انتشرت العيطة انتشار النار في الهشيم في الإعلام المحلي، وعلى منصات السوشيال ميديا وعند الكثير من الفنانين، حتى أضحى كل يغني على ليلى عيطته بما جادت به قريحته أو بما فرضته ضريبة الأضواء والشهرة دون الإهتمام لا بشكلها ولا بحمولتها التاريخية ولا حتى بهويتها البدوية المنبثقة من عمق البادية.
لقد كثر الإنتماء إلى حقل العيطة دون احترام قواعدها، فأصبح كل من هبّ و دبّ يتغنى بجزء بسيط منها، فيحمل صفة "شَيْخْ" في العيطة. و هناك من يكتفي بمطلعها
"كَيًطْبَعْهَا" أو ببعض الْحَبَّاتْ المتفرقة من عَتَبَاتِهَا، ليطنب بعد ذلك في التفنن في السُّوسَةْ دون العدول عن "الديديكاس" لنكون بذلك أمام مجسم غريب لشكل آخر من العيطة.
والأدهى من ذلك ما بلغه بعض المحسوبين على مجال العيطة من مشاداة كلامية واتهامات، مختبئين وراء فن لا يسعه إلا جهابدة المجال من شيوخ التزموا على المرور من الطريق المؤدية إلى "تَشِيَّاخَتْ" محافظين على شروطها، ملتزمين برباطها، وموفون بعهد حمل أمانتها،
ليس كل من استهل غناءه ب "حًاجْتِي فِي كْرِينِي" له القدرة على أدائها، و كم من متطفل أمتطى صهوة جواد "تْكَبَّتْ الْخَيلْ عْلَى الْخَيْلْ" واكتفى بأخذ صور شمسية له فوقها أو قرب فرس الْعَلَّامْ مدعيا قيادته لِسَرْبَةْ لا تجمعه معها غير السلام و السلام.
الحقيقة المرّة أن أغلب المنتمين إلى حقل أداء العيطة لا يؤدونها على شاكلتها، و هنا لا يمكننا الجزم بمشيختهم، وهذا ما بتنا نراه يتكرر على شاشة الإعلام المحلي والوطني خصوصا فيما يتعلق بالعيطة الحصباوية، وذلك لمعرفتنا المقربة بالتفاصيل الصغيرة لها ومن خلال إلمامنا البسيط بتاريخها وقواعدها، فإننا نقرّ أن من يتخدون صفة شيوخ العيطة الحصباوية لا يملكون من الحصباوي سوى الصفة. وهذا الأمر يمس بهوية العيطة التي هي هوية تاريخ منطقة عبدة التي تمثل جزء من تاريخ المغرب والمتسمة بخاصيتي التعقيد والتركيب المميزان لها عن سائر العيوط المغربية.
لذلك وجب على كل المهتمين من باحثين وأكاديميين وضع خارطة طريق لهذا الموروث اللامادي وتثمينه ومحاولة إعادة لملمة أجزائه المفقودة، ولم لا الثورة على الشكل الحديث التي اتخذته العيطة الحصباوية والذي يمكن وصفه بالشكل المشوه نظرا للنقص الحاصل في مجموعة من أجزائها وكذلك الكثير من حَبَّاتْ متونها دون الحديث عن الْقَتِيبَاتْ المفقودة أو مما يسميها ذوو الاختصاص ب "الْفِيرَاجَاتْ" مع العلم أن هذا الأمر قد يكون مستحيلا نظرا للاستعمار الفني أو قانون الحيازة التي باتت تعاني منه العيطة الحصباوية بمنطقة عبدة، و هذا التملك الجديد جعل من الصعب السير في طريق القاعدة الأولى التي وضعها المرحوم الباحث بوحميد في إطار البحث في مجال العيطة الحصباوية وهو "تَشِيَّاخَتْ" أو بمعنى آخر البحث الميداني يقتضي الجلوس على حصير الزاوية واحترام لَمَّتِهَا قبل الأخذ من شيوخها، وهو الأمر الذي صعب على الباحثين في منطقة الحصبة. البحث عن المجموعات المضمرة والمجهولة التي تحمل أمانة العيطة شيخا عن شيخ، والرجوع قصرا إلى ما تم توثيقه وتسجيله بآسفي من طرف من يدّعون امتلاك العيطة الحصباوية، في حين أن الموروث اللامادي لا يورث بقدر ما يُوَرّث، والملمون بتاريخ العيطة الحصباوية يعلمون علم اليقين أن العيطة بنت البادية، مَاشِي بَنْتْ المدينة، وَلِّي بَاغِي يَفْهَمْ اكثر يْقَلَّبْ على الفرق بين الحصباوي و المرساوي.