محمد البهجي: الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان: القضية الوطنية أولا وأخيرا

محمد البهجي: الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان: القضية الوطنية أولا وأخيرا محمد البهجي

كل ثاني جمعة من شهر أكتوبر من كل سنة، يكون المغرب والمغاربة على موعد مع تقليد دستوري، يتمثل في افتتاح السنة التشريعية وذلك تطبيقا للفصل 65 من دستور المملكة.

 

ووفقا للدستور المغربي يقوم الملك برئاسة إفتتاح السنة التشريعية، و يلقي خطابا بحضور ممثلي الأمة سواء منهم النواب أو المستشارين و ذلك لكون تلك الجلسة تكون مشتركة بين الغرفتين تطبيقا للفصل 68 من نفس الدستور، هذا الخطاب الذي يكون دليلا و خارطة عمل للكل مؤسسات الدولة، و ليس مقتصرا على ما يوافق المناسبة فقط.

 

في خطاب الجمعة الماضي يلاحظ المتتبع للخطب الملكية أنه كرس التوجه الملكي المتجلي في اقتضاب الخطاب من حيث المبنى مع الحفاظ على العمق في المعنى والتوجيه. بحيث كان الخطاب مركزا ومتمحورا حول نقطة وحيدة، وهي القضية الوطنية وكيفية التحول المستمر في حلحلة ما تبقى منها ضمن إطار المبادرة والاستباق وأيضا التوقع.

نقطة أخرى معتبرة أيضا، وهو تركيز التوجيه الملكي على دور البرلمان في لعب أدوار ريادية في طريق الدفاع عن القضايا الوطنية.

 

لقراءة الخطاب الجمعة الماضي لابد أيضا من استحضار مضامين الخطاب في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، والذي جاء في فقرته الأخيرة ما نصه: ''... ولا يخفى عليكم، حضرات السيدات والسادة، دور البرلمان، في إشاعة وتجسيد هذه القيم العريقة وتنزيل المشاريع والإصلاحات الكبرى، ومواصلة التعبئة واليقظة، للدفاع عن قضايا الوطن ومصالحه العليا. ''

 

أيضا يجب الأخذ في الاعتبار الرسالة الملكية الموجهة للمؤتمرين بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس البرلمان مغربي، و الذي أشار بالبنط العريض لدور الديبلوماسية البرلمانية في الدفاع عن القضايا الوطنية و ثوابت الأمة، إذ جاء في المنطوق الملكي الوارد في الرسالة: ''...أما في مجال الدبلوماسية البرلمانية والعلاقات الخارجية، فإننا نسجل بارتياح أيضا، مساهمة البرلمان المغربي في الدفاع عن المصالح والقضايا العادلة لبلادنا، بما في ذلك قضية وحدتنا الترابية، وكذا فيما يخص التعريف بمختلف الإصلاحات والأوراش التي تشهدها المملكة.

 

كما نعتز بأن تكون الدبلوماسية البرلمانية المغربية في طليعة المدافعين عن القضايا المصيرية لقارتنا الإفريقية، التي بوأناها موقع الصدارة ضمن أولويات سياستنا الخارجية، بما في ذلك تلك المرتبطة بالعدالة المناخية والأمن الغذائي، والهجرة والسلم، وحق القارة في التنمية وفي استثمار مواردها وإمكانياتها، لما فيه مصلحة شعوبها.

 

كل ذلك في التزام تام بعقيدة الدبلوماسية المغربية، التي أرسينا دعائمها، والمبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام وحدتها الوطنية والترابية، والمساهمة في حفظ السلم والاستقرار، وتسوية الأزمات والنزاعات بالطرق السلمية والوقاية منها. ''

 

على ضوء ما سبق يمكن لكل متتبع وملاحظ أن يرى بكل وضوح أن التوجيه الملكي يتركز على:

 

1- البناء التراكمي لإصلاح العمل البرلماني الذي قوامه :

- تعزيز التخليق والانضباط البرلماني في ممارسة المهمة البرلمانية، مع الإشادة بأدواره الديبلوماسية.

- ترميم هياكله وبناءه وظيفيا بما يستجيب للمهام والتطلعات، خاصة في الدفاع عن القضايا الوطنية والمبادئ الجامعة للأمة. وبما يواكب أدواره الطلائعية المنوطة به.

 

- تثمين الرأس المال البشري الكفء، وفرزه بمقاربة موضوعية ووظيفية تلاءم الحاجيات والمهام والتكليفات. فلا يعقل أن ينهض البرلمان بأدوار استباقية، بغير كفاءات قادرة على تحديد أماكن التدخل والاستهداف، والمفاوضة والاقناع، وأيضا تحليل المعطيات.

 

- التأكيد على دور الأحزاب في استقطاب الكفاءات ومن أجل بناء قوى برلمانية كفاءة ومكونة ومؤهلة لتمثيلها وتمثيل بلدها والدفاع عن قضاياه. لأنها هي بوابات ولوج المؤسسة البرلمانية، وباعتبارها '' فرازات'' من جهة تقوم بفرز النخب، ومن جهة تانية حاضنة للنخب.

- التأكيد على أن ساحة الدفاع عن القضايا الوطنية ليست مهام المؤسسات والجهات الرسمية فقط وليس حكرا عليها، بل هي واجب جميع القوى الحية، وواجب جميع أبناء المغرب وذلك من مختلف مواقعهم و مستوياتهم باعتبارها القضية الأولى لجميع المغاربة.

 

2- تحديد وتوضيح معايير تعاطي المغرب مع محيطه:

انطلاقا من الخطاب الملكي يظهر جليا أن مساحة التعامل مع المغرب تشمل فرق تتموقع بحسب تعاطيها مع القضية الوطنية و التي هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى المنتظم الدولي و الموقف منها هو الذي يحدد القرب و البعد من المملكة. حيث أنه تم تقسيم التعاطي الدولي مع القضية الوطنية إلى فئات؛

فئات لها وزن دولي، تعلم كنه القضية و خباياها و هي فرنسا و إسبانيا و الولايات المتحدة، و هي تسعى بإيجابية و مؤمنة برؤية المغرب و عدالة قضية و متبنية لمقترحات المغرب. بالإضافة إلى الدول العربية و الإفريقية الشقيقة و غالبية الدول الأوروبية و الصديقة و الشريكة و التي تتعامل اقتصاديا واستثماريا، مع الأقاليم الجنوبية للمملكة، كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي.

 

و فئات تم تحسيسها بعدالة القضية الوطنية و أبدت اعترافها بعدالة القضية و وجاهة الموقف المغربي و عمقت العلاقات الديبلوماسية البينية معه.

و دول لازالت لم تستبن الخط الابيض من الخط الأسود في عدالة القضية الوطنية و وجاهة الموقف المغربي، و هي مناط تركيز جهود جميع القوى المؤسساتية الرسمية و المدنية قصد توضيح الموقف المغربي و إبراز عدالة قضيته واقعية طروحاته و بنائها العادل و التاريخي و الروحي و الواقعي.

 

أما غير ذلك من المواقف فقد سكت الخطاب الملكي عنها، و هذا السكوت قد يقرأ على وجهين، على أنها غير معتبرة لا من ناحية الحجم و لا الموقف، من جهة. و من جهة أخرى، يمكن أن يقرأ الموقف أنه الملكي مازال على ما كان من موقف العفو مع استمرار مد اليد للجوار في دوما في إطار الاعتراف بثوابت المملكة و عدم المساس بحوزتها و ذلك انطلاقا من موقف الفقهاء المتقدمين من مفهوم الصمت، و كون الصمت بيان.

 

محمد البهجي، باحث في الحكامة القانونية والقضائية