يبدو المسار الذي تسير عليه المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني أمرا غير مسبوق، سواء على مستوى الصعيد الوطني، ولا فيما يتعلق في العلاقات بناء على اختياراتها على الصعيد الدولي. ومن خلال استقراء الخطوات التي تكشف عنها مجموع الاتفاقيات التي أبرمت داخل المغرب مع شركاء ومؤسسات عمومية للجهاز الأمني، أو مع شركائنا وحلفائنا على الصعيد الدولي، يبدو على أن هناك مخطط مدروس بعناية يستجيب لراهنية تحديث الجهاز الأمني من جهة، ويستجيب من جهة ثانية للضرورة الملحة لوضعه في قلب العمل الديبلوماسي للمملكة على الصعيد الدولي.
العدد الهائل من الاتفاقيات والشراكات التي أبرمت داخليا، تكشف عن الرغبة الأكيدة للقائمين على الجهاز الأمني ومراقبة التراب الوطني، لعصرنة المقاربة التي تنبني عليها السياسة الأمنية في مجال مكافحة الجريمة وحماية حقوق الإنسان وتحصين الحريات العامة.
ومن جهة ثانية يمكن القول بكل سهولة على أن الاتفاقيات والشراكات المبرمة مع عدد من أجهزة الدول الحليفة والصديقة للمملكة المغربية تكشف عن بلورة وعن نضج تصور ما يمكن أن يطلق عليه الديبلوماسية الأمنية، والتي يمكن أن تضطلع إلى جانب الأجهزة الديبلوماسية التقليدية المعهود إليها بالدفاع عن المصالح العليا للمملكة، الدفاع عن القضايا المصيرية والهامة كالوحدة الترابية لبلادنا، انطلاقا من الجهود التي تبدل أمنيا واستخباراتيا، وفي مجال تبادل المعلومة الأمنية والمعلومة الاستخباراتية، مع شركائنا وحلفائنا من أجل تجفيف منابع الإرهاب وثقافة التطرف والعنف ومحاربة الجريمة المنظمة، وإنفاذ الإنابات القضائية بالاعتقال الدولي وتسليم المجرمين، وترحيل السجناء وغيره من القضايا ذات الصلة بالموضوع.
بناء عليه يمكن أن أقول إن مخطط عصرنة مقاربة أو استراتيجية الجهاز الأمني تبني على محورين: محور داخلي، ومحور خارجي.
المحور الداخلي: يتجلى في أن رؤية القائمين على الجهاز الأمني ـ تبدو ـ على أنها مدروسة بعناية، مبنية على مخطط يراد له أن تكون الإدارة العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني في مركز العمل الفردي أو العمل المشترك مع المؤسسات العمومية والمؤسسات ذات الصلة إما بمحاربة الجريمة، إما بحقوق الإنسان، إما بدعم وتعزيز الحريات العامة. ويبدو على أن هذه الجهود تذهب في اتجاه إرساء شراكة يكون اللاعب الرئيسي فيها هي الإدارة العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، باعتبارها هي الجهاز الموكول إليه مباشرة بإنفاذ القانون ومحاربة الجريمة. ويمكن التأكيد على هذه المقاربة من خلال قيام المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني بالتطوير الجذري لهذه المقاربة من خلال العديد من الاتفاقيات للتعاون المؤسساتي، مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اللجنة الوطنية لمراقبة وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، الإدارة المركزية لبنك المغرب، المجلس الأعلى للحسابات، المعهد العالي للقضاء، وزارة الصحة، كلية الحقوق بأكدال بالرباط، جامعة محمد الخامس، المجلس الأعلى للسطلة القضائية، الوكالة الوطنية للمياه والغابات، وزارة الشبيبة والرياضة، واللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي. وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، ووزارة العدل. وكلها مؤسسات تتقاطع بطريقة أو بأخرى مع القضايا التي تعتبر من صميم المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني. وهي القضايا المبنية على ثلاث أضلاع: أولا محاربة الجريمة، ثانيا تعزيز ثقافة حقوق الإنسان بالنسبة للقائمين على إنفاذ القانون داخل الجهاز الأمني، وثالثا حماية الحريات العامة للمواطنين.
هذا المجهود للبناء المؤسساتي للإدارة العامة للأمن الوطني مع المؤسسات العمومية والشركاء المحليين داخليا في هذا الباب، يعد عملا غير مسبوق على الإطلاق على الصعيد الوطني، ويمكن أن يعتبر منعرجا في تاريخ تطوير هذا الجهاز بما يليق والتحديات المطروحة دستوريا وقانونيا ومؤسساتيا وحقوقيا على بلادنا والذي تطلع في جزء هام منه المديرية العامة للأمن الوطني.
على الصعيد الخارجي يمكن أن أقول على أن كثرة الاتفاقيات مع الأجهزة ذات الصلة، الشرطة القضائية والشرطة الفيدرالية الأمريكية، زيارة إلى موسكو وقطر، وهولندا، واستقبال إسبانيا، وموريتانيا، والسعودية، وزيارة للبرتغال، وبلجيكا وفرنسا، والمملكة المتحدة، والبرازيل والإمارات وغيرها، كلها لقاءات تؤكد على حجم الوعي لدى القائمين على الجهاز الأمني بأهمية بناء شركات على الصعيد الدولي بما يتيح من جهة تسويق صورة رائعة عن المملكة المغربية، باعتبارها رائدا وفاعلا إقليميا وفاعلا جهويا وفاعلا دوليا، في مجال محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، وشريك دولي ذو مصداقية في أعين حلفائه وشركائه وأصدقائه الغربيين والدول العربية والإفريقية فيما يتصل بتعزيز تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية بما يكفل تحقيق الاستقرار والأمن الدولي في شمال إفريقيا وغرب إفريقيا وعموم إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا وغيرها من المجالات الجغرافية التي يغطيها نفوذ أو عمل الجهاز الأمني الوطني.
ويؤكد من جهة ثانية الوعي الذي تبلور لدى القائمين على المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، على حقيقة تعمقت أكثر تتجلى أن المغرب أصبح فاعلا أساسيا، إقليميا وجهويا وعالميا في مجال تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية، إلى درجة أنه أصبح رقما صعبا في المعادلات التي تتعلق بمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، ورقم يصعب تجاوزه بحيث تسعى كل الدول إلى خطب ود المملكة المغربية والجهاز الأمني في هذا الباب.
الدليل على ذلك، طبيعة ومضمون العمل الاستباقي للمؤسسة الأمنية وتفكيك خلايا إرهابية في دول عديدة، كفرنسا، وبلجيكيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا، والوصول إلى افتكاك رهائن غربيين محتجزين من طرف جماعات إرهابية داخل إفريقيا بناء على معلومات وفرتها الأجهزة الأمنية المغربية. كل هذا يؤكد مصداقية الجهاز الأمني الوطني وفاعليته وكفاءة أطره، وأهميته بالنسبة للمملكة المغربية.ويؤكد على أن المغرب أمنيا واستخباراتيا، أصبح شريكا يعول عليه لعدة أسباب: أهمها أن المملكة المغربية تعتبر ديمقراطية في شمال إفريقيا مبنية على مبدأ التداول السلمي على السلط، بانتخابات تجرى في أوقاتها، والأكثر من ذلك هناك مراقبة المؤسسات البرلمانية والنيابية لعمل هذه الأجهزة بما يكفل للمملكة المغربية الريادة إفريقيا وعربيا ومتوسطيا وعالميا، في مجال أهمية الحصول على المعلومة الأمنية والمعلومة الاستخباراتية.