مهما طالت السنوات، فإن ليلة 8 شتنبر 2023 ستبقى خالدة في أذهان الكثير من المغاربة، ففي هذه الليلة اهتزت الأرض وخرج الكثير من المواطنين في مدن متعددة من منازلهم تاركين "الجمل بما حمل". فبعد الساعة الحادية عشرا ليلا وفي ظل الكثير من التساؤلات حول مصدر الهزة، ظهر الخيط الأبيض من الأسود وتأكد أن مركز الهزة هو منطقة الحوز وأن الكارثة تفوق كل توقعات.
وما إن أشرقت شمس التاسع من شتنبر 2023 حتى تبين أن الزلزال تسبب في مقتل وتشريد المئات المواطنين في الحوز وفي العديد من المناطق المتضررة الأخرى، ولم تعد تشم في هذه المناطق إلا رائحة الموت.
ورغم شدة الألم، فإن أهل الحوز أبانوا عن صبرهم لما وقع، وتحركت قوافل المغاربة إلى المناطق المتضررة دون إشارة من أي جهة ليثبث المغاربة أنهم في الأوقات الصعبة يكونون مثل "الجسد الواحد أذا اشتكى عضوا تداعت له سائر الجسد".
حاليا مر عام على هذه الكارثة وبدأت منطقة الحوز تلملم جراحها وانطلقت عملية إعادة الإعمار، التي وإن شابها بعض التأخر في عدد من المناطق، فإنها بدأت تحقق المراد منها، حيث تمكن بعض الأهالي من العودة إلى منازلهم، وشقت الطرق من جديد، في انتظار طي صفحة إعادة إسكان كل الأسر المتضررة قبل حلول فصل الشتاء في تلك المناطق الجليلة.
وقال جمال كريمي بنشقرون، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم و الاشتراكية، مرت سنة على الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحوز والعديد من المناطق الأخرى، وهذا الزلزال الذي يعد ظاهرة طبيعية لا يمكن التنبؤ بها، شكل ضربة قوية لبلادنا وخلف الكثير من الآثار على مستوى الاقتصادي والاجتماعي بالمناطق المتضررة.
و أكد محدثنا، أنه قامت فئات عديدة من الشعب المغربي بأدوار إنسانية عميقة الدلالات والأبعاد من خلال تنظيم مجموعة من القوافل لمساعدة الضحايا، الأمر الذي أظهر الروح الإنسانية الطيبة والنييلة للشعب المغربي.
وتابع قائلا : "في الساعات القليلة لما بعد الزلزال كان للملك محمد السادس دورا استراتيجيا للوقوف على الكارثة وذلك عبر لجنة للتتبع، وكان هناك تدخلا قويا للجيش و للسلطات المحلية والوقاية المدنية لإجلاء ضحايا الذين كانوا يتواجدون تحت الأنقاض في ظل ظروف صعبة في مناطق جبلية وعرة. وتمكن المغرب من محاصرة هذه الكارثة وسمح لبعض المساعدات المحدودة لبعض الدول الأجنبية، وأعطي تعليمات للحكومة للقيام بأدوار بشكل مستعجل من خلال التدخل الإنساني، ولعبت مؤسسة محمد الخامس للتضامن دورا كبيرا في هذا الباب، حيث مدت الساكنة بالمساعدات والخيام وغيرها من الأمور التي يمكن اعتبارها إيجابية، إلا أنه كان من اللازم أن تكون هناك إجراءات أخرى من قبيل ربط آليات التعاون والشراكة مع الجماعات الترابية التي كانت تفتقر لأي إمكانيات لوجستيكية للتدخل".
وأوضح محاورنا، أنه كانت التدخلات الأولى ما بعد الزلزال مرتجلة بامكانيات بسيطة وآليات متواضعة، ولكن بعد ذلك كان هناك عمل كبير، ويمكن أن نعتبره، والحديث لجمال كريمي بنشقرون، عملا إيجابيا في ظل مقاومة كارثة من هذا النوع. إضافة إلى إحداث صندوق ساهم فيه جميع المغاربة لتوفير سيولة مالية ارتباطا بالبرنامج الذي تم الإعلان عنه لدعم المساكن سواء المتضررة جزئيا أو كليا، وهذا الأمر الذي تم بشكل بطيء، ما أثار تحفظات وشكايات بعض المتضررين من السكان وفاعلين في المجتمع المدني وبعض المنتخبين في الأقاليم المتضررة وبشكل خاص في الحوز وتارودانت، وهذا يرجع، حسب رأيه، إلى التأخر في التحويلات المالية أو عدم دقة الإحصائيات، حيث أكد بعض المتضررين أنه لم يستفيدوا ولم يتم احصاءهم، وهذه من النقاط السلبية في هذا الباب.
طريق أعيد إصلاحها بعد أن دمرها الزلزال
وقال جمال كريمي بنشقرون: "اليوم هناك تقدما ملحوظا في عملية البناء وفي التجاوب مع المرحلة. وما يتم تسجيله كان لابد من البداية إعادة الإعمار بصورة جديدة وبتصور عمراني حديث وبنايات مقاومة للزلازل وتوفير الدراسات التقنية التكنولوجية المساعدة. وهنا يحضر عنصر توفير المواد البناء التي تعتبر تكلفتها باهضة في السوق نظرا للتصخم، الأمر الذي ساهم بدوره في تعثر عمليات البناء، دون نسيان ارتفاع تكاليف تنقل مواد البناء، خاصة بالنسبة للذين يقطون في الجبال و بعيددن عن المراكز الحضرية. كما كان هناك مشكل يتعلق بعملية إيواء المتضررين قبل إعادة بناء منازلهم من جديد، وهنا طرحت مسألة توفير الخيام أو المنحة المالية المقدرة في 2500 درهم لكل أسرة، وطرحت المسألة الاجتماعية بالنسبة للأسر المفككة التي تأثرت بشكل كبير، الأمر الذي يستدعي معالجته في أقرب وقت، خاصة أن جزء منها لا يزال عالقا لحد الساعة. إن الأمر يتعلق بظاهرة يصعب التكهن بمقاومتها بها بشكل تام، علما أنه تمت إزالة الدمار وتراكم الأحجار والأتربة وهي من المسائل الصعبة، وهو الأمر الذي وقف عليه المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية خلال زيارته للمنطقة، حيث تم الوقوف على صعوبة المسالك والولوج وكيفية تدبير استخراج ما هو مطمور تحت التراب من حيوانات نافقة التي كانت تعيش مع السكان وصعوبة نقل أطنان من الحجارة والأتربة، إضافة إلى كفية ادخال مواد جديدة.
ونحن عازمون في حزب التقدم والاشتراكية للقيام بزيارة جديدة لهذه المنطقة بعد مرور سنة على الزلزال للوقوف على ما هو موجود في عين المكان ولتقييم التدخل الحكومي بشكل دقيق للبرنامج الذي تم الإعلان عنه والذي ثمناه من البداية، واعتبرنا أن بلادنا قادرة على احتواء مثل هذه الكوارث الطبيعية وقادرة على مواجهة أخطار من هذا النوع، ولكن لابد من توفير الأرضية الحاضنة لاحتواء هذه الكوارث من الجانب الاجتماعي والاقتصادي، لأن ما حصل له أثار نفسية على الناشئة والتلاميذ ضاع حقهم في التمدرس، إضافة إلى انهيار بنيات تحتية ولابد أن تتوفر مسالك طرقية مساعدة وهذا الأمر يجب العمل عليه جنبا إلى جنب لإيواء الساكنة وتوفير طرقات ومسألك حتى يتم استغلالها لتسريع وثيرة المواكبة والتدخل في مثل هذه الكوارث".