يرى د. محسن الندوي، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية أن المنطقة العربية تتنازع حولها ثلاثة مشاريع إقليمية: المشروع الاسرائيلي، والمشروع الإيراني، والمشروع التركي، مشيرا بأن المشروع الإيراني يعد المشروع الأكثر محاولة للنفوذ في المنطقة منذ مطلع القرن الحالي، داعيا الدول العربية الى اتخاذ خطوة عاجلة في إطار الدفاع عن الأمن القومي العربي على أساس وضع كل الخلافات السياسية العربية- العربية جانبا بحيث تكون نواة هذا المشروع العربي هي دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب ومصر والأردن والجزائر.
ما هو السبب الذي جعل ايران قوة اقليمية استطاعت فرض نفسها في الساحة الدولية رغم الحصار منذ سنوات (لديها دائما طاقة كبرى للتشويش والازعاج سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي)؛ ما هو تفسيرك لهذه القوة هل يعود لعوامل تاريخية ام لتواطؤ مع قوى عظمى؟
بداية تتنازع في المنطقة العربية ثلاثة مشاريع إقليمية المشروع الاسرائيلي، والمشروع الإيراني، والمشروع التركي. بخصوص المشروع الإيراني باعتباره المشروع الأكثر محاولة للنفوذ في المنطقة منذ مطلع القرن الحالي، وهو مشروع توسعي يريد مزيد من الهيمنة العسكرية والاقتصادية والدينية الطائفية على المنطقة. وان ايران تتمتع بقوة عسكرية في المنطقة.
حيث ترى إيران أن مشروعها يتعارض ويتقاطع حد التناقض مع المشروع الإسرائيلي المدعوم أمريكيا في المنطقة، وأن المنطقة لا تتسع إلى أكثر من مشروع، وأنه لا مستقبل في المنطقة إلا لمشروع واحد؛ هو المشروع الإيراني الشيعي.
لذلك تسعى ايران إلى السيطرة على جغرافيا المنطقة لتكون لها الكلمة العليا في المنطقة في تثبيت وتقوية مشروعها "الهلال الشيعي الكبير"، ليكون مركزه إيران وأطرافه وأذرعه ممتدة حتى اليمن والعراق وسوريا ولبنان؛ لتحيط بدول الخليج العربي وغرب أسيا من الجهات الثلاث.
كما سعت إيران للسيطرة على البحرين ومحاصرة النفوذ والدعم السعودي لها، حيث تضامن المغرب مع البحرين عام 2009.
كما تسعى إيران للسيطرة على مضيق باب المندب في خليج عدن الواصل إلى البحر الأحمر باتجاه قناة السويس، كما لها سيطرة على خليج هرمز بين الخليج العربي وخليج عُمان، ويمثل هذان المضيقان شريان الطاقة العالمية المتوجهة من الخليج العربي إلى الغرب. هذا وأن ايران مازالت تحتل ثلاثة جزر إماراتية طنب الصغرى و طنب الكبرى و أبي موسى.
ونظرا لأن إيران تعلم يقينا أن العرب لا يكنون لها الود لاختلاف مذهبها الشيعي عن مذهب العرب السني وأن لغتها الفارسية مختلفة عن لغة العرب، لذلك تود أن تدخل عربيا من باب القضية الفلسطينية من خلال دعم حركات المقاومة الإسلامية، وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وتستخدم إيران النظرية السياسية "ولاية الفقيه" كوسيلة دينية مقدسة للسيطرة على كل منطقة عربية توجد فيها أقلية شيعية في المناطق العربية، باستثناء المنطقة التي يكون نظامها السياسي علماني مثل سوريا، فإنها تستخدم البرغماتية السياسية في إطار محور الممانعة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي استخدمه النظام السوري. إذ لم يكن بالإمكان استخدام خطاب الولي الفقيه مع نظام علماني قومي.
كما استخدمت نفس البرغماتية السياسية مع حركات المقاومة في فلسطين باعتبارها سنية و ليست شيعية.
لذلك تسعى إيران إلى إضعاف الدول والمناطق التي يصعب عليها الدخول إليها من بوابة المشروع الديني ونظرية ولاية الفقيه أو الجانب البراغماتي السياسي، لارتباط هذه الدول بمعسكر آخر منافس في المنطقة. او توقيع اتفاق تكتيكي مثل اتفاقها مع السعودية بوساطة الصين في مارس 2023 ويتضمن هذا الاتفاق تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ما هي تداعيات التوسع الايراني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على المغرب؟
بالنسبة للعلاقات المغربية الإيرانية تعيش قطيعة منذ سنة 2018، لدعمها البوليساريو فالعلاقات بين البلدين كانت باردة تاريخيا ففي سنة 2009 اتهمت الرباط سفارة طهران بتشييع المغاربة لتعيش العلاقات في جمود حتى 2014، ولم تصمد أربع سنوات أخرى حتى عادت إلى برودها مرة أخرى
ربما كانت إيران تود تجنيد البوليساريو ليصبح حزبا مسلحا في المغرب العربي تابعا لها كحزب الله في لبنان و الحوثيون في اليمن ويدخل ضمن مشروعها التوسعي في المنطقة.
ماذا عن الدول العربية، هل تمتلك مشروعا في المنطقة ينافس المشاريع التي ذكرت؟
الدول العربية ليس لها مشروع في المنطقة ينافس المشاريع الثلاثة الإيرانية التركية الإسرائيلية، وتشتغل بشكل منفرد في علاقاتها الدولية، ولذلك نجد أن إسرائيل تنفرد بكل دولة عربية وتحاول إقناعها بأن الخطر الحقيقي يكمن في مشروع إيران التوسعي في المنطقة وأن إسرائيل هي المنقذ للعرب من إيران. في حين أن إسرائيل بدعم أمريكا لها مشروع توسعي في المنطقة هي الأخرى تعتمد فيه مشروع "عوديد ينون" المنشور في مجلة كيفونيم عام 1982، وتحمل عنوان "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط"، والتي تستند إلى رؤية مؤسس الصهيونية ثيودور هيرتزل مطلع القرن الماضي.
وثيقة ينون هي أكثر الوثائق وضوحاً وتفصيلاً ـ حتى اليوم ـ بشأن الاستراتيجية الصهيونية في الشرق الأوسط، وأن أهميتها لا تتعلق بقيمتها التاريخية، بل بالكابوس الذي تعرضه، فهي تركّز على إضعاف الدول العربية وتقسيمها لاحقاً كجزء من المشروع التوسعي الصهيوني، وعلى الاستيطان بالضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من فلسطين وضم الضفة وقطاع غزة لإسرائيل. ودعا ينون في وثيقته المشؤومة إلى تقسيم العراق إلى دولة كردية ودولتين عربيتين واحدة للشيعة وأخرى للسنة.
كما دعا ينون أيضا إلى تقسيم لبنان وسوريا ومصر وإيران وتركيا والصومال وباكستان، ودول شمال أفريقيا، وتوقع أن يبدأ ذلك من مصر، وينتشر إلى السودان وليبيا وبقية المنطقة، وسيتم تقسيم الدول العربية وغيرها على أسس عرقية أو طائفية وفقا لحالة كل دولة.
وتتطلب إقامة "إسرائيل الكبرى"، حسب الوثيقة، تفتيت الدول العربية القائمة حالياً إلى دويلات صغيرة تصبح كل منها معتمدة على إسرائيل في بقائها وشرعيتها، لأن الأخيرة لا تستطيع الاستمرار في البقاء إلا إذا أصبحت قوة إقليمية مهيمنة. وهذا يتطلب التخطيط لدق الأسافين بين العرب كي يصبحوا مقسمين ومشتتين وجاهزين للخضوع لهيمنتها. وإن الدول العربية، وبسبب أقلياتها العرقية والطائفية لا تستطيع التعامل مع مشاكلها الأساسية، وبالتالي لا تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل على المدى البعيد.
ولو نظرنا إلى المنطقة العربية اليوم سنجدها تطبيقاً حرفياً لوثيقة عوديد، ولنا مثال في العراق، والسودان، وليبيا واليمن وسوريا..
فالمشروع الإسرائيلي يعمل على تضخيم مشكلة الأقليات العرقية والدينية في الدول العربية واستغلالها ضد أي مشروع وحدوي، وحضّها على التمرد والانفصال. لذلك يمكن أن نأخذ هنا مثال الخريطة المغربية التي يقدمها رئيس الوزراء نتيناهو في لقاءاته الصحفية، كإشارة منه على تعمده وجود البوليزاريو.
وفي الحقيقة فكل من النفوذ الإيراني والإسرائيلي يريد إضعاف الدول العربية وتقسيمها وتفتتيها أمام غياب مشروع عربي يوحد ويوازن ويردع..
ولذلك أرى أن على العرب اتخاذ خطوة عاجلة في إطار الدفاع عن الامن القومي العربي على أساس وضع كل الخلافات السياسية العربية العربية جانبا بحيث يكون هذا المشروع العربي الذي أسميه الاتحاد العربي بدل جامعة الدول العربية نواته دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب ومصر والأردن والجزائر تعمل هذه الدول العربية النواة على تعديل اتفاقية تأسيس جامعة الدول العربية واتفاقية تعديل معاهدة الدفاع العربي المشترك وتفعيل اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجارب بين الدول العربية وصولا الى تحقيق السوق العربية المشتركة وتأسيس محكمة العدل العربية وتأسيس المفوضية العربية وتأسيس المجلس العربي.