من المعلوم أن مدرسة جمعة سحيم لفن العيطة تتكون حسب المعطيات التي نتوفر عليها، من الشيخ "الْبَدْرِي" ثم الشيخ "أحْمَدْ بَنْ خَدُّوجْ" إلى جانب الشيخ "عَبْدْ الرَّحْمَنْ التّْرِيَّنْ" والشيخ "عُمَرْ بَنْ هَدِّي" أطال الله عمره. هذا الأخير الذي مازال يكافح بآلته الوترية وحمولته التراثية التي ورثها عن شيخه الفنان المبدع عبد الرحمان الترين رحمة الله عليه، مع ثلة من المهووسين بفن العيطة العبدية، رغم الإكراهات المتعددة.
في هذا السياق تقدم جريدة "أنفاس بريس" للقراء وجهة نظر الفاعل الجمعوي وحافظ سر والده الفنان جَوَادْ التّْرِيَنْ الذي يتقاتل اليوم من أجل رد الاعتبار لهذا النمط العيطي بمجال عبدة الساحرة. حيث يؤكد على أن العيطة الحصباوية "تحتاج إلى إعادة النظر، وعمق البصر، و الآذان الصاغية، والرغبة القوية لإعادة صياغة متونها، بدل زخرفتها بـ " قْضِي بَلِّي كَانْ" من أجل عيون الإعلام أو من أجل الشّهرة".
-إليكم وجهة نظر جواد مجرد ابن المرحوم الفنان الشيخ عبد الرحمان مجرد الملقب بالتربن:
"للعيطة الحصباوية بسحيم رجال يحرسونها ويحافظون عليها، من تقلبات الزمن، ووفرة الرؤى، ويحفظونها في صدورهم في انتظار توثيق ما جادت به حناجر شيوخ حملوا أمانة العيطة وأقسموا على صيانة شرفها، وصونها من تقلبات الزمن وذكاء "الْمَرْمَادَةْ" الذين عرفوا كيف يملئون المكان الفارغ في مربَّع العيطة "غا بَلِّي كَانْ".
ونظرا للخصاص الحاصل في متونها وقلة المراجع الحافظة لها، تمت عملية سدّ الفراغ بنجاح دون الانتباه إلى الفرق الكبير بين ما هو تراثي، وما هو إبداعي كما وقع في عملية الخلط الذي شهدها فيلم "خَرْبُوشَةْ" الذي لم يفرِّق مخرجه بين العمل المتخيل الذي يكون فيه الإبداع أهم خصائصه، وبين العمل التاريخي الذي تكون أحداثه التاريخية حقيقية وواقعة.
كذلك الأمر في العيطة الحصباوية التي وقعت ضحية هذا ـ البين بين ـ ما هو تراثي لا يحتمل التحديث، وبين ضرورة "قْضِي بَلِّي كَانْ" لتكون النتيجة عَيْطَةْ حَصْبَاوِيَّةْ مشوهة، منقوصة الأطراف، أو خضعت لعمليات زرع الأعضاء لتوثق عيطة "حَاجْتِي فِي ﮜْرِينِي" بدون عْصَابَةْ، وعيطة "بِينْ الجَّمْعَةْ وَ الثّْلَاثْ" بدون مدخل، وأما عيطة "الرَّاضُونِي" التي كانت تضني وترهق الشيوخ الرّواد، فقد أصبح "مَنْ وَالَا يَرْكَبْ عْلِيهَا" مع قَصْ عَتْبَةْ الْحَضَّارِي، والتي تعد هي المحور الرئيسي لظهور "عَيْطَةْ الرَّاضُونِي" لما تتضمنه هذه الْعَتْبَةْ من حَبَّاتْ الرّثاء في شخص المرحوم القايد عيسى بن عمر. ناهيك عن المتغيرات الكثيرة في المصطلحات القديمة التي عوضتها أخرى مستحدثة. أما بخصوص عَيْطَةْ "تْكَبَّتْ الْخَيْلْ عْلَى الْخَيْلْ" فحدث ولا حرج.
إن الحديث عن حال ومآل العيطة الحصباوية بإقليم آسفي، لا تسعه الكتابة، ولا الإشارات، ولا الملاحظات، بقدر ما يحتاج إلى إعادة النظر، وعمق البصر، و الآذان الصاغية، ورغبة قوية في إعادة التراث للعيطة الحصباوية بدل زخرفتها بـ " قْضِي بَلِّي كَانْ" من أجل عيون الإعلام أو من أجل الشّهرة، ولا يخفى على ذوي الإختصاص الأسباب الحقيقية وراء هذا التلاعب والعشوائية في الكيفية التي تمت بها لملمة تاريخ العيطة وتدوين متونها دون تمحيص، ودون غربلة، بل دون الرجوع إلى هوّية العيطة الحصباوية الحقيقية.
ونظرا لضيق الوقت، وسرعة الباحثين عن الشّهرة، لا عن العيطة، فقد حرمت العيطة الحصباوية من الوقت الذي يعد أهم عنصر في تركيبتها لزخم مُتُونِهَا و "فِيرَاجَاتِهَا" وفسحاتها التي لم نعد نسمعها مع معتنقي هذا الفن النبيل، لذلك بتنا نسمع عيطة "الراضوني" بتوقيت لا يتجاوز عشرة دقائق، في حين كان أداء هذه العيطة مع شيوخها الذين يعرفون قيمتها يتجاوزون الساعة دون انتباه للوقت بقدر انتباههم و تركيزهم على كل "حَبَّةْ حَبَّةْ ".
في انتظار ردّ الاعتبار والقيمة التراثية والفنية للعيطة الحصباوية وإعادة صياغة شكلها التاريخي، تبقى مدرسة سحيم بشيوخها ومريديها ورجالها حصنا منيعا وزاوية حافظة لأصول ما تم تغييره وتحويره على أمل الحفاظ على موروث تاريخي وثقافي لمنطقة عبدة.
و خير مثال على ذلك، ما سجل من حبات قليلة، متفرقة وغير مرتبة من عيطة "سِيدِي حَسَنْ" وإقناع جمهور العيطة الحصباوية على الصعيد الوطني أنها عيطة "سِيدِي حَسَنْ"ِ