بقدر ما كان فيه من المفروض أن تكون جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ في المغرب حلقة وصل مهمة بين الأسرة والمدرسة، حتّى تضطلع بدور حيوي في دعم العملية التّربوية وتفعيل المشاركة المجتمعية، جرى تبنّي "ميثاق العلاقة" منذ عام 2010 لتنظيم وتوضيح أدوار هذه الجمعيات، بما يعزّز التّفاهم المتبادل ويعزّز الشراكة التّربوية بين الأسر والمؤّسسات التعليمية، في إطار استراتيجيات إصلاح التعليم في المغرب، من البرنامج الاستعجالي إلى الرؤية الاستراتيجية 2015/2023 ثم مشاريع الإصلاح، فخارطة الطريق 2022/2026.
ويرتكز "ميثاق العلاقة" على عدد من المبادئ التي تهدف إلى بناء علاقة متينة بين الأطراف الثلاثة (الجمعيات، الأسرة، المدرسة)، حيث يسعى إلى تعزيز التّواصل والتّنسيق عبر وضع آليات فعالة لضمان التّواصل المستمرّ بين المدرسة والأسرة، بما يسمح بمتابعة التلاميذ وتقديم الدّعم اللازم لهم.، حيث بيّنت إحصائيات وزارة التربية الوطنية أن نسبة أولياء الأمور (أمهات، آباء..) الذين يشاركون في اجتماعات الجمعيات لا تتجاوز 35%، وهو ما يبرز الحاجة لتعزيز هذه الآلية.
وعلاوة على ذلك، يراهن هذا الميثاق على المساهمة في تحسين بيئة التّعلم، حيث تسهم الجمعيات في تحسين البيئة التّعليمية من خلال تنظيم الأنشطة الثقافية والتربوية. ووفقًا لتقرير صادر عن الوزارة، فإن 75% من المدارس الابتدائية والثانوية تعتمد على دعم جمعيات الآباء في تنظيم الأنشطة الموازية، إلى جانب أدوار أخرى من قبيل دعم الشفافية والمساءلة، خاصّة في التّدبير المالي والإداري للجمعيات، حيث يلزمها بتقديم تقارير دورية عن الأنشطة والمساهمات المالية، الأمر الذي يساهم في تقوية الثّقة بين الجمعية وأولياء الأمور.
وبلغة الأرقام، تشير الإحصائيات الرّسمية أن عدد جمعيات آباء وأمهات وأولياء التّلاميذ في المغرب يناهز 11.000 جمعية بنهاية عام 2023، تغطّي ما يقارب 7.9 مليون تلميذ(ة) في مختلف الأسلاك التعليمية (الإبتدائي، الإعدادي، الثانوي). وتساهم هذه الجمعيات في دعم الأنشطة المدرسية بما يفوق 250 مليون درهم سنويًا، يتمّ توجيهها لتمويل الأنشطة الثّقافية والرياضية، إضافة إلى تقديم الدّعم اللّوجستي لبعض المؤسسات.
غير أن كلّ ما يبذل من جهود، تواجهه تحديات تجعل هذه العلاقة "غير مطمئنة" على نجاعة تفعيل الميثاق، إذ تشير دراسة أنجزت أن 40% من أولياء الأمور لا يشاركون بفعالية في الأنشطة والاجتماعات التي تنظمها الجمعيات، ممّا يضعف من قدرة هذه الأخيرة على تمثيل جميع الأسر، إَضافة إلى نقص الموارد المالية، حيث تعاني العديد من الجمعيات من نقص التّمويل اللازم لدعم الأنشطة التعليمية, وهو ما تشير إليه التقارير ، إذ أنّ 30% من الجمعيات تعتمد بشكل كامل على المساهمات الفردية من الأسر، فضلا عن التّفاوت بين الجمعيات. وهو تفاوت ملحوظ في الأداء على مستوى التراب الوطني، تبرزه نشاطاتها وتنظيماتها، في حين تعاني أخرى من غياب الكفاءة وانعدام التّنسيق، مما يعيق تنفيذ عدد من المشاريع.
ولكون المناسبة شرط، كمال يقال، يستوجب التّطوير والتّجديد وإعطاء نفس جديد ومتجدّد، فلا بدّ من إطلاق برامج تدريبية لأعضاء هذه الجمعيات عبر تعزيز تكوينهم في مجالات التّدبير المالي والإداري، وأساليب التّواصل النّاجع/الفعّال مع الأسر، ممّا سيسهم في تحسين أداءهم وتحقيق النّجاعة المطلوبة، إذ يمكن للوزارة دعم هذه الجهود عبر توفير برامج تكوينية دورية، إلى جانب تعزيز انخراط أولياء الأمور، حيث تحتاج هذه الجمعيات إلى تنظيم حملات توعوية حول أهمية مشاركة الأسر في الأنشطة المدرسية. وهو ما تبيّنه التّقديرات التي تشير إلى أن رفع نسبة المشاركة إلى 50% يمكن أن يساهم في تحسين جودة التربية والتكوين والتعليم وتوفير بيئة مدرسية أكثر دعمًا للتلاميذ.
وبات من الضّروري تحسين مصادر التّمويل عبر تعزيز موارد هذه الهيئات عبر إيجاد شراكات مع القطاع الخاصّ، أو إنشاء صناديق دعم محلّية مخصّصة لتمويل الأنشطة المدرسية. وتشير تقديرات الخبراء إلى أن زيادة التّمويل الموجّه لهذه الجمعيات بنسبة 15% سنويًا يمكن أن يرفع مستوى الدّعم للأنشطة المدرسية بشكل كبير بهدف إضفاء دينامية جديدة متجدّدة على المدرسة وجعلها مفعمة بالحياة.
وصار من الضّروري أيضا تغيير عقليات متكلّسة لدى البعض داخل القطاع، حتى لا تتحول معه هذه الجمعيات آلية لاستذرار دريهمات تجعل تحصيل الانخراطات بيد مدير المؤسّسة، وهو من يتحكّم فيها وفي مصروفاتها وميزانيتها، شأنه شأن بعض المسؤولين الذين يحاولون أن يجعلوا بعضا من هاته الهيئات "بارشوك" خلفيّ لتلميع صورتهم المهزورة أمام الوزير أو مسؤولين جهويين أو إقليميين (أكاديمية، ولاية، عمالة، جماعة ترابية..)، حيث تراهم يُدبّجون لهم بيانات "تحت الطّلب" من أجل "حشد" الإجماع في فيدراليات يتيمة بعضها عفا عنها الزّمن، حتى أنّ جلّهم ورث المنصب، وشاخ بالولاية. فبدل أن يدافعوا عن أبناء المدرسة العمومية ويُناصروا المبادرات، تراهم يُهرولون نحو التقاط صور مع مسؤول في لحظات احتفاء أو احتفاء أو في مناسبة أو بغير مناسبة، ولو كان التّلميذ أحيانا ضحية لا يهم، حتى صارت بعض هذه الهيئات، على قلّتها، "ضيعات" لمسؤولين وموظفين عموميين، إذ بدل تمثيل هموم الآباء والأمهات والأولياء وانتظارات أبناءهم وآلامهم وآمالهم، يهرعون لتمثيل صورة هذا "المسؤول" مقابل الفتات ونحوه.
يبدو أن ميثاق العلاقة بعد نحو 13 عاما تنوسي، شأنه شأن الاحتفاء والاحتفال باليوم الوطني لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ يحتاج إلى جدّية من الطرفين (هيئات وإدارة). أما في التعليم المدرسي الخصوصي فالحديث عنه أو تأسيس هيئة باسم الأمهات والآباء والأولياء غير مرغوب فيه.
كلّ 30 شتنبر وميثاق العلاقة بين جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ والمدرسة بحاجة إلى تفعيل وتتبع ومواكبة وتقييم منظّم ومنتظم ببرنامج عمل مستشرف مصلحة الفضلى التلميذ(ة) أولا وأخيرا.. بعيدا عن تدخلات أياد "ملوّثة"، داخل هذه الهيئات وفي القطاع ايضا، لا تمتّ بصلة للتّربية والتّكوين ولا تعي أن أدوارها رسالة، وأيّ رسالة..