كان الجميع ينتظر زوال الخميس 19 شتنبر 2024 إطلالة الناطق الرّسمي باسم الحكومة الوزير مصطفى بايتاس كي تكسّر هذا الصمت الرسمي اتجاه ماوقع على ثخوم مدينة سبتة المحتلّة، كي يضع بذلك حدّاً للكثير من الإشاعات التي تسيء بالدرجة الأولى إلى سمعة الوطن والمواطنين على حدٍّ سواء..
هو سقف انتظاراتنا بسؤال مركزي..
ماالذي وقع السيد الوزير ؟! وماهي ملابسات وأسباب هذا الهروب الجماعي الكبير؟
لتجيبنا الحكومة الموقّرة بعد تداولها للموضوع وعلى لسان ناطقها الرّسمي مايلي:
1- تمّ تقديم 152 شخصا أمام العدالة في إطار محاربة دعوات التحريض على الهجرة غير القانونية.
2- عدد الأشخاص الذين حاولوا الهجرة غير القانونية، انطلاقا من مدينة الفنيدق، ناهز 3 آلاف شخصا، مبرزا أنه تم "إفشال جميع هذه المحاولات"
3- أن إشكالية الهجرة غير القانونية "متواجدة وتتكرر في مجموعة كبيرة من الدول".
بكل صدق ألا يمكن اعتبار جواب هذا المسؤول الحكومي، وصف عام للحالة نظير ما يقوم به مراسلو الوكالات الإخبارية من عين المكان لتقريب المشاهد من الأحداث..
كيف يمكن القفز عن ملابسات سفر أكثر من 3000 شخص ومن مختلف المدن المغربية دون أي تحرك استباقي من طرف أجهزة الحكومة.. خاصة وأن الإعلان عن تاريخ التجمع معروف عند الجميع منذ أسبوع تقريبا..
أين غابت وسائل الإعلام الرسمية لفتح النقاش والتعليق على الخبر قبل وقوعه؟
وفي نفس السياق، ما هي جنسيات الموجودين تحت ذمّة التحقيق والعدالة والمتابعين في إطار ماسميتموه بدعوات التحريض؟
صحيح أنّنا نتقاسم معكم التقدير والإحترام لاجهزتنا الأمنية وتعاملها الاحترافي والمهني مع هذه الحشود التي اختارت ان تركب الموت من أجل ما يعتقد أنها حياة أخرى..
لكن الأخطر السيد الوزير في إطلالتكم وبهذه اللغة الخشبية بعد أن اخبرتنا - ونحن في جهالة عن ذلك- أن الهجرة غير القانونية ظاهرة كونية..
أخبرتنا باسم الحكومة طبعا وعلى لسانك مايلي :
( يتم تحريض بعض الشباب من طرف جهات غير معروفة عبر استغلال مواقع التواصل الاجتماعي من أجل "تعبئتهم" للهجرة بطريقة غير نظامية.)
خطورة هذه الفقرة بالضبط لا تكمن في إضفاء الضبابية والغموض على ماهو مجهول وغامض أصلاً بل تعبير عن عجز أعلى جهاز حكومي ببلدنا في معرفة هذا (الغول) الذي استطاع أن يقنع أطفالنا القاصرين جدّاً في مغادرة الوطن..
أن يصل إلى طفولتنا بفكرة التشكيك في قدرات ومقدرات وطنه ويغامر بروحه الطفولية نحو المجهول
فشماعة (جهة غير معروفة) مردودة عليكم السيد الوزير كوصف على اختراق خطير للمجمع المغربي والوطن عموما.. ووصف لفشل حكومي عاجز على مقاومة هذه الإختراقات هو هروب إلى الأمام من الأسباب الحقيقية والموضوعية عبر توظيف نظرية المؤامرة والتآمر، وكأنك مصاب بعدوى جارنا الشرقي صاحب الإمتياز الوحيد في العالم.. ولنفرض جدلاً اقتناعنا بطرحكم كما ذهبت بعض القراءات أيضاً.. هل كان لهذا المجهول ان يصل إلى طفولتنا لو تحصّنت اجتماعيّاً وتربوبا؟
من فضلكم كفى من هذا الاستغباء والإستحمار فسياسة إحالة مشاكلنا الداخلية على جهات خارجية أو مجهولة وغير معروفة لاتنسجم وعقلية الإنسان المغربي الذي تربّى على مواجهة مشاكله الداخلية بكل جرأة ومسؤولية وبكل صلابة وجدية تحت سقف الوطن وثوابته.. وهي التي جعلتنا اليوم نخبر السيد الوزير بأن ماسميته بغير المعروف والمجهول في نظركم هو معروف وملموس بل ويعيش وسطنا وسط الفئة المرحومة وذات الهشاشة الإجتماعية..
هذا الشخص الذي حرّضنا جميعا هو الفقر وسط غلاء الأسعار.. هو البطالة والحگرة ط.
نحن لا نخجل في تشريح أعطابنا الإجتماعية في إطار الدفع بها نحو تجاوزها.. ولا نحس بأدنى نقص اتجاه تلك الأصوات الصارخة بأنين الألم فالمغاربة لهم القدرة على بلورة الحلول لمشاكلهم العسيرة وحدهم كحصانة قوية ضد الخطابات المسمومة والتسفيهية التي يتغيّأ من ورائها فقدان الثقة في بلدنا وفي فعاليات مؤسسات وطننا..
لذلك نقول بأن مملكتنا المغربية وبقيمتها التاريخية وبعدها الحضاري راسخة شامخة شموخ جبال الاطلس وأكبر من كل الحكومات، وفوق من كل الأحزاب.. في الحاجة اليوم إلى الجدية وربط المسؤولية بالمحاسبة، والإصطفاف إلى جانب حقوقنا في التنمية والتقدم والرقي بمغرب قوي بملكيته وبديمقراطيته وبمؤسسات دولته وبتعبئة شعبه..
فأبناء هذا الوطن الذين تقاسموا الخبز والدم لحظة زلزال الحوز، هم أنفسهم يطالبون بتقاسم خيرات هذا الوطن على كل أبنائه..