باحث يفكّك ما يحصل في بحيرة "إريقي" وأوجه الاستفادة من التّغيرات المناخية الأخيرة بالمغرب

باحث يفكّك ما يحصل في بحيرة "إريقي" وأوجه الاستفادة من التّغيرات المناخية الأخيرة بالمغرب الباحث عادل مومن في جولته على بحيرة "إريقي"
يفكك الباحث المغربي عادل مومن ما حصل من تغيرات في بحيرة "إريقي" وما تلاها من تغيرات مناخية حصلت في المغرب مؤخرا بفعل الجفاف والفيضانات التي اجتاحت المغرب وضاعت معها الملايين من الأمتار المكعبة من المياه.
ويشرح عادل مومن، الباحث في سلك الدكتوراه تخصّص الجغرافيا والبيئة، في حوار مع "أنفاس بريس"، كيف يمكن أن نشتغل ذلك، وما الذي ينبغي فعله؟ وما الجسور التي ينبغي على المسؤولين بناؤها للتعاون المشترك بين مؤسسات يدبرونها والجامعات المغربية من أجل بلورة استراتيجيات علمية دقيقة مستشرفة، كما هو الشأن بالنسبة للوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان بالمغرب. وفي ما يلي نصّ الحوار:
 
بحيرة "إريقي" ما دورها بعد أن امتلأت؟ وما القيمة المضافة التي ستقدمها للمناخ والبيئة والإنسان؟
من بعد أكثر من  56 سنة من جفاف  بحيرة "إريقي"، لأن آخر توثيق علمي لها في عام 1965 أصدر باحث فرنسي  دراسة كان يتحدث فيها  عن وجود أكثر من 1500 زوج من  النحام Flamant Rose يتزاوجون في الموقع. فمنذ ذلك التاريخ لم يتم تسجيل أية حالة تزاوج هذا الطائر في المغرب.
كانت بعض الحالات في "أخنفيس" في الجنوب المغربي لكنها كانت حالات معزولة.
 
بحيرة "إريقي" لها دور مهمّ جدّا بين ما هو إيكولوجي بالتّنوّع البيولوجي لأن رجوه المياه إليها سيجعل الطيور التي  تمرّ عبر مسارات الهجرة بين إفريقيا وأروبا ستتوقف في هذه البحيرة، هي بحيرة تظهر في الأقمار  الاصطناعية. فبعد فيضانات 7 و8 شتنبر الجاري كان طول البحيرة 9 كيلومترات وعرضها 3 كيلومترات، لكن بعد فيضانات 20 و21 و22 شتنبر البحيرة وصلت إلى 13كيلومتر طولا و10 كيلومترا عرضا. فهي بحيرة ضخمة جّدا، وأيّ طائر يعبر الصّحراء الكبرى لا بدّ أن تظهر لها البحيرة ، وسيهبط إليها.
 
 البحيرة ستخلق تنوّعا بيولوجيا للمنطقة، وبالتالي ستعود الحياة  الطبيعية إلى المنطقة وسينعكس ذلك على الساكنة. فيه منطقة تعرف  بالسّياحة الصّحراوية عبر السّيارات ذات الدفع الرباعية (4/4). بحيرة إريقي أسطورية في مسار الرّاليات، وأهم المتسابقين في العالم عبر مسار "فم زكيد" في اتجاه "المحاميد" يعتبرونها مسار التدرّب في أي مسار السباقات في العالم، وبحيرة إريقي ستزيد الموقع جمالية، وستجذب السياحة الإيكولوجية وستجلب العلماء والباحثين للقيام بدراسات في المنطقة.
 
على هامش الفيضانات الأخيرة، مجموعة من المياه تضيع بسبب غياب الحواجز والسّدود. هل هذا صحيح؟ وماذا تقترحون لاستثمار أفضل وأنجع لهذه المياه المتدفّقة؟
الحمد على نعمة الأمطار، ونتأسف أن أكثر من مليار متر مكعب في حوض درعة، ومجموعة من الأدوية وصل فيها الصّبيب إلى أرقام  كبيرة وقياسية. إلى أين صارت تلك المياه؟. مسار 1200 كيلومتر من واد درعة امتلأت وصبّت في طانطان ضاعت في البحر. وليست لدينا سدود كثيرة في هذا الموقع. لدينا فقط سدين هما: المنصور الدهبي  وأكدز، على طول المناطق غياب السدود مع استثناءات قليلة لسدود تلّية.
 
نحتاج إلى سدود،  ليست فقط على واد درعة، وإنما على الشّعاب، ونعرف أن المنطقة صار الجفاف فيها معطى هيكلي ويومي، وجزءا من الحلول لو استثمرنا كل هذه الموارد المائية لمنح الماء اللاّزم لسقي الواحات خلال عشرات للسنين القادمة. لذلك وجب التأكيد إنجاز "حصاد الماء"، وهي تقنيات حديثة، وسدود الماء. وقد صدرت لنا دراسة  منذ أيام  في مجلة علمية محكمة لإمكانية إنجاز سد في زاكورة (منطقة بوتيوس) يمكن أن تجمع نحو 10 ملايين متر مكعب، وهي حقينة كافية جذّا لتغذية الفرشة المائية، خاصة في المناطق التي بها زراعة الدّلاح. والمناطق الواحية تحتاج إلى سدود، وليس لسدود تلية، سدود تتجاوز مليون أو مليوني متر مكعب. سدود صغيرة على الشعاب وليس الوادي، وهي التي تمثل المشكل كما حصل في تاكونيت وتأثرت القصبة التاريخية والسكان عانوا. كما هو الشأن في طاطا، حيث الانحدارات، وهو ما يساعد على سرعة وحركة المياه بشكل سريع.
 
الفيضانات الأخيرة علينا أن ننظر إليها بإيجابية، فالعلماء والباحثون في المجالات الخرائطية بيّنت لنا مسارات هاته المياه وتدفقاتها. جدواها ظاهرة على الشعاب والفيديوهات أظهرت ذلك. لو كانت هناك سدود لحافظنا على الموارد السطحية من الضياع وأيضا حماية الساكنة من الفيضانات وسنحمي الساكنة من خطر الأودية خلال الفيضانات.
 
على مدى 14 عاما نفذت الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان بعدما كانت لديها مشاريع ومخطّطات. ما تقييمكم لتدخلات هذه الوكالة وما حقّقته؟
ليس لدي جواب واقعي. لكن أتمنى من هذا الوكالة وغيرها أن تركّز جهودها على المخاطر الطبيعية لأنها واقع اليوم، فنحن نعيش فترة التّغيرات المناخية، فهناك الجفاف والفيضانات، وأيّ استراتيجية بعيدة المدى يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ذلك. 
 
لقد تحدثنا في دراستنا أنجزنا منذ 2014 وأخرى  صدرت لنا في 2021 عن خطر الفيضانات، وأنه ستقع عواصف في مسار العواصف ويعتقد العلماء أنها هي السّبب في فيضانات الجنوب. وبين مؤشر NDVI عبر الأقمار الاصطناعية أن المناطق الخضراء توجهت النّباتات الخضراء نحو الشمال (شمال خط الاستواء). وهي دراسات تتحدّث باستغراب ماذا يقع في تغيّر خطوط السّحب؟ نتمنى أن هذه العملية أن تغيّر التوجه وتهتم بهذا المسار، فتهتم أكثر بمجال البحث العلمي، وأن تباشر اتفاقيات مع الجامعات المغربية، ومنها جامعة ابن طفيل، حتى تكون فيها فائدة لوطننا.
 
فقط نحتاج إلى جسور بين الوكالة وغيرها والجامعات لفهم تأثيرات التغيرات المناخية، وإدماج الجانب العلمي في الاستراتيجيات، فهو الحل والأساس لكل هذه المعطيات.