من ألطاف الله أن السكان نجوا من الموت الجارف، وعزاؤنا أن الانسان ومنابع المياه لا يزالون على قيد الحياة، وهمة الإنسان ستعيد غرس ما ضاع وإعادة الحياة ولون الخضرة إلى جنبات وادي امتضي.
قوة السيول وحجمها غير مسبوق تاريخيا في هذه الواحة الساحرة الغنية بالماء والطبيعة والتاريخ، والقابعة في ركن منسي في أقاصي شرق جهة كلميم واد نون على الحدود مع إقليم طاطا، "أمتضي" تشترك ذات الجغرافيا مع واحات سموگن وتمنارت التي هي أيضا ضربتها في نفس اليوم فيضانات كبيرة خلفت خسائر كبيرة، وضحايا رحمهم الله، أودية هذه الواحات تشترك في المنابع من أعالي قمم جبال الاطلس الصغير، كما تشترك في التاريخ حيث كان آيت سموگن هم الحليف القبلي لآيت حربيل.
بعد الكارثة تغير وجه الواحة واختفت أماكن خالدة طبعت ذكريات الصبا، وغابت أشجار معمرة كانت الأماكن تحمل أسماءها، وجرفت السواقي، وانحنى شموخ النخيل وولى وجهه للتراب، جرفت المياه المئات من أشجار النخيل والزيتون والخروب واللوز في واحة أمتضي، وجرفت مساحات واسعة من أراضي الواحة التي كانت تستغل للزراعات المعيشية.
وحزن السكان ودمعت أعين النساء على روح الواحة، لأن علاقة وطيدة وعاطفية مقدسة تربطهم بالواحة وأشجارها وحقولها.. للواحة روح لا يحس بها إلا أبناؤها.
هذا المكان السرمدي الذي عاش فيه أجدادنا وصنعوا فيه حضارة عريقة، شيدت عمران المخازن الجماعية الحصينة (ايكودار)، التي تحرس الواحة ولا تزال شامخة فوق الجبال منذ مئات السنين، وابتكر أجدادنا أنظمة للسقي توفر الماء للنبات والانسان بشكل عادل، ووضعوا قوانين ( العرف) لتدبير الندرة وحماية الواحة..وغرسوا الاشجار، ودافعوا عنها بدمائهم في زمن السيبة والقلاقل القبلية. اليوم أضحى هذا الموروث أمانة في اعناق أبنائها، ومن مسؤولية الدولة إنقاذ هذا الإرث الطبيعي والايكولوجي وإعادة تأهيل الواحة واستصلاح الاراضي وإعادة غرسها لتعود إليها الحياة كما كانت.. هذه الواحة التي افتخر بها المغرب أمام العالم في كوب 22 سنة 2016 وتعد عروس الواحات بجنوب المغرب ومنطقة جدب سياحي ذات مؤهلات طبيعية وايكولوجية وتاريخية مهمة، وتستحق الأفضل بعد عقود من التهميش والإقصاء.
كانت "أمتضي" تستقبل السياح الأجانب منذ ستينيات القرن الماضي، وكانت السياحة موردا مهما للسكان إلى حدود نهاية الستعينيات، اليوم تتوفر الواحة على مآوي سياحية بعضها تضرر بسبب السيول.
"أمتضي" اليوم تطالب بنصيبها من التنمية والاهتمام، وتحتاج للجميع أن يمد لها يد العون لتستعيد عافيتها وبهاءها وجمالها الأخاذ.
من قدرنا نحن أبناء الواحات أن نعيش في زمن يشهد أخطر التغيرات المناخية، تُغير فيه السيول فجأة وجه الأرض بعنف وتكسر الصور الذهنية وتحطم الأرض والإنسان والذكريات...
شموخ النخيل لن تكسره السيول، غرس أجدادنا، ونحن سنغرس للأجيال القادمة.