إدريس الأندلسي: ديوان الوزير بين الخبرة والحزب والأسرة

إدريس الأندلسي: ديوان الوزير بين الخبرة والحزب والأسرة إدريس الأندلسي

أنت عضو في ديوان وزير، إذن أنت مهم وذو حظوة وصاحب راتب جيد. لكن الأهم أن تكون من ذوي الخبرة والمعرفة بشؤون القطاع الوزاري الذي ستشتغل فيه كمستشار بديوان ذلك الوزير الذي تم اختياره، حزبيًا، لدعمه بالنصيحة والرأي المهني المتخصص. يجب أن تركز على دعم وزيرك بالرأي السديد، وأن تسخر كفاءتك، إذا كانت تتناسب مع القطاع الذي يدخل في مهام الوزير.

 

يعتبر ديوان الوزير مؤسسة يفترض أن يخضع تكوينها لمقياس الكفاءة أولاً، ثم الولاء لحزب الوزير. يجب على كل وزير معين أن يضع قواعد تدبير القطاع الذي أوكل إليه بكثير من العلم والخبرة. ويفترض، حسب تقاليد الممارسات السياسية الفضلى، أن يتوفر الوزير على هامش كبير من الحرية في اختيار من سيعينه مهنيًا على اتخاذ قرارات في قضايا مهمة وذات ثقل على التدبير السياسي. يُعتبر اختيار عضو في ديوان وزير قرارًا يضمن الحصول على استشارات مهنية متخصصة وغنية بالخبرات في ميدان تدخل الوزارة. وفي النظام السياسي الأمريكي، يُعتبر "كتاب الدولة" أعضاء في ديوان الرئيس.

 

تعتبر عضوية ديوان وزير في كثير من الدول النامية مدخلًا لمهام سياسية كبرى. يمكن لكل مهتم بالعلوم السياسية أن يدرس مهام مؤسسة "ديوان الوزير" مستخدمًا جميع مناهج التحليل العلمية الممكنة. سيجد نفسه مضطرًا إلى اللجوء إلى قواعد التحليل النفسي والاجتماعي وحتى السلوكي لفهم آليات التعيين في الدواوين الوزارية وما يرتبط بها من مصالح وعلاقات اجتماعية، وحتى عاطفية، ليصل إلى رسم خارطة واقعية لممارسة السياسة من خلال الدواوين الوزارية.

 

قال أحد الوزراء إنه خضع لأكبر امتحان بعد تعيينه. لم يكن هذا الضغط من طرف سلطات عليا أو من رئاسة الحكومة، بل جاء من قيادة الحزب التي طلبت تعيين أشخاص بعينهم، لأنهم أبناء الحزب، وكثير منهم ضحوا بمسارهم الدراسي من أجل إنجاح محطات سياسية حزبية خلال الانتخابات.

 

يدخل الوزير المعين في بلادنا إلى مكتبه في الوزارة رفقة عدد من مستشاريه من غير الخبراء. تبدأ سلسلة الاجتماعات مع الأقسام والمديريات، ويبدأ معها انتشار ضباب كثيف يخيم على العقول، مما يدفع الوزير الجديد إلى اعتبار الذين تم فرضهم حزبيًا غرباء على ميدان يحتاج إلى علم وخبرة وكفاءة. وقع كثير من الوزراء ضحية لضعف أعضاء دواوينهم. يتذكر الكثير من كبار موظفي عدة وزارات حكايات عن تمسك بعض الوزراء بتوصيات دواوينهم في الصباح والتراجع عنها في المساء.

 

يعلم الكثير من المديرين مسبقًا ما سيقع للوزير الذي يفضل التحكم عبر ديوانه في ملفات وشؤون الوزارة. ستستفيد من مخصصات مالية وتعويضات وسيارة خدمة، ويفضل أن تكون مفيدًا لا مستفيدًا فقط.

 

ارتأى أحد وزراء المالية أن يتصرف أعضاء في ديوانه في ملفات المديريات، ودراسة مذكرات كتبها مختصون. تراجع المديرون أمام قرار الوزير وطبقوا تعليماته حرفيًا، وتركوا لخبراء الديوان التقرير فيما ليس لهم به علم. وجد الوزير نفسه بعد فترة أمام جبل من ملفات التوقيع تهم الاستثمار والضرائب والدين الخارجي والداخلي وميزان الأداءات وسياسة الصرف وتدبير سعر الفائدة وملفات الضمان وتمويل أصحاب رخص الصيد في أعالي البحار وتدبير ممتلكات الدولة والحسم في قضايا المؤسسات العمومية. ثم أدرك أن الديوان مؤسسة لا يمكن أن تلعب دور المديريات التي تضم الخبرات. وقرر هذا الوزير أن يلجأ إلى إقناع بعض أطر الوزارة من ذوي الخبرة والتجربة بضرورة الالتحاق بديوانه.

 

يتذكر بعض المديرين يوم اعترف هذا الوزير بأنه يتعلم الكثير من قراءة مذكرات موظفي الوزارة. وكانت العادة تقضي أن تكون آخر جملة في التوصية التي تتضمنها المذكرة، "يقترح على السيد الوزير، ورأيه هو الأحسن، أن يصادق على...". يتذكر بعض المسؤولين كيف ضحك الوزير ونفى أن يكون له رأي أحسن من أطر الوزارة كل حسب اختصاصه.

 

تظل كثير من الوزارات عصية على دواوين الوزراء. وقد دفع هذا الوضع إلى تكليف الملحقين بالدواوين بمهام الاتصال بوسائل الإعلام، وقضاء حاجات الأحباب والأصحاب والمناضلين والمؤثرين في القرار الحزبي، وحتى في مستقبل أصحاب القرار الحزبي. يصعب على وزير، عين حديثًا، أن يصمد أمام "ديناصورات" حزبه الذين لم يسبق أن تسلموا بطاقته. تظل الكثير من الوزارات تعاني من تسلط دواوين الوزراء على مجالات لا يفقهون عمقها وتأثيراتها على الدولة والاقتصاد وحتى على معيشة المواطنين. ولا زالت وزارات "السيادة" عصية على طالبي اللجوء إليها.

 

لا يمكن أن يتصور العاقل دخول الجاهل في مجال الدبلوماسية والداخلية والتعمير لمجرد أنه عضو في قيادة حزبية. نسي بعض الوزراء أن أعضاء الديوان لا يحق لهم، بحكم القانون، التدخل في مهام واختصاصات تدبير الوزارة، فكانت الأخطاء ذات ثقل على تقييم عمل الوزير. توجد أمثلة كثيرة يمكن أن تشكل مصدر إلهام لصناع الفرجة. أعضاء ديوان يجهلون الكثير من متطلبات واختصاصات وزيرهم، تسببوا في صنع نكبات كثيرة أضحكت الموظفين ومن اطلعوا عليها. تعتبر مؤسسة ديوان الوزير أساسية في تنزيل البرامج السياسية، وتحتاج إلى تعزيزها بالأطر المتخصصة القادرة على تقديم المشورة المهنية والمتخصصة للوزير.

 

يمكن القول إن تدهور الحالة التنظيمية لكل الأحزاب تنعكس في دواوين الوزارات التي أسندت لها. ويظل صاحب التأثير على القرار هو الموظف الذي يهتم بإعداد ملفاته بكثير من المهنية. يرجى عدم مقارنة تجربة بلادنا بدول أخرى في مجال "عضوية الدواوين الوزارية"، وذلك لسبب واحد يتمثل في كون هذه المؤسسة مرحلة في الحياة المهنية والسياسية لمسؤولين مرموقين في تلك الدول. والقانون المقارن والممارسات الدستورية على ما أقول يمكن أن تشهد بذلك.ش