لقد استوقفتني تلك المشاهد المؤلمة على شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي لمحاولات الهجرة الجماعية إلى الجوار الإسباني من طرف الشباب والأطفال القاصرين، بما فيهم مهاجرون من جنسيات مختلفة. وأتساءل ماذا يحدث في المغرب؟ ولماذا وصلنا إلى هذا الحد؟
تجدر الإشارة بداية أنه منذ سنة 2011 والمغرب في تراجع على أصعدة ومستويات مختلفة منها: التعليم والصحة والشغل، والحكومات السابقة والحالية لم تأت بحلول ناجعة للمشاكل المتراكمة، وفشلت في إشاعة حالة من القناعة والرضا لدى شريحة واسعة من المغاربة، لاسيما لدى الشباب المتعلم منهم وغبر المتعلم.
فاليوم الإنسان المغربي عموما يئن تحت وطأة البطالة وندرة فرص الشغل وقلة الخدمات الاجتماعية، حتى وصل المغربي إلى درجة من اليأس لا تخطئها العين، تدل عليه الاحتجاجات في الشارع والتصريحات في وسائل التواصل الاجتماعي والتي تعبر عن تذمر كبير من الأحزاب السياسية والبرلمان، والحكومات السابقة والحالية.
والمؤلم هنا، هو حال الشباب المغربي، الذي يعيش في دوامة التهميش والإقصاء والتيه وهو عاجز عن توفير لقمة العيش والمسكن.. وكل ذلك بسبب سياسات الإفساد والفساد، والتي أفرزت ظواهر خطيرة منها ظاهرة الإحباط لدى الشباب، جراء البطالة والضائقة الإقتصادية وعدم الاستقرار النفسي، فلا يجد البعض وسيلة للخلاص إلا بإلقاء نفسه في البحر والحلم بالوصول إلى الضفة الأخرى.
وهكذا وجد بعض الشباب ضالته في إفراغ حيويته في الحلول المغشوشة من هجرة غير نظامية ومخدرات وعنف واحتيال ونصب وغيرها من سلوكيات وإفرازات لحالة الاحباط واليأس وانسداد الافق.
والسبب الرئيس في كل ما وصلت إليه أحوالنا هو سوء تدبير الشأن العام والتكفل بانشغالات المواطنين من طرف الحكومة الملتحية التي تولت تدبير البلاد وإدارة شؤون العباد طيلة العقد الماضي. وهكذا تراكمت المشاكل واستعصت الحلول.
للخروج من مأزق التراكم، المطلوب حكومة تتواصل وتسمع أكثر إلى نبض المجتمع وتستثمر وتحاسب كل من يقصر في مسؤولياته ويقدم فيها المسؤول استقالته إذا فشل. حكومة تتوخي الشفافية والمنافسة الشريفة ومحاربة الرشوة والفساد، وتعمل على تحرير السوق الاقتصادية من مظاهر الريع والمحسوبية والاحتكار. حكومة تسهر على خدمة المواطن عبر تسهيل الخدمات الأساسية وترسيخ دولة القانون، الذي يحقق مصالح الغالبية العظمى من المواطنين، وليس القانون الذي يخدم شريحة متنفذة سياسيا واقتصاديا.
ففي الدول المتقدمة التي تحترم مواطنيها، تجد المسؤولين الحكوميين يتنافسون فيما بينهم من أجل تقديم أفضل وأرقى الخدمات لكل المواطنين الذين وضعوا ثقتهم فيهم.
الأمر ليس مستحيلا بل قابل للتطبيق عندنا، بحكومة تنفذ ما تعد به، لا حكومة وعود.
تلك هي الحكومة التي نريد.