اختتمت أشغال " قمة المستقبل" التي انعقدت مابين 22 و23 شتنبر 2024، بنيويورك، وبدأت بعدها مباشرة أشغال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 من الشهر الجاري نفس المدينة الأمريكية، المخصصة، لمداخلات قادة الدول والحكومات، في ظل مواصلة العدوان الإسرائيلي على غزة وعلى لبنان مع احتمالات توسع الصراع ليشمل مناطق أخرى بالشرق الأوسط علاوة على النزاع المسلح المستمر بين الاخوة الأعداء بالسودان، والحرب الدائرة ما بين روسيا وأوكرانيا .
وإذا كان هناك من لم يخف تخوفه، في أن يسير العالم نحو الفوضى نتيجة تفاقم الصراعات في مناطق متعددة، والتهديدات باستخدام الأسلحة النووية وتطوير أسلحة جديدة، كما ذهب إلي ذلك في افتتاح دورة للجمعية العامة التي من المقرر أن تختتم أشغالها في ال30 من الشهر الجاري، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ،فإن العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الشعب الفلسطيني بقطاع غزة منذ سابع أكتوبر 2023، يرخى بظلاله القاتمة على هذه الدورة، لكونه جرائم إبادة جماعية كاملة الأركان في حق المدنيين الفلسطينيين وفي مقدمتهم الأطفال والنساء، وكذلك تشكل خرقا جسيما لكل المواثيق والأعراف الدولية.
ويتواصل العدوان الاسرائيلى، في ظل صمت دولي غريب ودعم غربي، مرة بدعوى حق قوات الاحتلال في " الدفاع عن النفس" ومرة أخرى بمحاربة " معاداة السامية"، وهو ما تروج إليه العديد من وسائل الاعلام الغربية، في وصفها للكفاح الفلسطيني، بل أكثر من ذلك هناك من يقوم بارسال الأسلحة الى إسرائيل، كالولايات المتحدة، على الرغم من تلويح مسؤوليها، بالدعوة إلى إيقاف هذا العدوان، وتساوى فيه ما بين الجلاد والضحية، في الوقت الذي كان من المفروض المطالبة بمحاسبة قوات الاحتلال على الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والامتثال للشرعية الدولية ولميثاق الأمم المتحدة الذي ينص في مادته الأولى على اتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم.
وإذا كان غالبية قادة الدول جددوا في مداخلاتهم أمام الجمعية العمومية، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن التأكيد على ضرورة العمل على احتواء التصعيد بمنطقة الشرق الأوسط، وإيقاف الاعتداء على لبنان والعدوان الذي تشنه ضد غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وذلك عبر وقف إطلاق النار بهدف إنهاء معاناة الفلسطينيين بقطاع غزة، ومنع مواصلة التصعيد في جبهة لبنان، والمساهمة الفعالة لوضع حد لهذا النزاع الذي طال أمده بالمنطقة.
إن سرعة ونطاق القتل في غزة لا مثيل لهما، كما يؤكد غوتيريس الذي دعا إلى حشد الجهود من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن، في حين اعتبر الرئيس الأميركي، أن اندلاع حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط ليس في مصلحة أحد، مرددا كما يقول دائما، إن بلاده " تعمل على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، ووقف الحرب هناك، كما أنه يعمل على التوصل لحل دبلوماسي بشأن التوتر على الحدود الإسرائيلية اللبنانية .
وقد حمل عدد من قادة الدول في مداخلاتهم أمام الجمعية العامة، الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة للوضع بالمنطقة، التي تدفعها الى حرب شاملة خدمة لمصالحها وتنفيذا لسياستها التوسعية بالمنطقة، وهذا ما جعل العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، يدق جرس الخطر بأن المنطقة تمر بأخطر مرحلة شهدها العالم، ملاحظا أن القانون الدولي امتياز يمنح لبعض الدول وتحرم منه دول أخرى، في الوقت الذي حمل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ، من جهته الأسرة الدولية مسؤولية " إزاء ما يحدث في فلسطين ،وهو ما يؤشر على حالة الانهيار التي يعيشها العالم" حسب رأيه.
وإذا كان التوصل إلى وقف الحرب في غزة أولوية عاجلة، فإنه - حسب ما جاء في مداخلة رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش - بأنه يجب أن يتم بموازاة مع فتح أفق سياسي كفيل بإقرار سلام عادل ودائم في المنطقة، وأن إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة لن يكتمل إلا في إطار حل الدولتين، تكون فيه غزة جزءا لا يتجزأ من أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.
ويطرح التساؤل حول كيف يمكن في ظل هكذا وضع " توحيد جهود الدول لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين"، كما جاء في خطة " قمة المستقبل" المنعقدة قبيل انطلاق أشغال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك والتي أقرت أن الأمر يتطلب تحويل الوعود إلى أفعال ملموسة تؤثر إيجابيا في حياة أزيدمن ثماني مليارات نسمة حول العالم، مع تعزيز النظام المتعدد من أجل عالم متغير وحماية حاجيات ومصالح الأجيال الحالية والمستقبلية المهددة بأزمات متواصلة، في وقت يعرف العالم تحديات كبرى. كما شددت هذه القمة على ضرورة العمل على إيجاد حلول للمشاكل الدولية العالقة، وهو ما قد يسهم في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والتنمية المستدامة.
لكن في ظل الانقسام العالمي والحروب والنزاعات المسلحة والصراعات في عالم يشهد العديد من التحديات، ومجموعة من الرهانات التي تطرحها الألفية الثالثة، يمكن طرح كذلك تساؤلات حارقة حول مآل ومصير النتائج التي خلصت اليها " قمة المستقبل"، الخطة التي أقرها قادة دول العالم باعتبارها فرصة لا تسنح إلا مرة واحدة في كل جيل، بهدف تعزيز التعاون بشأن التحديات الأساسية وسد الثغرات في الحكامة العالمية، مع إعادة تأكيد الالتزامات القائمة، بما فيها، تحقيق أهداف التنمية المستدامة والالتزام بميثاق الأمم المتحدة ونظام متعدد الأطراف منشط، يكون في وضع أفضل للتأثير إيجابا في حياة الناس، مع بحث السبل الكفيلة بوضع الأسس لقيام تعاون عالمي أكثر فعالية، يمكنه التعامل مع تحديات اليوم ومع ما قد ينشأ من تهديدات جديدة في المستقبل.