في السنوات الأخيرة، أولت الإدارة العامة للأمن الوطني، أهمية قصوى لبناء علاقات أقوى وأعمق مع مجموعة من المؤسسات العمومية الوطنية، من أجل ضمان مزيد من التنسيق والتفاهم بشأن المتطلبات العملية للإدارة على واجهات مختلفة، حقوقية وإدارية وتربوية. ذلك أن إدارة الأمن تعمل، كما هو معروف، في مجالات كثيرة تتطلب قدرات فريدة وتكميلية يمكنها، إن نُسِّقَت بشكل سليم، أن تسهم بصورة حاسمة في بناء جسور التعاون مع الوزارات والمنظمات والمؤسسات العلمية والأمنية والأجهزة العدلية على المستوى الإقليمي والدولي، ليس فقط من خلال المشاركة في المؤتمرات والندوات والتكوينات أو تبادل الخبرات على نحو عابر ومؤقت، بل بإبرام الشراكات المؤسسية وعقد الاتفاقيات الملزمة، بما يسمح بتوسيع نطاق التأثير ومشاركة المعرفة في مجالات العلوم الأمنية.
ومنذ تعيين الملك لعبد اللطيف الحموشي على رأس الإدارة العامة للأمن الوطني عام 2015 (بالموازاة مع الاحتفاظ بإدارة الديستي)، وجهاز الأمن الوطني يحرص على فتح آفاق جديدة للتعاون مع مختلف الشركاء، فضلا عن تعزيز الإدارة الأمنية، وتحديث آليات اشتغالها، بما يستجيب، أولا، للتحديات المطروحة راهنا، وأيضا حتى تحافظ على مستواها البارز على الساحة الدولية. ولهذا اختارت إنشاء مجموعة من الشركاء، من خلال إخضاع هذا الاختيار لقياس "الشريك الأفضل ملاءمةً"، أولا، لطبيعة العمل الأمني والرهانات المطروحة عليه، على المستوى القانوني والحقوقي والعلمي والتكنولوجي، وأيضا للتوجه التنافسي الذي أبانت عنه الإدارة الأمنية على جميع المستويات ذات الصلة بمحاربة الجريمة بمختلف أنواعها، وضبط المعطيات الأمنية، والاحتكام إلى النظم الحقوقية والقانونية، ومسايرة التكنولوجيات الحديثة وسبل ضبطها والتحكم فيها.
وتسعى إدارة الأمن الوطني، ضمن خطة شاملة للشراكات والاتفاقات إلى ملء كل الفجوات المحتملة على مستوى الخبرة، وتوسيع نطاق النتائج المطلوبة من إدارة تعمل في بيئة شديدة التعقيد، مما يفرض عليها تعزيز قدراتها، وإيجاد خطط عمل إضافية، على مستوى الخبرات التقنية المتخصصة، وأيضا على مستوى توقع المخاطر وتوسيع فرص الاحتراز منها وإدارتها والتخفيف من حدتها بشكل فعال، خاصة أن الشراكات تساعد على تلبية الاحتياجات التشغيلية المتزايدة، وعلى تعزيز أنظمة الرقابة الداخلية، وعلى تدوير استخدام الموارد بما يدعم القدرة على التخطيط والتنفيذ، كما يساعد على الحد من إنفاق على عديمي الكفاءة، وعلى استغلال الفعالية والنجاعة من أجل الاستمرار في بناء شراكات تكميلية على المستوى الجهوي.
لقد أبرمت إدارة الأمن الوطني في السنوات الأخيرة مجموعة من الشراكات على مستويات عدة، للرفع من بناء القدرات، وأيضا لتجويد الخدمات، وتطوير آليات مكافحة الجريمة التي تعرف تطورا غير مسبوق. كما تشمل الاتفاقيات مجالات ذات حساسية كبرى عند مؤسسات الدولة والمواطنين والمقاولات والمستثمرين.
فعلى مستوى وزارة العدل أبرمت إدارة عبد اللطيف الحموشي، في الـ 24 يوليوز 2024، بروتوكول اتفاق لتأطير وتيسير التعاون بشأن التبادل الإلكتروني للبيانات. وهو البروتوكول الذي يروم تمكين المحاكم من الحصول على البيانات الصحيحة للمرتفقين، وتعزيز الكفاءة في مكافحة الجرائم من أجل تسريع عملية التحقيقات لتحسين تبادل المعلومات حول الجرائم والمشتبه بهم، فضلا عن تطوير التعاون والتنسيق من أجل تعزيز التعاون المؤسسي ضمن بناء نظام متكامل لتبادل البيانات بين الجهتين، ناهيك عن تطوير نظم المعلومات كإنشاء نظام مركزي لتبادل البيانات يسمح بالوصول الفوري إلى المعلومات اللازمة، واستخدام تقنيات للحوسبة ولتحليل البيانات المشتركة واستخلاص الأنماط والتوجهات.
ولتحصين المعاملات المالية والحد من التزوير ودعم إمكانية التحقق الرقمي الفعال والآني من بيانات فتح حسابات بنكية، أبرمت المؤسسة الأمنية، في السابع من أكتوبر 2024، بروتوكول واتفاقية شراكة مع بنك المغرب، وهو ما سيخول لهذا الأخير حق الاستفادة من الإمكانيات التقنية التي توفرها بطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية في مجال مكافحة الاستعمالات التدليسية للوثائق التعريفية، من خلال تعزيز آليات التحقق من الهوية وتأمينها. كما وقعت اتفاقية تهم تقوية التعاون بين الطرفين في مجال حماية المنشآت الإدارية للبنك ومتاحف النقود التابعة له وفرعه ووكالاته وتمكينه من المرافقة الأمنية اللازمة لتأمين نقل الأموال والقيم.
في السياق نفسه، ومن أجل دعم الشفافية، انفتحت المديرية العامة للأمن الوطني على محكمة النقض والوكالة القضائية للمملكة والخزينة العامة للمملكة، من أجل تجويد تدبير منازعات الصفقات العمومية، وهو ورش استراتيجي يساهم في تعزيز الثقة في المغرب ويمنحه جاذبية استثمارية.
أما على مستوى قطاع التعليم، فقد وقعت إدارة الأمن الوطني، يوم 10 شتنبر 2024، اتفاقية شراكة مع وزارة التربية، لمحاربة العنف ومكافحة المخدرات داخل المؤسسات التعليمية، وذلك من خلال الاتفاق على تشكيل فرق خاصة (تضم عناصر من الأمن العمومي والشرطة القضائية والاستعلامات العامة)، تقوم بدوريات منتظمة في محيط المؤسسات التعليمية، لرصد المخدرات والسجائر، والحد من العنف والجريمة، وضمان بيئة تعليمية آمنة تحمي الصحة النفسية والبدنية للتلاميذ.
وبخصوص تخليق المرفق الأمني، فقد أولت الإدارة العامة للأمن الوطني أهمية كبرى للشراكات بين المديرية العامة للأمن الوطني والمؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الإنسان والحكامة وتخليق الحياة العامة، بغاية وضع
مخطط طموح لضمان حماية حقوق الإنسان واحترام الحريات، وذلك من خلال عصرنة البنيات التحتية، وأنسنة ظروف الحرمان من الحرية، واعتماد نموذج موحد للتوزيع المكاني الوظيفي لأماكن الوضع تحت الحراسة النظرية، وتجويد التكوين الأساسي والمستمر والتخصصي وملاءمته مع المعايير الدولية والمقتضيات القانونية الوطنية ذات الصلة. حيث تعمل المديرية العامة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، منذ أكثر من 10 سنوات، على برامج للتكوين الأساسي بهدف بناء السلوك والتصرف الوظيفي السليم، وترسيخ القناعات الوجدانية لقيم ومبادئ احترام حقوق الإنسان لدى موظفي الأمن.
ولم يفت المديرية العامة للأمن الوطني أن تبرم اتفاقيات تعاون مع الأمانة العامة للحكومة، من خلال وضع برامج تدريبية وأوراش بخصوص تصنيفات النصوص القانونية وأساليب صياغتها ونشرها، مع التركيز على تطبيقات عملية في صياغة النصوص القانونية من طرف أطر الأمن الوطني لتطوير قدراتهم ومعارفهم.
لقد اهتم عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، إيمانا منه بضرورة الانتماء إلى العصر، وإدراكا منه للتحديات الراهنة المطروحة على المؤسسات الأمنية، بإبرام الشراكات وعقد الاتفاقات، والتعاون المؤسساتي الهادف، إلى الإعلاء من القدرات القيادية والتدبيرية والتنظيمية والتواصلية والفكرية والاستشرافية لإدراته، كما شجع الإدرات الجهوية على السير في النهج نفسه من الشراكات، حيث مكنت هذه الرؤية من انفتاح الإدارة على ما هو تقني وعلمي وتكنولوجي وقانوني وحقوقي وتربوي، مما جعل المراقبين يؤكدون أن المرفق الأمني في عهد عبد اللطيف الحموشي عرف طفرة كبيرة على مستوى التنافسية والتحديث.
تفاصيل أوفي تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"