أحمد الفرحان: في الحاجة إلى طي ملف طلبة الطب وإلى إصلاح جامعي بشقيه البيداغوجي والعلمي

أحمد الفرحان: في الحاجة إلى طي ملف طلبة الطب وإلى إصلاح جامعي بشقيه البيداغوجي والعلمي أحمد الفرحان
تتقاسم جريدة "أنفاس بريس" مع القراء هذا الحوار مع عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، والكاتب العام لقطاع الجامعيين الديمقراطيين، الدكتور أحمد الفرحان، الذي أدلى برأيه في الشأن النقابي والتعديل الحكومي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وحديثه عن الانفراج الكبير الذي حصل في الجامعات المغربية باسترجاع مشاعر الثقة والارتياح والطمأنينة بعد تعيين وزير التعليم العالي الجديد.

ما هو تقييمك لأشغال المؤتمر الوطني الأخير للنقابة الوطنية للتعليم العالي؟ 
- يبدأ تقييم أشغال المؤتمر الوطني عادة بمرحلة انتخاب المؤتمرين مرورا بمرحلة انتخاب أعضاء اللجنة الإدارية، وأخيرا بانتخاب أعضاء المكتب الوطني. ولكن سأتوقف عند محطتين أساسيتين تتعلقان أولا، بافتتاح المؤتمر، وثانيا، بمسطرة انتخاب أعضاء اللجنة الإدارية. 

لقد تبين للمناضلين الديمقراطيين أن افتتاح المؤتمر كان رديئا بكل المواصفات المتعارف عليها في افتتاح باقي المؤتمرات، سواء على مستوى التنظيم، أو على مستوى تمثيلية المنظمات الوطنية والدولية. لقد كانت كلمة الافتتاح سطحية وتقنية، وبأسلوب إنشائي ركيك، لا تعكس التاريخ الكفاحي للنقابة الوطنية للتعليم العالي، ولا المبادئ الكبرى التي تشكل مرجعيتها الأدبية والتنظيمية، كما لم تكن في مستوى تطلعات الأساتذة في كل ما يتعلق بالمواقف من القضايا الوطنية السياسية والاجتماعية، ومن القضايا القومية والدولية. ويكفي أن نشير إلى الصمت المخجل والمريب والمشبوه للمكتب الوطني عما يتهدد بلادنا من مؤامرات خارجية واستفزازات متواصلة للتضييق على سيادة البلاد واستنزاف ثرواتها وإفشال مشاريع التنمية بها، وأيضا عن تفاقم الهشاشة الاجتماعية وفشل السياسات العمومية لحد الآن في الحد من تزايد نسبة الفقر والهدر الجامعي وإفلاس المقاولات الناشئة والارتفاع المتزايد لبطالة الخريجين، وعن تعثر مشروع الإصلاح الجامعي، وعن مآلات الطبقة المتوسطة في ظل التضخم والإصلاحات المرتقبة لصندوق التقاعد والتأمين الصحي... وأيضا عما يحدث في فلسطين من إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، إضافة إلى العدوان المتواصل على الشعب اللبناني، وتكالب الامبريالية العالمية على الأسواق والبلدان الصاعدة. وللأسف، صمت المكتب الوطني عن كل هذا وغيره رغم أن المكتب الوطني يضم حساسيات تقدمية. 

أما على مستوى تشكيل أعضاء اللجنة الإدارية، فقد كان مسيئا للنقابة العالمة التي تضم أساتذة باحثين يحملون أرقى المراتب العلمية التي يمكن أن تمنحها المؤسسات العلمية الأكاديمية: الدكتوراه! لقد تم اعتماد أسلوب توزيع المقاعد على الحساسيات الحزبية المشكلة للنقابة الوطنية للتعليم العالي بأسلوب مبتذل، ولم تراع فيها أخلاقيات العمل النقابي. نحن نعرف أن الممارسة التنظيمية تخضع لقواعد معينة في التفاوض والمناورة والحجاج والاستقطاب والإقناع، ولكن عندما نصل إلى التعامل مع الأساتذة الباحثين المؤتمرين كأرقام وليس كمناضلين فاعلين، هنا يجب وضع نقطة نظام. إذ لا يمكن للمنظمات المدنية كالنقابة الوطنية للتعليم العالي الترافع من أجل الدولة الديمقراطية في ظل مثل هذه الممارسات الحزبية والنقابية غير الديمقراطية. 

هل يعني أن النقابة الوطنية للتعليم العالي في حاجة إلى إصلاح داخلي؟ 
- نعم بالتأكيد، إذا كانت هناك حاجة ماسة للحفاظ على الوحدة النقابية، فلابد من إجراء مراجعات نقدية ترتبط بأدبيات الاشتغال، وبآليات الحوار، وباسترجاع الروح النضالية، وببناء القوة الاقتراحية.... 

من بين الوزارات التي شهدت تعديلا حكوميا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، هل كانت هناك ضرورة لإجراء هذا التعديل؟ 

- أريد بداية أن أقف عند مفهوم التعديل الحكومي، هناك تعديل يمس الفعل السياسي بمعنى الأداء السياسي للحكومة، وهناك تعديل حكومي يمس التدبير السياسي الذي يتحمل مسؤوليته أشخاص غير قادرين على حل المشاكل وتجاوز الاختلالات. 

أعتقد أننا كنا أمام الشكل الثاني من التعديل الحكومي الذي يتعلق بالتدبير السياسي للقطاع. لقد عمل الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي على تنزيل مشروع الإصلاح الجامعي: المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ولكن ما يمكن معاينته إلى حد الآن أن مسطرة التنزيل شابتها الكثير من التسرع والخروقات، وأن هناك اختلالات وتعثرات كبرى على مستوى الأجرأة والتنفيذ. 

لماذا في نظرك؟ 
- نحن نعرف جيدا أن مسألة التعليم في بلادنا المدرسي والجامعي مسألة سياسية - اجتماعية بامتياز، لا ترتبط بالمقاربة الإقتصادوية فقط، ليست مسألة الرفع من الميزانية وتوفير التجهيزات والمعدات هي الكفيلة بحل معضلة التعليم، رغم أن هذه الأمور ضرورية، ولا يمكن لأي إصلاح أن ينجح بدونها، ولكن الضروري لا يعني الأساسي. منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في بلادنا تفتقد إلى الأساسيات التي تتمثل في القيم العليا التي ينبغي من أجلها أن تشتغل المؤسسات التربوية والتعليمية، وهذه القيم العليا ليست شعارات عامة بل كل ما يتم طرحه على أنه حقيقي، وجميل، وجيد، وفعال، وناجع، ونافع من وجهة نظر معايير مؤسساتية عالمية، أو وفقا لمعايير المجتمع المنشود والذي يتم تقديمه كمثال لتحقيقه، كشيء يجب الدفاع عنه وتحقيقه في الأفق المنظور لمصلحة التنمية الشاملة لبلادنا في سلم ارتقاء الدول عالميا. 

وعندما يتعلق الأمر بالحديث عن القيم العليا لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، نصبح أمام تكامل المقاربات الإصلاحية، وليس اختزال مشروع الإصلاح إلى مقاربة تقنوية دون مضمون قيمي وحضاري، أي يرتبط بالفعل السياسي. وهذا ما يجب أن يتحمل مسؤوليته الوزير، فالوزير ليس منصبا إداريا، بل هو منصب سياسي، وهذا يعني أن الوزير ينطلق من قناعات سياسية للحزب الذي خول له الإستوزار، ويقرأ بها السياسات العمومية التي يضعها المجلس الحكومي، في ظل الاستراتيجيات الكبرى للمجلس الوزاري لتنزيل أي مشروع، هكذا يجب أن يشتغل عقل الوزير، وليس انطلاقا من إرادته الخاصة، بل انطلاقا من الإرادة العامة التي تجسدها الحكومة. وعليه، فالكثير من الأعطاب في التدبير الحكومي ناتجة عن سوء تقدير المنصب الوزاري الذي يتم اختزاله إلى منصب إداري يعتمد على المهارات والخبرات وفي أحسن الحال على الكفاءة التقنوقراطية. إن هذه المواصفات مطلوبة في تدبير قطاع حكومي معين، ولكن يكون على شاكلة طاقم من الخبراء يستعين بها الوزير الذي يتمتع بالوعي السياسي، الكفيل بتحفيز جميع الشركاء والفاعلين على الانخراط الايجابي والفعال، في إنجاح المشروع. 

وكمثال عن الأعطاب التي أصابت التدبير السياسي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار تدبير ملف كلية الطب الذي كان تدبيرا سيئا للغاية، ويمكن الرجوع إلى البيان الأخير لقطاع الجامعيين الديمقراطيين حول كلية الطب وأيضا لبيانات المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد...وهناك أمر آخر يتعلق بالخبرة الجامعية وأسلوب التدبير الجامعي، لقد كان الوزير السابق يمتلك أفكارا جيدة للنهوض بالقطاع إلا أن خبرته بالجامعة المغربية متواضعة جدا، وأسلوبه في التدبير الجامعي يفتقد إلى التكوين السياسي المطلوب منه كوزير، إذ كان يمارس مهامه بسلطة إدارية مبالغ فيها، حيث لم يستطع التمييز بين الفعل السياسي والفعل الإداري....وكثيرا ما تعامل مع إصلاحات النظام البيداغوجي بسلطة إدارية وليس بحنكة الفاعل السياسي وهذا ما خلق مناخا من التوتر والقلق والاحتقان في الجامعات. 

ما هي انتظارات أساتذة التعليم العالي من الوزير الجديد؟ 
لقد سبق لي الاشتغال مع الوزير الجديد الأستاذ عز الدين الميداوي بنفس الجامعة، وعشت معه تجربة ولايته رئيسا للجامعة، عندما كنت في المكتب المحلي للنقابة والمكتب الجهوي ثم نائب العميد، وأعرف أنه يتمتع بقدرات عملية متميزة على مستوى التدبير وعلى مستوى الحوار، يؤمن بالعمل الجماعي، كما أنه يؤمن باستقلالية الجامعة، ويثمن مبادرات الأساتذة والمجالس.. لقد حقق نهضة حقيقية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وخلق مناخا من الثقة والتآزر والتعاون والتماسك بين جميع فئاته، كما يتمتع بروح نقابية وبخبرة سياسية كبيرة في مواجهة التحديات والإكراهات. لقد كان ناجحا بامتياز كرئيس للجامعة وتمكن من تحقيق الشيء الكثير، ولكن منصب رئيس الجامعة ليس هو منصب الوزير. منصب رئيس الجامعة يستند إلى مشروع خاص قابل للتنفيذ، وحرية التصرف واتخاذ القرارات في إطار القانون 01.00، والتي تتعلق معنويا بتطوير الأداء البيداغوجي والبحث العلمي وتعزيز التعاون والشراكات، وماديا بتطوير اللوجستيك والبنايات وتنمية الموارد المالية، أما منصب الوزير تحكمه إكراهات سياسية وحزبية وحسابات أخرى تجعل هامش اتخاذ القرارات الكبرى ضيقا. 

تكمن انتظاراتنا في الطي النهائي لملف كلية الطب، ومواصلة الحوار لحل بعض الملفات العالقة عن الحوار القطاعي السابق، وتجاوز الاختلالات والتعثرات التي يشهدها مشروع الإصلاح الجامعي الحالي بشقيه البيداغوجي والعلمي. 

ما هو أول إنجاز يمكن ترقبهفي عمل الوزير الحالي؟ 
أكبر إنجاز حققه منذ خبر توليه منصب وزير التعليم العالي هو الانفراج الكبير الذي حصل في الجامعات المغربية باسترجاع مشاعر الثقة والارتياح والطمأنينة أمام مناخ الاحتقان والنفور والاشمئزاز الذي كان يستشعره غالبية الفاعلين بالجامعات، وأعتقد أننا سنسمع قريبا أخبارا طيبة عن حل ملف كلية الطب.