رشيد لبكر: أسمي التعديل الحكومي بـ "تبادل للأدوار".. وبعض المستوزرين لهم ماض مع ملاحقات قضائية

رشيد لبكر: أسمي التعديل الحكومي بـ "تبادل للأدوار".. وبعض المستوزرين لهم ماض مع ملاحقات قضائية رشيد لبكر

لم أكن أنتظر أشياء كثيرة من هذا التعديل، بل كنت أرجو ألا يتم أصلا حتى لا نزداد إحباطا من مستوى الفاعل السياسي في بلادنا.. لا أسميه تعديلا بقدر ما اسميه تبادلا للأدوار وتوسيع لهامش المشاركة لفائدة المقربين، إذ لم يكن هناك تغيير كبير في الهندسة العامة التشكيلة على اعتبار أن الوزارات الكبيرة بقيت هي هي...فقط تم إحداث كتابات دولة في بعضها كي تتاح فرصة الإستوزار لبعض الموعودين بعد تنحية الوجوه التي ظهر عجزها واصبح سوء تدبيرها واضحا العيان..

 

فالتغيير جاء إذن در للرماد، وقد لا أبالغ إذا قلت بأن طوق النجاة في هذه " التشكيلة" الجديدة تمثل في هؤلاء المغادرون والمغادرات الذين أعطوا مبررا لهذا التغيير، حتى تتاح الفرصة ليجيء دور المقربين من الاستفادة من ريع المسؤولية، ولم تكن الغاية من التغيير كما هو واضح هو تعويض حالات الفشل ببروفايلات الكفاءة والتميز.

 

مع الأسف، إذا كانت الغاية هي ضخ دماء جديدة وتجاوز أعطاب القطاعات المتعثرة ، أعتقد أن الوجوه الجديدة مع بعض الاستثناءات، ليست ذات كفاءة مهنية في القطاعات التي أسندت إليها لنعلق عليها هذا الرهان، وإن كان البعض يرى بأن التخصص هذا ليس شرطا ضروريا في مسؤولية الإستوزار، بحجة أن المنصب الوزاري هو ذو طبيعة سياسية بالدرجة الأولى، لكن الرد على هؤلاء هو أن غالية الوجوه الجديدة، انخراطها في النقاش السياسي غير موجود ومواقفها السياسية باهتة، وحتى نشاطها في الحلبة السياسية مغمور، وبعضها الآخر له ماض مع ملاحقات قضائية في مجال التدبير العمومي، لكل هذا، أنا لا انتظر تغييرا في الإيقاع العام الذي تدبر به هذه الحكومة مرحلتها، بل أتأسف لها، إذ كانت أمامها فرصة لإحداث تغيير حقيقي يعيد مصالحتها مع جماهير المواطنين الذي لا أراه راضيا على تدبيرها، لكن يبدو ان مرآتها متكسرة وترفض ان ترى حقيقة صورتها أمام الشعب.

 

التعديل الحكومي في نظري يعبر عن موقف ذي حمولة سياسية، أما ما نحن بصدده، فأشبه ما يكون بتغيير لاعب في الدقائق الأخيرة من مباراة نتيجتها محسومة، فهل سيغير دخوله شيء من هذه النتيجة، لا أظن. وكما قلت، فتعثر أو فشل أو خطأ بعض الوزراء تم استغلاله لفرصة لتوسيع هامش المشاركة لا غير.. فوزيري الصحة والتعليم العالي –مثلا- دفعا فاتورة عدم حل مشكلة طلبة الطب التي كان لها تأثير سيء على سمعة الحكومة...

 

وأكثر من ذلك، بالنسبة لوزير التعليم العالي الذي دخل فيما اسماه بمشروع إصلاح قطاع التعليم العالي، بسرعة لم تتحملها عجلة هذا الإصلاح، إذ اعتمد مقاربة إغراق القطاع بالمذكرات والتفتيشات الشيء الذي أحال العمل في قطاع التعليم العالي قطعة من العذاب بل اصبح الكل فيه متوجس من الكل " اللي دويتي معاه يقول لك باغي نحمي راسي" علما أننا في قطاع المفروض انه ينظر للمعرفة للحرية وللحكامة وللثقة وليس لدولة البوليس ...

 

نعم للإصلاح ولكن الإصلاح ليس مجرد قرارات، بل هو استراتيجية توازي بين الطموح والإمكانات المتاحة وإلا تحول إلى انتحار ...كل هذا جعل مكونات التعليم العالي تشتغل في ظروف غير مريحة وتتمنى رحيل الوزير ليس من منطلق عدم الكفاءة ولكن لأن مقاربته في الإصلاح غير منسجمة مع معطيات الواقع...الحالة الوحيدة التي أثارت استغرابي شخصيا هو بقاء وزير العدل ضمن التشكيلة، بالنظر للجعجعات الكثيرة التي صاحبت تدبيره والحروب التي خاضها وتصريحاته المستفزة، لكن ربما كانت المقاربة هو إتمام الملفات التي دخل فيها "ولأن السيد هذا طبعو ومشكيلتو مع لسانو".

 

ولكن في المقابل، كان تدبيره للقطاع ليس سيئا بالجملة الصدد، إذ عرف في عهده حيوية كبيرة، سواء اختلفنا معه أم اتفقنا، وكان الاهتمام بتأهيل المنشآت القضائية ملحوظا فضلا عن صدور عدد من القوانين واخرى في الطريق، فشجاعة الرجل تشفع لها.

 

أما بعض الوجوه الأخرى، فقد كان ذهابها ارحم لها وللقطاعات التي تشرف عليها، رغم ان البدائل، بظني، كانت مع الأسف الشديد مخيبة للتطلعات، ومع ذلك أرجو أن تكون تخميناتنا غير صحيحة، لأننا ما نرجوه ليس صحة التوقعات، بل مصلحة البلاد، فهي الأهم والأساس رغم سوء المؤشرات.

 

قد تجد بعض القطاعات التي آل تدبيرها الى كتاب الدولة نفسا جديدا، على اعتبار أن هذه الكتابات من شأنها أن يخفف الحمل على الوزير الوصي على القطاع في الوزارة الأم، وجعل كاتب الدولة يركز على قضية واحدة تحتاج الى كثير من العناية والاهتمام، هذا هو المفترض، لكن ما يزعجني هو كون بعض الوجوه، غير معروفة وغير ذات تراكمات معرفية مشهود لها في القطاع الذي تحملته وحتى خلفياتها النضالية ضعيفة، فانا دائما مع مبدأ الحكومة السياسية، ولكن المشكل، هو ان السياسة ذاتها في بلادنا تراجعت كثيرا الى الوراء، ونقاش " السينيور" بشأنها ضعيف جدا.

 

الأحزاب التي كانت تمني النفس بالالتحاق بالحكومة في النسخة المحينة خاب تطلعها، وهذا درس لها ولجميع الاحزاب الاخرى، فما يبني الاحزاب هو التجذر في المجتمع والانفتاح على الكفاءات وتجنيدها للمسؤولية وخلق النقاش السياسي الحقيقي والمزعج، لكن الحزب الذي يبيع بكارته من اجل الحقيبة الحكومية يصبح من السهل تجاوزه ...فقد حصل التغيير الحكومي بين أحزاب الأغلبية لكي يبقى التوازن قائما، لكن بعد ان تبادلت المنافع واتفقت على اقتسام المصالح، وأخذ كل طرف منها النصيب الذي يرضيه.