مرت على ميلاد الجزائر كدولة 52 سنة، إذ حصلت على استقلالها عام 1962. ومنذ ذاك التاريخ إلى اليوم ظلت القاعدة في علاقة المغرب والجزائر هي الجفاء والحدود المغلقة، بينما الاستثناء هو فتح الحدود.
فمن خلال جرد لهذه العلاقة نجد أن الميزانية الزمنية لـ «الأخوة المشتركة» بين الدولتين لم تتعد 11 سنة. في حين مثلت القطيعة بين البلدين 41 سنة. أي أن الجفاء يمثل 77 في المائة من عمر العلاقة بين المغرب والجزائر.
فبعيد حصول الجزائر على الاستقلال عام 1962 سرعان ما دب الخلاف مع المغرب بعد نشوب حرب الرمال عام 1963 ودام الجفاء إلى عام 1969 بمناسبة القمة الإسلامية، حيث لم يدم الانفراج سوى 3 أعوام، إذ أدت الأحداث المسلحة بمولاي بوعزة (إقليم خنيفرة) عام 1973 إلى توتر وإغلاق الحدود.
بعدها بعام وقع انفراج على هامش قمة 1974، إلا أنه انفراج كاذب، لأن حرب الصحراء (1975) ستقود من جديد إلى إغلاق الحدود في عهد بومدين. وهو الإغلاق الذي دام إلى حدود 1989 تاريخ لقاء المرحوم الحسن الثاني مع الرئيس الشاذلي بنجديد وما تلاه من إعادة فتح الحدود.
لكن هذه العملية بدورها لم تدم سوى 5 سنوات. حيث سرعان ما أعيد إغلاق الحدود عام 1994 بعدما تورطت الجزائر في الأحداث الإرهابية بفندق أطلس إسني بمراكش وإصابة سياح أجانب على يد مجموعة إرهابية ممولة ومدربة من طرف الجزائر.
ومنذ ذاك التاريخ ظلت الحدود مغلقة وظل الجفاء رمزا للعلاقة بين البلدين. وهو ما يعني أن «زمن الأخوة المشتركة» و«زمن العروبة» لم يدم سوى 23 في المائة من عمر العلاقة بين المغرب والجزائر منذ عام 1962 إلى اليوم.
إذا كان الأمر كذلك، فباسم «الأخوة» وباسم «الدين» وباسم «التاريخ المشترك» وباسم «المصير المشترك» وباسم «اللغة» وباسم «الجوار» وباسم كل قواميس اللغة الخشبية الني تنهل منها حكومات البلدين تعابير البلاغات والرسائل، يحتاج المغاربة من حكومتهم إلى قرار يحدث رجة ويضع حدا لهذا النفاق الديبلوماسي. ولن تحدث تلك الرجة إلا إذا أدار المغرب نهائيا ظهره للجزائر وحسم مع ذاك الوهم الذي ما زال يروجه البعض من أن مصير المغرب «رهين» بمصير الجزائر.
فها هي كوريا الجنوبية لم تحقق إقلاعها إلا حين فجرت «الدمالة» مع كوريا الشمالية وأعلنت حكومة سيول القطيعة النهائية مع ديكتاتورية العسكر في بيونغ يانغ، لدرجة أن كوريا الجنوبية أصبحت اليوم، وفي ظرف ربع قرن، هي القوة الاقتصادية رقم 12 في العالم.
لقد جربنا أطروحة اليساريين في الستينات والسبعينات مع الجزائر ولم نربح من هذا الطرح سوى استقواء الجزائر بفصيل مغربي ضد الحكم وخلق جبهة البوليزاريو. وجربنا النموذج الإسلاموي في الثمانينات والتسعينات مع الجزائر ولم نربح من ورائه سوى تصدير الإرهاب نحو المغرب والتطرف وميلاد العديد من التنظيمات التكفيرية.
فلنجرب، إذن، ولو خلال عشرية واحدة، نموذج كوريا الجنوبية في علاقتنا مع الجزائر، فلربما قد نربح رؤية تنموية مندمجة تؤهل المغرب لتوسيع الفجوة أكثر مع جاره الشرقي.
وإلى أن ترزق الجزائر بحكماء من طينة حكماء أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، آنذاك يمكن للمغرب أن يدرس إمكانية إرجاع العلاقة معها.