه سيسحب البساط من تحت أقدام نظامها الكسيح، الذي لا يرى أي أمل في بقائه في سدّة الحكم والسلطة إلاّ بتأبيد هذا النزاع... ولذلك يفعل نظام الجزائر، وسيظل يفعل، المستحيلَ لإبقاء النزاع على ما هو عليه... وعلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها أزكى التَّحايا والسلام (!!!)
من جهة ثالثة، يتناسى نظام الجزائر بأن وجود ملف هذا النزاع بين يدي اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، التي يتغنّى باحترام مداولاتها وتوصياتها، إنما تَحقَّقَ بفضل المغرب، الذي أودع ملف مطالبته بتحرير أقاليمه المحتلة من الاستعمار الإسباني في سنة 1963، وأن المغرب بناءً على ذلك، هو المؤهَّل وحده لترك ذلك الملف حيث هو، أو سحبه متى شاء، بعد أن استرجع صحراءه بواسطة معاهدة مغربية إسبانية تم إيداعها في إبانها وبمجرد إبرامها في سنة 1975 لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وبتحصيل الحاصل، لدى اللجنة الرابعة سالفة الإشارة... ولعل السبب في عدم سحب المغرب لذلك الملف من اللجنة الرابعة إلى غاية يومه، هو أنه ما زال ينتظر تصفية الوجود الاستعماري الإسباني فيما تبقّى من مدنه وجزره وثغوره في يد الإسبان، ولا ريب أن موعد تلك التصفية بات أقرب مما كان عليه الأمر في السابق، خاصةً مع اقتراب فك الارتباط البريطاني/الإسباني حول صخرة جبل طارق... وكما نعلم جميعاً، فمن غير المقبول دولياً أن تستأثر إسبانيا بمراقبة ضفتي مضيق جبل طارق وحدها، وذلك لاعتبارات جيوإستراتيجية لا يمكن القفز عليها من جانب واحد!!
وأخيراً: بالنسبة لتبرير الجزائر مطالبتها بتقسيم الصحراء المغربية معها بكون المغرب كان قد قبل تقسيمها مع موريتانيا، يتغابى حكام الجزائر عن قصد ويتظاهرون بحسن النية وهم يدركون أن تقسيم الأقاليم المغربية الجنوبية المسترجعة مع موريتانيا في بداية الأمر لم يكن يُغيّر شيئاً من واقع حدود المغرب الجنوبية، ما دامت موريتانيا هي عين الجار الجنوبي في كلتى الحالتين، أما في حالة تقسيمها مع الجزائر، أو مع جمهوريتها الفضائية، فإن ذلك سيجعل المغرب مُطَوَّقا من لدن الجزائر من جهة الجنوب، ما دامت الجزائر هي صاحبة الكلمة الفصل والهيمنة التامة على جمهوريتها الخيالية... فهل يُعقل أن يكون حكام الجزائر، ومعهم بالمناسبة ممثل الأمين العام، السيد ديمستورا، من الغباء إلى الحد الذي يجعلهم يعتقدون أننا يمكن أن تنطلي علينا هذه المحاولات اليائسة والبئيسة؟!!
ختامه... منذ أن أودع المغرب لدى الهيأة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن اقتراحه للحكم الذاتي، والجزائر مدعومة بأنظمة لا تقل غباءً وبلادةً، مثل إيران وجمهورية جنوب إفريقيا وكوبا، تحاول بكل الوسائل تقديم نفسها كطرف مراقب في نزاعٍ هي التي صنعته وصنعت له كل متطلبات إبقائه وتأبيده، أو تقدم نفسها كطرف معني فقط لا غير بمصائر الشعوب المستضعفة، مقدّمةً كلَّ ذلك بمبررات وعِلل لا مكان لها في عوالم العقل والذكاء الأممي والدولي، والمصيبة أنها من فرط تصديقها لأكاذيبها ومبرراتها الواهية تنتظر من المجتمع الدولي أن يحذو حذوها فيصدق بها بدوره، حتى وهي تعلم علم اليقين بأن المفرب لن يقبل، ولن يفعل، ولو صدّق أكذوباتِ أغبياءِ الموراديا كلُّ دول المعمور!!
لأجل ذلك... سندعهم في أحلامهم يعمهون!!!
_____
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي.