عبد الجليل أبوالمجد: الفساد السياسي أخطر أنواع الفساد

عبد الجليل أبوالمجد: الفساد السياسي أخطر أنواع الفساد عبد الجليل أبوالمجد
قال المهاتما غاندي: "يوجد في هذا العالم ما يكفي لسد كل حاجات الإنسان.. ولكن ليس ما يكفي لإشباع جشعه!"
تعاني كافة البلدان، وبمستويات مختلفة، من الفساد السياسي، حيث يعيق النمو والتطور ويستنزف الموارد والطاقات، ويؤدي في نهاية المطاف إلى فقر المجتمع، ولا يمكن لأي بلد أن ينهض ويزدهر بينما الفساد ينخر جسمه والمفسدون يتنافسون في نهب خيراته.
 
والمغرب، كفيره من البلدان، يعاني منذ عقود من الفساد بكل صوره، ولكن الظاهرة استفحلت في السنوات الأخيرة، بدليل تقهقر ترتيب المغرب في مؤشر الفساد (CPI)، الذي يقيس حجم الفساد في القطاع العام في دول العالم. وهنا تطرح تساؤلات: ما الأسباب التي أوصلتنا إلى الوضع الحالي؟ وهل الفساد السياسي حقا هو المسؤول الأول عن تردي سجل المغرب التنموي؟
 
أسباب ما وصلنا إليه قديمة ومتعددة ولعل من أهمها النموذج الاقتصادي الرأسمالي المشوه الذي تبعه المغرب. هذا النموذج ولد في المغرب طبقة متمتعة بامتيازات احتكارية منذ الاستقلال إلى اليوم، رغم التنصيص في دستور 2011 على أهمية ربط المسؤولية بالمحاسبة وتعزيز آليات الرقابة ووجود بعض الهيئات، مثل مجلس المنافسة وهيأة النزاهة والوقاية من الرشوة.
 
صحيح أن استحداث هذه آليات والمؤسسات هو خطوة لافتة، بل إيجابية، إلا أن هذه الخطوة وحدها ليست كافية، وستبقى محدودة التأثير السياسي وضعيفة الفاعلية وقليلة الجدوى إن لم تعبر عن رؤية بعيدة المدى، ولا تتخذ شكل الخيار الاستراتيجي.
 
وفي ظل غياب الرؤية الواضحة ستبقى تكلفة الفساد كارثية بكل المقاييس، على الدولة والمجتمع من خلال اتساع دائرة الفقر والبطالة وتزايد التفاوتات الاجتماعية، وتصبح هذه الآفة أكثر خطورة على المجتمع عندما تتفشى داخل أحزاب سياسية غير فعالة.
 
وفي هذا الصدد نذكر على سبيل المثال لا الحصر، قضية مهاجمة قيادات الأحزاب المغربية تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات الذي فضح ضياع 20 مليون درهم مبلغ الدعم الإضافي على دراسات راج أنها وهمية، وتفتقد إلى المنهجية العلمية ومنحت للمقربين من بينهم أبناء السياسيين.
 
كما نذكر العبارة الشهيرة لرئيس الحكومة السابق التي أعلن فيها: "عفا الله عما سلف" بخصوص ملفات فساد سابقة، تتعلق باختلاس أموال طائلة من مؤسسات عمومية.
 
وعليه، لا يمكن المراهنة على أحزاب منخورة من الداخل في مواجهة خطر الفساد، فالمؤسسات الحزبية التي لا تدبر ماليتها بشفافية، ولا تعاقب نخبها الفاسدة لا يمكن الاعتماد عليها في مكافحة الفساد أو حتى التضييق عليه.
 
وأخيرا لابد من الإشارة إلى أن الفساد السياسي ليس مسؤولية السياسيين وحدهم فحسب، بل إنه مسؤولية الجميع، من دون استثناء أو تمييز، وإن كان مقدار هذه المسؤولية يتفاوت، وكذلك طبيعتها تختلف أيضا، الوطنية والسياسية والقانونية والمعنوية. فليست هذه المسؤولية هي نفسها على الجميع بالتأكيد. هذه هي الحقيقة، فالكل مشترك وضالع، والجميع يتحمل المسؤولية. فالمغربي الذي يبيع صوته، والمغربي الذي ينتخب الفاسدين والسارقين، لا يعتبر ضحية الفساد والفشل وإنما شريكا للفاسدين.
 
ختاما، يوجد المغرب اليوم بين سندان تحديات الخارج ومطرقة الأزمات الاجتماعية المتراكمة، فالتحديات كبيرة ومتراكمة، وإذا لم يتم التصدي للفساد والإفساد، ستكون النتائج كارثية على المغرب مستقبلا، فاللعب بالنار لا يمكن أن يضمن الاستقرار.