لقد كرم الله هذا المخلوق "الأسطوري" ووضعه في مراتب أعلى في الحياة الدنيا دون غيره من المخلوقات الحيوانية سواء الأليفة أو المتوحشة، ومنحه الخالق كل صفات النخوة والجمال والقوة والشجاعة والذكاء، ليستعين به الإنسان في قضاء أغراضه منذ القدم، وتيسير كل مهامه الحياتية أكانت فلاحية أو اجتماعية أو تواصلية، حيث كانت الخيول وسيلة الإنسان الأساسية لتيسير وتدبير شؤون حياته، دون الحديث عن استعمال الخيل في الدفاع عن العرض والأرض، ومواجهة ودحر الأعداء والغزاة والمعتدين، وعلى صهوتها تحقق الأمن والاستقرار والعدل، إلى أن أصبحت تشكل ثروة وطنية تعكس حضارة الإنسان المغربي.
هل تعلم أن الحصان لا يشرب من الماء العكر؟
من المعلوم أن الفضاء والمحيط المفضل الذي تتفاعل فيه الخيل بغرائزها وأحاسيسها لتبرز مفاتنها، وموهبتها وملكاتها وقدرتها على التحمل والتعايش مع طبائع الناس، هو المكان الذي تتم فيه رعايتها أحسن رعاية، والذي تحسّ فيه "العاديات" بكرامتها وعزتها ونخوتها، إلى جانب الحرص على ضمان توالدها وتربية مهورها وتوفير شروط صحتها وسلامتها وعلاجها، ومراقبتها وتتبع كل حاجياتها. "لأن على ظهورها عز، وفي بطونها كنز". إذ كان راعيها منذ القدم يفضلها على باقي الحيوانات التي يكسبها في محيطه البيئي والاجتماعي، بل كان يفضلها على نفسه وعلى عياله في المأكل والمشرب والحماية من تقلبات المناخ والطبيعة.
إن تربية الخيل وترويضها على عزة النّفس والأنفة والكرامة والانصياع لمالكها ـ بعيدا عن الإكراه والإذلال والجلد بالكرباج ـ لا يمكن أن يتم إلا تحت سقف الرعاية الجيدة والحسنة، وبيد آمنة مؤمنة تعرف وتعلم معنى تربية الخيل ورعايتها بالتعامل الأليق معها كمخلوق نبيل وشريف، ساهم بقدر كبير في تقديم الخدمات والمنافع للإنسان والأرض دون خدلان أو تقاعس.
فهل مازالت الخيول العربية والبربرية تحظى بنفس التقدير والرعاية والاهتمام؟ وهل مازالت خيولنا تصرّ بحدسها وحاسّتها اليقظة على شرب الماء من ينابيعه الطاهرة والصافية والنقية؟ وهل يمكن الجزم في زمننا هذا "المشوّه" و "العفن" بفعل تلوث ميدان تربية الخيل...لنجترّ قولنا المأثور "أن الحصان لن يشرب الماء الفاسد والعكر" في الوقت الذي انتشرت فيها مستنقعات القدارة التي تعج بالطفيليات الضّارة والسّامة؟
مربط الفرس...في الحاجة إلى حماية ثروة الخيل من أياد السماسرة
إن ما يقع للحصان العربي البربري والبربري، من إذلال وتمريغ كرامته وشرفه أمام مرأى ومسمع من يهمه أمر ثروة الخيل بالمغرب، وتحديدا بأسواقنا الأسبوعية على يد حفنة من "الْبَرْغَازَةْ" و "الشَّنَّاقَةْ" و "السَّمَاسِرَةْ" الذين اجتهدوا في تطوير أساليب "حرفتهم" بعد الاستعانة بالتسيب الحاصل على مستوى منصات مواقع التواصل الاجتماعي "تِّيكْ تُوكْ" و "الفايسبوك"...واستعمال بوق الدعاية "الْكَارِي حَنْكُو" للترويج لطرق وأساليب سيطرتهم على ميدان "التّْبَرْغِيزْ" في هذا المخلوق النبيل، بطرق أقل ما يقال عنها أنها تتّسم بالنصب والاحتيال والخديعة، للرفع من سومة "أسهم بورصة الخيل" دون أن يرف لهم جفن، ودون حسيب ولا رقيب بتواطؤ مع "مُولْ الشْكَارَةْ"
لقد أصبح واقع وصورة الحصان ببعض الأسواق الأسبوعية ـ العشوائية التسيير والتدبير من طرف الجهات الوصية ـ صورة مذلّة ومشوّهة ومخدومة من طرف حفنة من "الْبَرْغَازَةْ" الذين اغتنوا من عائدات السّمسرة و "التَّشْنَاقْ" في "رَحْبَةْ الْخَيْلْ" بعد أن ذاقوا لذة الأرباح الخيالية، بعملة "الدرهم والأورو" وتحولوا إلى سادة "القوم" يفتون ويسيطرون على بعض مرافق الأسواق المخصصة لعرض الخيول وبيعها، بل أن منهم من تحول بقدرة قادر إلى طبيب بيطري يقدم الخدمة المغشوشة في التطبيب والعلاج ووصفة الدواء والتوليد دون حسيب أو رقيب؟
"شَنَّاقْ" الخيل يمرر خطاب النفاق والاسترزاق في الأسواق
طبعا نحن لا نعمم هذه الحالات، ولكن نطرح السؤال: كيف يمكن أن نقبل تمرير "الشَّنَّاقْ" خطاب النّفاق والاسترزاق في بعض الأسواق الأسبوعية المتسيّبة، وهو "يروج الكذب" عبر النقل المباشر على شاشات الهواتف النقالة، حيث يصرح مدعيا أن الحصان المعروض للبيع "عْطَاوْ فِيهْ 12 مليون...أَنَا بَاغِي أكْثَرْ إِنْشَاءْ اللهْ". ويفاجئك صوت من دائرة الشناق بقوله: "هَاذْ السَّلْعَةْ مَنْ سُلَالَةْ مَلَكِيَّةْ. هَاذْ السَّلْعَةْ مَلَكِيَّةْ...هَاذْ لَدْهَمْ خارج مَنْ الدَّارْ لَكْبِيرَا". ويضيف لها توابل دينية وهو يمسح على وجهه بقوله "الَّلهُمَّ بَارِكْ وَزِدْ فِي ذَلِكْ" ويرد عليه الجمع بـ "اللهم آمين يا رب العالمين". أو يقول آخر من نفس الدائرة "هَاذْ الْعَوْدَةْ بِوْرَيْقَتْهَا" أُو "هَاذْ الجْدَعْ بِوْرَاقٌو نَاضْيِينْ" ويلوح "الشَّنَّاقْ" بأوراق تعريف الهوية وهو يقبض عليها بأصابع يده التي لا تحسن سوى عد الأوراق المالية عدا.
وقد يبالغ "شَنَّاقْ" آخر دون حرج في تقديم فيديو على حسابه الخاص لحصان أدهم وهو يقوله: "هَاذْ الْعَوْدْ هُوَ الِّلي عْطَاوْ فِيهْ 80 مليون وَمَبْغَاشْ يْبِيعُو مُولَاهْ...تْبَارَكْ اللهْ عْلَى خَيْرْ مُولَانَا...الَّلهُمَّ بَارِكْ وَزِدْ فِي ذَلِكْ"؟
"رَحْبَةْ الْخَيْلْ" نقطة سوداء في بعض الأسواق
في ذات السياق ورغم ارتفاع منسوب الرواج التجاري بمرفق رحبة الخيل، فقد لاحظ مجموعة من مربي وعشاق الخيل المتعفّفين وسط عالم السّفاهة والتّفاهة، تسونامي الفيديوهات المنتشرة عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تكشف عن الحالة المزرية والمتعفنة لمرفق "رَحْبَةْ الْخَيْلْ" ببعض الأسواق الأسبوعية، حيث الأزبال والقاذورات تؤثث مساحات عريضة بمختلف الألوان والأشكال الورقية والبلاستيكية، ومستنقعات المياه العفنة التي يقف وسطها الوافدون على رحبة بيع الخيول الحاطة من كرامة الإنسان والحيوان، دون الحديث عن غياب التنظيم، والسّيبة التي يمارسها "الشَّنَّاقْ" ومن معه من "بَرْغَازَةْ" المتخصصين في الرفع من سومة الخيل بأساليب جهنمية "السَّمَاوِي اللهْ يْدَاوِي صْحَابْ الْحَالْ"
لماذا تركتم الحصان وحيدا بين أيادي "الشَّنَّاقَةْ" في أسواق تجارة الخيل؟
إننا اليوم في أمس الحاجة إلى مرافق خاصة "رحبة الخيل" تكون في مستوى عرض الخيول للبيع والشراء بأسواقنا الأسبوعية، إلى جانب إحداث مرافق مقسمة ومجزأة تعرض فيها الأفراس الإناث لوحدها تضمن كرامتها وعزتها، وأخرى خاصة بالخيول الفحول تضم سقيفة تحمي الجميع من حرارة الشمس صيفا والأمطار شتاء، علاوة على إحداث مرافق صحية "مراحيض" خاصة بِالْكَسَّابَةْ ومربو الخيل، والمتاجرين فيها حتى لا يتبولوا على أسوار الأسواق التي تنبعث منها روائح نتنة وكريهة تزكم الأنوف.
نحن اليوم في الحاجة إلى إدارة مشتركة ومسؤولة، توثق وتنظم عملية البيع والشراء وتحفظ الحقوق والواجبات، وتقدر معنى حماية الثروة الوطنية في هذا المجال بعيدا عن "الشُّوهَةْ" التي يروج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ببعض الأسواق الأسبوعية.