القرقري: حكم محكمة العدل الأوروبية يثير شكوك "الحرب القانونية"

القرقري: حكم محكمة العدل الأوروبية يثير شكوك "الحرب القانونية" مشيج القرقري
أثار الحكم الأخير للمحكمة العامة للاتحاد الأوروبي، الذي ألغى اتفاقيات الصيد والمنتجات الزراعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، الشكوك حول استخدام العدالة الأوروبية كسلاح في حرب سياسية سرية. تشمل هذه الظاهرة، المعروفة باسم الحرب القانونية، الاستخدام الاستراتيجي للقانون لزعزعة استقرار خصم سياسي أو اقتصادي أو تكييفه. 

في هذه الحالة، يبدو المغرب هدفا لبعض المصالح الأوروبية التي تسعى إلى وقف صعوده كلاعب رئيسي في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.

ويستند حكم المحكمة الأوروبية إلى حقيقة أن الاتفاقيات المعنية تشمل أراضي الصحراء المغربية دون، كما يزعمون، موافقة السكان المحليين. 

واحتفلت الجماعات المرتبطة بالجبهة الانفصالية البوليساريو بالقرار، فيما اعتبره المغرب عملا من أعمال العداء الدبلوماسي الذي يتجاهل جهوده الرامية إلى تنمية المنطقة لصالح ساكنتها. 

ويقع هذا القرار القانوني في منطقة رمادية بين القانوني والسياسي، لأنه يتدخل في صراع دولي مستمر منذ عقود في المجال الدبلوماسي وتحت المسؤولية الحصرية للأمم المتحدة.

ويعكس تشكيل المحكمة، الذي يضم قضاة من دول أوروبية مختلفة، توازناً معقداً للمصالح داخل الاتحاد الأوروبي. 
وفي حين أن بعض الدول، مثل إسبانيا وفرنسا، تعتبر حليفة تقليدية للمغرب وتدعم التعاون مع الرباط، فإن قطاعات أخرى، مثل دول الشمال ولوبيات من الجنوب (فرنسا وإسبانيا)، أكثر انتقادا لموقف المغرب في صراعه من أجل وحدة أراضيه.

وقد سمح هذا التشرذم داخل الاتحاد الأوروبي للجهات الفاعلة السياسية باستخدام النظام القضائي كأداة للضغط. 

مصالح وانقسامات في العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي
يبدو أن حكم المحكمة الاوربية متأثر بمصالح خفية داخل الاتحاد الأوروبي تسعى إلى الحد من نفوذ المغرب المتزايد.

وكان التعاون في القطاعات الرئيسية مثل الأمن و الطاقة ومكافحة الإرهاب ومراقبة الهجرة، محاور أساسية في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.

ومع ذلك، يبدو أن هذه التطورات تثير قلق بعض مجموعات الضغط التي تفضل الحفاظ على السيطرة و إحتكار السياسات الخارجية للاتحاد. 

وقد أبدت المملكة المتحدة، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، اهتماما بتعزيز الاتفاقيات الثنائية الجديدة خارج الإطار الأوروبي.

ويمكنها تعزيز تحالفها مع المغرب في قطاعات مثل الطاقة ،صيد البحري والمنتجات الزراعية، وبالتالي توسيع نفوذها في شمال أفريقيا.

ومن جانبها، كثفت الصين تعاونها مع المغرب في إطار مبادرة الحزام والطريق. ونظراً لتردد الاتحاد الأوروبي، فمن الممكن أن يقترب المغرب من بكين، بعد حصوله على صفة الدولة المحورية، فيجذب الاستثمارات في البنية التحتية والطاقة. 

ويمكن لروسيا أيضًا الاستفادة من التمزق في العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي لتعزيز وجودها في البحر الأبيض المتوسط ​​والمغرب العربي، وتقديم بدائل في قطاعات مثل الطاقة والدفاع. 

محور المغرب، الساحل وأمريكا اللاتينية: بديل قابل للتطبيق 
إن إنشاء محور تعاون بين المغرب وبلدان الساحل وأمريكا اللاتينية يشكل استراتيجية قابلة للتطبيق من شأنها أن تقلل من اعتماد الرباط على الاتحاد الأوروبي.

وقد أظهر المغرب قدرة ملحوظة على تشكيل تحالفات في منطقة الساحل في مجالات مثل الأمن والتنمية، بالإضافة إلى مبادرته لتسهيل وصول هذه البلدان إلى المحيط الأطلسي. 

وفي الوقت نفسه، سعى المغرب إلى تعزيز علاقاته مع أمريكا اللاتينية، حيث لديه شبكة من سبع سفارات، في منطقة يتقاسم معها مصالح في قطاعات مثل الزراعة والتجارة والثقافة.

بالإضافة الى كون المغرب هو البلد الشبه ناطق بالاسبانية  ولو جزئيا في أفريقيا والعالم العربي. 
ومن شأن هذا المحور بين المغرب والساحل وأمريكا اللاتينية أن يفتح فرصا جديدة لتعاون أكثر قوة وتنوعا بين بلدان الجنوب. ومن الممكن أن تستفيد أميركا اللاتينية، وخاصة دول مثل البرازيل والأرجنتين والمكسيك، من إقامة علاقة أوثق مع المغرب، في حين تعمل الرباط على الحد من تعرضها للقرارات القضائية الأوروبية التي تحاول إبطاء تقدمها. 

إن الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية لا يعكس صراعاً قانونياً فحسب، بل يعكس أيضاً صراعاً على السلطة يشمل مصالح استراتيجية داخل أوروبا وخارجها.

وفي سياق تستخدم فيه العدالة كسلاح سياسي، يتعين على المغرب أن يسعى إلى إقامة تحالفات استراتيجية جديدة مع جهات فاعلة عالمية مثل المملكة المتحدة والصين وروسيا، بالإضافة إلى ترسيخ محور تعاون مع منطقة الساحل وأمريكا اللاتينية لتعزيز موقفه وموقعه في الساحة الدولية.

مشيج القرقري /عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي