لقد اكتشفت أن وزارة المالية باشرت الاقتطاع منذ شهر شتنبر الماضي حيث الدخول المدرسي ومصاريف تمدرس ثلاثة أبناء وأدوات الدراسة، علمًا أني لم أتوصل ولم أبلغ بأي إشعار في الموضوع. فنحن إذن في دولة الفوضى وفي مؤسسات مارقة وليس مالية. فلنفترض أني مواطن غير صالح وأتهرب من أداء الضريبة، فهل لوزارة المالية أو لأي مؤسسة أخرى مباشرة الاقتطاع/الاستخلاص مباشرة ودون سابق إنذار ومن المنبع؟ فأين هي المحكمة؟ وأين هو أمرها؟ ولماذا هذا التسيب الذي يستعمل لغة أفلام رعاة البقر الذي يتجاوز المحاكم؟ ويضرب القانون والمساطر عرض الحائط ويطبق شرع اليد؟! إن المؤسسات تقول للمواطن: لا تستعمل شرع اليد في الشارع ولا تقم مقام الدولة وتدعي حماية القانون وترسيخ قيمه بين المواطنين، والحكومة نفسها ووزارة المالية تضع يدها في جيب المواطن وتسرق ماله الذي يضعه عندها. فوزارة المالية خانت الأمانة وتغدر بالموظفين وبالمواطن.
وهذه النقطة تدفعنا لنسائل وزارة المالية فقهيا قبل أن نتابعها قضائيًا حول علاقتها برواتب الموظفين! وما هو السند القانوني الذي يجعلها تحشر أنفها وتطلق يدها على مال موضوع عندها!؟ وهي ليست سوى قناة وسيطة ليصل الراتب إلى صاحبه شهريًا. فالمال هو لوزارة التعليم العالي، وأنا أقدم خدمة لوزارة التعليم العالي، وهي تدفع لي شهريًا مقابل الخدمة عبر وزارة المالية. فالراتب الشهري، مالي الخاص لا علاقة لوزارة المالية ولا لأية خزينة مالية به مباشرة وفعلًا وحتمًا.
وإذا كان هناك مشكل ضريبي ما، فهو بيني وبين الجماعة التي أقطن بها. وهي مؤسسة قائمة الذات قانونًا، وعلى الجماعة أن ترفع ضدي دعوى أمام المحكمة، حيث يكون لي العلم بالموضوع وتكون لي فرصة الدفاع عن نفسي بكل الدفوعات المناسبة. وساعتها يقول القضاء كلمته. وقد تربح الجماعة القضية وتستصدر حكمًا وتبلغني به بالمساطر القانونية. وبعد مهلة قانونية، وعندما أمتنع عن تنفيذ أمر المحكمة، تستصدر الجماعة أمرًا بالحجز على راتبي أو تتخذ أي إجراء آخر يناسبها ويكون مشروعًا ومناسبًا قانونًا. وعليها أن تذهب للحجز على الحساب في البنك وليس أن تعمد للاستخلاص من المنبع. وإذا كانت الجماعة فوضت هذا الأمر لوزارة المالية أو أية خزينة أو أية جهة كيفما كانت، فعلى الجهة المفوض لها الأمر أن تتبع المسار ذاته والمساطر نفسها. وهكذا، تكون قد احترمت القانون وليس أن تلجأ لإعمال شرع اليد والسيبة والفوضى والقوة. وليس لوزارة المالية أن تلجأ للإجراءات الآمرة، فهذا طغيان وشطط ما بعده طغيان.
ولابد أن نؤكد هنا أن وزارة المالية أو أية خزينة مالية تدخلت في الموضوع بهذا الشكل، فهي مؤسسة متطفلة ودخيلة في الموضوع. وحتى ولو اعتبرت وزارة المالية أو الخزينة غصبًا وقسرًا وتجبّرًا أنها معنية، فلا يحق لها أن تقتطع من المنبع وإنما تلجأ إلى الحساب البنكي احترامًا لها كمؤسسة مؤتمنة على راتبي. وفي هذه الحالة، فإني أعتبر أن وزارة المالية خانت الأمانة وخانت ثقة وزارة التعليم العالي.
فمنذ أن حصلت وزارة التعليم العالي على المنصب المالي، أصبح هذا الأخير ملكها هي وليس لوزارة المالية. ومنذ أن أسندت وزارة التعليم العالي هذا المنصب لي، فلم يعد يخص وزارة المالية. ومنذ أن تقرر الميزانية السنوية لأية مؤسسة وتضع عليها المؤسسة اليد، تخرج من دائرة حكم وزارة المالية، والتي لا يبقى لها سوى المراقبة القانونية لأوجه الصرف وتوجيهه وإعادة توجيهه عند الضرورة في إطار مصالح وأهداف الوزارة المعنية. ولهذا، فوزارة المالية باقتطاعها من المنبع، تكون قد أعطت لنفسها الحق في التدخل في أمر لا يعنيها بقدر ما يعني طرفين خارجين عنها: هما الجماعة والمواطن/الموظف في هذه الحالة، والذين بينهما القانون والقضاء والإجراءات المسطرية الدقيقة والشفافة. وهنا يطرح السؤال عن مسؤولية وزارة التعليم العالي في حماية راتب موظفها من اغتصاب مؤسسة وسيطة. ولو كان العكس صحيحًا، لكان لوزارة المالية أن تباشر الاقتطاعات من تلقاء نفسها للموظفين المضربين دون انتظار قرار ولوائح الوزارة المعنية بالقطاع المضرب. فوزارة المالية ليست وصية على منصبي المالي ولا ولاية لها عليه. فهو لي وحدي بشكل خالص وباستحقاقي الدراسي وعمل المهني أتوصل به بانتظام عبر قناتها ومن خلال المؤسسة البنكية التي اخترتها أنا لهذا الغرض حسب القانون.
ولابد أن أشير هنا إلى أن نفس ما ينطبق من حيثيات وقانون ومساطر على وزارة المالية في هذا الموضوع ينطبق على وزارة الداخلية وعلى بنك المغرب. فلا حق ولا اتفاق ولا دخل لهم ولا ولاية على المنصب المالي ولا على الراتب الشهري. ومن الشطط وفوضى مؤسسات الحكومة والدولة أن تتدخل في الاتفاق على استخلاص الضرائب من المنبع ولا من الحساب دون أمر القضاء. فالسيادة كل السيادة على الراتب لصاحبه والحكم للقضاء لكل من ينازع فيه أو يريد ذلك. طبعًا، هذا في دول القانون التي تحترم مواطنيها وتحترم القانون وتحترم نفسها، أما في مؤسسات الشطط والفوضى والقرارات الآمرة وإجراءات الغدر، فإن ما يسمى تجاوزًا مؤسساتها يعج بالتعسف والقهر ليفعلوا ما يشاءون، فنحن لسنا سوى عبيد لديهم.
وهذا ما جناه تنظيم المونديال علي وسيجنيه على أغلب دراويش المغرب. فلا يعقل أن تكون حاجة المغرب لأموال تنظيم المونديال وبالًا على المغاربة. وهنا يطرح السؤال: لماذا لا تؤدي مؤسسات الدولة ما بذمتها من أموال متراكمة بملايين الدراهم للمواطنين والشركات؟ لماذا لا تحترم مؤسسات الدولة أحكام القضاء الصادرة باسم جلالة الملك في حق الكثير من الوزارات والإدارات والمؤسسات الإدارية والجماعات والقطاعات مركزية وجهوية ومحلية؟ ولماذا لا تتدخل وزارة المالية لإنصاف أصحابها وإعطائهم حقوقهم أو استخلاص حقوقهم من ميزانيات هذه المؤسسات؟ وأين هي غيرة وزارة الداخلية على المواطن حين تكون له حقوق على الجماعات؟ فلماذا لا تأخذها الغيرة على المواطن وتوصي بإعطائه حقوقه؟ وأين هي شفافية بنك المغرب في الحفاظ على استقلاليته وحياديته وموضوعيته في حماية وتحصين الحسابات البنكية للمواطنين وعدم ترك الشطط يطالها إلا بالقانون؟ أم أن المواطن هو الحائط القصير؟! أحكام صادرة باسم جلالة الملك لا تنفذ، ورواتب مواطنين تنتهك بلا قانون.
وبهذه المناسبة، فإن المغرب هو البلد الوحيد الذي يقتطع لموظفيه الضريبة شهريًا ومن المنبع. وهذا منكر ما بعده منكر. فالضرائب سنوية، وتخضع لمساطر وبيانات مصاريف سنوية، ويجب أن تحترم. فأين نحن من هذا كله؟!!
أقسم أنني سأوجه أبنائي للعيش بالخارج ونسيان شيء اسمه المغرب إلى الأبد. لا يستحق أن نفني حياتنا جميعًا فيه لخدمة من لا يستحقون. فلن أترك أبنائي يكررون خطئي في بلد لا يستحقهم بل يسحقهم. الوطنية لا تستقيم بدون مواطنة وشفافية ونزاهة وقانون وعدالة الدولة والنظام والمؤسسات، وبدون مساواة حقيقية وفعلية بين المواطنين. نحن بشر نعيش في هذا البلد بلا شرعية ولا هم يحزنون. لقد انتظرنا كثيرًا وصبرنا أكثر حتى مللنا من الخطابات والشعارات الجوفاء والمضللة. نحن مجرد عبيد في بلد التمييز بامتياز.