أسلامة أشطوط: الطنطان.. حين يتثاءب الزمن وتغفو الأحلام

أسلامة أشطوط: الطنطان.. حين يتثاءب الزمن وتغفو الأحلام أسلامة أشطوط، الباحث في التاريخ والتراث الدراسات الصحراوية والإفريقية
دون الدخول في أسباب ومسببات تأخر مدينة طانطان عن التنمية، وبغض النظر عن كل ذلك، فإن واقع هذا الإقليم، لايعجب ولا يسر جزء كبيرا من ساكنته، وحتى زواره..

في وجهة النظر هذه، لواحد من ساكنتها، وهو أسلامة أشطوط، الباحث في التاريخ والتراث الدراسات الصحراوية والإفريقية، يسلط الضوء على واقع مدينته، بحسرة وأسف، مما أصبحت عليه اليوم، وكيف كانت عليه أمس..

في أقصى الجنوب المغربي، تتوسد الطنطان صدر الصحراء، مدينة تروي حكاية استثنائية عن التحدي والصبر، لكنها في الآن ذاته، تعيش تناقضا لا يمكن تجاهله. فمنذ تأسيسها وهي تتنفس البطء، كأن الزمن قد اختار أن يتثاءب على كتفها، تاركا الأحلام تغفو في سبات عميق.

الطنطان ليست مجرد مدينة صغيرة على خارطة الجنوب المغربي، بل هي رمز للصمود، بيد أن هذا الصمود بات يشبه مقاومة النملة التي تحاول عبور الصحراء الشاسعة، خطوة بعد خطوة، دون أن ترى نهاية الرحلة. 

تلك المدينة التي تئن تحت وطأة الانتظار، تخضع لرياح التغيير التي تهب عليها من حين لآخر، لكنها، ولسبب ما، تبدو غير قادرة على اللحاق بالركب. توالت عليها أجيال من المسؤولين، منتخبين وبرلمانيين ومستشارين، جميعهم حملوا وعودا براقة في حقائبهم الإنتخابية، وعودا ملونة بالوعود والآمال، لكنها تتبخر مع أول خيط لشمس يوم جديد.

يستيقظ الناس كل صباح على حلم بالإزدهار والتطور، لكنهم سرعان ما يجدون أنفسهم في الواقع نفسه، يكررون الأسئلة ذاتها: أين ذهب التغيير؟ ومتى سيحين موعده؟ 

تتحسن أحوال المسؤولين، يزدهرون ويتباهون بمنازلهم الفارهة واستثماراتهم التي تنمو في هدوء، بينما تظل الطنطان في مكانها، إن لم تكن تتراجع خطوة تلو الأخرى، وكأنها في سباق عكسي مع الزمن. يُحكى في مجالسها أن الدولة هي السبب، وأنها أهملت المدينة، لكن هذا الاتهام يبدو مجرد ذريعة للبقاء في دائرة الجمود. الحقيقة أبسط وأقسى: الدولة لا تبخل على الطنطان، تمنحها الميزانيات، تُطلق البرامج التنموية، وتضع بين أيدي المسؤولين خططا للتطوير، لكن العجلة لا تدور.

إنها ليست أزمة تمويل أو موارد، بل أزمة إرادة. الوزارات المعنية مثل وزارة الداخلية، والجهة، ووكالة الجنوب لتنمية الأقاليم الجنوبية، لا تتوانى عن تقديم الدعم. تسطر البرامج، ترصد الملايين، توجه الاستثمارات نحو تطوير البنية التحتية، دعم المبادرات الشبابية، وإطلاق المشاريع التي تهدف إلى تنمية الإنسان قبل الحجر. (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية) لكن المال وحده لا يصنع التغيير؛ إنه يتطلب رؤية، وإصرارا على تحقيق ما يُرصد له. 

فمن المسؤول إذن عن هذا الجمود؟ الإجابة تتضح كلما تأملت في المجالس المنتخبة، تلك التي توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل، تحولت المناصب فيها إلى تقاليد روتينية أكثر من كونها مسؤولية حقيقية تجاه المدينة. يغرقون في التفاصيل البيروقراطية، يشعلون الملفات، يقرؤون الأوراق، لكن دون أن يقدموا أي حلول فعلية. وبينما كان يُفترض بهم أن يحملوا مشعل التغيير، أضاعوا الفرصة مرات ومرات، متجاهلين روح المسؤولية التي يُمليها الدستور، والتي تفرض احترام القواعد القانونية والأخلاقية المعمول بها.

في المقابل، نجد الطنطان، مدينة صغيرة بجغرافيتها، لكنها كبيرة بطموحاتها، تنظر بحسرة إلى المدن التي كانت يوما مثلها، عالقة في براثن النسيان. مدن استطاعت بفضل إرادة منتخبيها أن تتحرر من الظلام، أن تقف على قدميها وتشق طريقها نحو مستقبل أفضل. لكن الطنطان، رغم أنها تمتلك نفس الإمكانيات، تعاني من خذلان ممثليها، أولئك الذين كان من المفترض أن يكونوا أملها في التغيير. 

لكن حتى في هذه المدينة المغيبة عن الأنظار، لا يزال هناك بصيص من الأمل. أمل ينبض في قلوب سكانها، أولئك الذين يؤمنون أن مدينتهم تستحق أكثر مما تحظى به. إنهم ينتظرون قادة جدد، يحملون على عاتقهم مسؤولية حقيقية، ويؤمنون أن العمل في مصلحة المدينة ليس مجرد منصب لتكديس الأموال، بل هو شرف ومسؤولية. 

في هذه اللحظة التي تغفو فيها الأحلام على وسادة الصبر، يأتي السؤال الأهم: متى تستفيق الطنطان؟ وهل سيأتي اليوم الذي تجد فيه رجالا ونساءً يحملون شجاعة التغيير، قلوبا مخلصة، وأيادي لا ترتعش أمام التحديات؟ هؤلاء الذين يفتحون أبواب المستقبل ويزيحون الغبار الذي تراكم على أحلام المدينة. 

الطنطان ليست مدينة معدمة، بل مدينة تملك كل المقومات التي تجعلها في مصاف المدن الرائدة في المغرب. لديها موقع استراتيجي، تاريخ غني، وموارد كافية لتحقق ازدهارها. لكنها تحتاج إلى إدارة حكيمة، إرادة صلبة تضع مصلحة المدينة وسكانها فوق كل اعتبار. تحتاج إلى قادة يتجاوزون الحسابات الشخصية والمصالح الذاتية، يؤمنون أن خدمة المدينة هي خدمة للوطن كله. 

ومع كل ذلك، يبقى الأمل معلقا على المستقبل. مستقبل يفتح ذراعيه لأولئك الذين يملكون الرؤية والشجاعة، الذين سيجعلون الطنطان تنفض عن نفسها غبار السنوات الثقيلة وتبدأ في السير بخطى ثابتة نحو التغيير. 

الطنطان، التي تشبه زهرة برية نبتت في قلب الصحراء، تنتظر قطرة الماء التي ستعيد الحياة إلى أوراقها الذابلة. تلك القطرة ليست مجرد دعم مالي أو مشروع تنموي، بل هي الإرادة الصادقة التي تؤمن بأن المدينة تستحق الأفضل. ربما يكون الأمل معلقا على جيل جديد من القادة، جيل يفهم أن التنمية ليست مجرد شعار يُرفع في الإجتماعات، بل هي عمل مستمر يتطلب الإخلاص والشجاعة. 

إنها المدينة التي رغم كل التحديات لا تزال تحتفظ بجمالها الفريد وبساطة أهلها، بانتظار اللحظة التي تستعيد فيها بريقها الذي خفت مع الزمن.