يونس عاشق: هذا هو أصل رياضة مصارعة الثيران بالأندلس 

يونس عاشق: هذا هو أصل رياضة مصارعة الثيران بالأندلس  يونس عاشق
في أواخر الثمانينات كنت كثير التردد على بيت جدي ومسقط رأس والدي بقبيلة السّْرَاحْنَةْ بعبدة، ومما كنا نفعل ونحن صغار، كنا ندخل ضريح أحد الأولياء يدعى "سِيدِي بُو اعْمُرْ الْحَاضِي" بغرض أخذ ما تتركه بعض النسوة المسكينات من مال أو ما يسمى بـ "الزّْيَارَةْ" أو شمع بُغية بركة و "رضى" الْوَلِيِّ، أو جمع بيض بعض الطيور التي تعشش بثقوب الجدار الداخلي، وممّا كان يثير دهشتي وإعجابي، كانت هناك سجّادة معلقة بالحائط داخل الضريح (القبة) رسم عليها مصارع إسباني، يصارع ثورا أسودا تماما كالتي بالصورة أسفله.
 
لا يمكنني أن أصف كيف كنت أقف مندهشا أمام قوة المشهد الذي يجسد القوة والشجاعة في آن واحد، والذي كنت الوحيد الذي يرى حركاته وسكناته دون رفاقي. وعند عودتي للبيت لم أتورع ولو للحظة أن أرسم ما علق بذاكرتي من ذاك المشهد المهيب، بحكم أنني كنت رسّاما بارعا بالفطرة، ولحسن الحظ لا زلت أحتفظ بما رسمت حينها.
 
في أوائل التسعينات، وفي غياب الصحون الهوائية (parabole) والقنوات الفضائية، كان ربّ كل عائلة يبدع في صنع هوائي متفرد (antenne ) من أجل صورة أوضح، وبدون "الطْشَاشْ" الذي كان يقض مضاجعنا نحن الصغار آنذاك، والذي كان أيضا يفسد علينا متعتنا بالتفرّج على رسومنا المفضلة، وكانت بعض الهوائيات "الممتازة" نسبيا كـ "سَلْسُولْ الْحُوتَةْ" يعمل بشكل جيد، ومن لم تكن له القدرة على شرائه، يعمل على إلصاق "كَسْكَاسْ" قديم باللّاقط، فيحسّن من جودة الصّورة. وفي أشهر الصيف كانت بعض الهوائيات تلتقط بعض القنوات الإسبانية التي تعرض كل جمعة عروضا لمصارعة الثيران، وأصبحت حينها أفعل ما في جهدي كي أتفرج عليها ولو بصورة وصوت مشوشين بفعل "الطْشَاشْ". أصبحت مغرما بهذه الرياضة بالرغم من وحشيتها.
 
لقد بقيت شغوفا بهذه الرياضة حتى يومنا هذا، وكنت أتساءل دائما كيف ظهرت ببلاد الأندلس دون غيرها؟ وكنت متأكدا أنه من الضروري أن تكون لها بداية ويكون لها تاريخ. 
 
ظللت أبحث، وأبحث، حتى وجدت كتابا يتكلم عن تاريخ مصارعة الثيران اسمه "عالم مصارعة الثيران الإسبانية"، وقد كتبه البريطاني "ألكسندر فيسك هاريسون " Alexander Fiske-Harrison، وفيه تكلم عن بداية ظهور مصارعة الثيران العربية في القرن التاسع ميلادي بشكل "بدائي"، حيث كان المصارع مجرد صيّاد فقط، يصطاد ثيران "الأوروش" الأوروبي الوحشي بالحربة من فوق صهوات الخيول، كما هو مبين في إحدى الصور أسفله والتي تعود للرسام فرانسيسكو غويا (1746_1828)، والتي يبرزُ فيها الفارس ملتحيا، ويضع عمامة على رأسه، في إشارة إلى أنه عربي. وقد تعمد فعل نفس الشيء في لوحاته الأخرى التي يظهر فيها كلها المصارعون بسراويل فضفاضة وعمائم ولحى، بحيث أنه كان يعرف جيدا كما هو شأن الإسبان المهتمين بالتاريخ، بأن رياضة مصارعة الثيران عربية صرفة.

وبقيت هذه الرياضة تتطور في عهد حكم العرب للأندلس حتى تحولت من مجرد صيد للثور الأوروبي الوحشي (الأوروش) إلى مناورة للثور برداء الْبُرْنُوسْ، تماما كما رسم غُويَا إحدى لوحاته وعنونها ب [Los moros hacen otro capeo en la plaza con su albornoz]، ومن ثم طعنه بالحراب ونحره بالسيف.
 
وطريقة طعنه بالرمح من فوق صهوة الحصان لم تكن شيئا جديدا على العرب، بل كانوا يتقنون الطعن بالرماح والخيل في أقصى سرعتها. وقد شاهدت مقاطع لصيد الخنزير البرّي بإسبانيا بنفس الطريقة يسمونها lanceo، وهي طريقة كما قلت عربية مائة بالمائة.
 
وقد عثرت على لوحة تؤكد ذلك، وهي تعرض بمتحف بوسطن للحياة البرية عنونت بـ Pig stiking in Morocco ، حيث يظهر أناس عرب يمتطون جيادهم ويصطادون الخنزير البري بمعية الأجانب، ولم أعرف صاحبها ولا السنة التي رسمت بها .
 
حاليا تم الاستيعاض عن ثور "الأوروش" الوحشي المنقرض سنة 1627 بثور "ليديا" الذي يشبه إلى حد بعيد نظيره الوحشي بالرغم من صغر حجمه مقارنة معه، وتتم تربيته بمزارع شاسعة، ولا يكون له اتصال مباشر بالبشر، إلا بواسطة الخيل ليكتسب طبيعته الوحشية، وتم تعويض العمامة بقبعة سوداء، والسراويل الفضفاضة بأخرى ضيقة جدا، وأيضا تم الاستيعاض عن البُرنُس (*) بعباءة حمراء تشبهه 
بُرنُس: (اسم) الجمع: بَرانِسُ
رداء ذو كُمَّين يتَّصل به غطاء للرأس يُلبس بعد الاسْتِحمام