أحمد نورالدين: العهدة الثانية لتبون هدية الجزائر للمغرب!

أحمد نورالدين: العهدة الثانية لتبون هدية الجزائر للمغرب! أحمد نورالدين
الحملة الانتخابية في 2024 لم تختلف كثيرا عن حملة 2019، من حيث منسوبها العالي من الكراهية والعداء تجاه المغرب، وهذا ليس غريباً إذا عرفنا أن عقيدة الجيش والنظام الجزائريين مبنية على معاداة المغرب. وليس غريباً أيضا لأن الانتخابات الرئاسية الجزائرية هي مجرد مسرحية لإضفاء الشرعية على المرشح الذي يختاره ويعينه الجنرالات الجزائريون، وهذا ما عبر عنه شعار الحراك الشعبي الجزائري "تبون مزور.. جابوه العسكر".

وقد أثبتت النتائج الرسمية التي أعلنت عنها السلطات الجزائرية هذه الحقيقة، فنسبة المشاركة لم تتجاوز 22% من مجموع المسجلين في قوائم الانتخابات، وهو رقم يتناقض مع رقم 48% الذي حاولت السلطات الجزائرية تمريره ولكنها وقعت في تناقض صارخ مع نفسها، حين صرحت في نفس الوقت أن عدد المصوتين تجاوز خمسة ملايين ببضعة آلاف، ويمكن لأي مبتدئ في الحساب أن يقارنه مع العدد الإجمالي للمسجلين في قوائم الانتخابات المقدر بحوالي خمسة وعشرين مليون جزائري، ليظهر حجم التزوير الذي يرغب النظام العسكري الجزائري من خلاله التعمية والتمويه على مقاطعة 78 % من الشعب الجزائري لتمثيلية الانتخابات الرئاسية وللمرة الثانية على التوالي، كما قاطع من قبل الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية.
 
يمكن القول إذن، أن منح عهدة ثانية للرئيس عبد المجيد تبون يبعث رسالة سياسية مفادها أنه لا شيء سيتغير في السياسة العدائية تجاه المغرب إلى غاية 2029. فالرئيس الحالي ركز في حملته الانتخابية على تصريحات معادية للمغرب ووعد شعبه بفصل الصحراء عن باقي التراب الوطنى للمغرب، أكثر مما ركز على السياسة الداخلية ومشاريع تهم المواطن الجزائري الذي ينتظر رفع معدلات النمو الاقتصادي لخلق مناصب الشغل للعاطلين، وينتظر بناء مستشفيات بمواصفات ومعايير أفضل من تلك الموروثة عن حقبة الاستعمار، وينتظر  تطوير البنيات التحتية المختلفة، وينتظر توفير الماء الذي ينقطع في تيارت وأخواتها من المدن الجزائرية، وينتظر توفير السلع الغذائية الأساسية والبسيطة من حليب وزيت وعدس حتى لا يضطر للوقوف في طوابير تذكرنا بفترة الحرب العالمية في بلد لا تنقصه الثروات فهو يسبح فوق بحر من النفط والغاز.
 
وهذا يتماشى ويتسق مع كون العهدة الثانية للرئيس تبون تمثل خيار الجيش الجزائري وحده ولا تمثل تطلعات الشعب الجزائري، ونحن نعلم أن العسكر الجزائري وعلى لسان قائد الجيش الحالي الجنرال سعيد شنقريحة، على غرار باقي أقطاب النظام وسدنة المعبد، صرح مراراً وتكراراً أن المغرب هو العدو الكلاسيكي والعدو الاستراتيجي للجزائر. وقد ترجم السيد تبون هذا التوجه خلال عهدته الأولى من خلال توجيه ربع ميزانية الدولة نحو شراء الأسلحة وتجهيز الجيش، في وقت يغرق فيه الاقتصاد الجزائري في الوحل، وتواصل القدرة الشرائية في التدهور، والعملة في الانهيار.

 وخلال تلك العهدة اقترب البلدان أكثر من أي وقت مضى من الدخول في حرب إقليمية شاملة سعت إليها الجزائر من خلال استفزاز المغرب بكل الوسائل، تارة بمناورات برية وبحرية وجوية بالذخيرة الحية، ومباشرة على التماس مع التراب المغربي على طول 1600 كلم من السعيدية شمالاً إلى تندوف جنوباً، وتارة من خلال اقتحام أراضي مغربية كما حدث في واحة العرجا بمدينة فكيك سنة 2021، وتارة من خلال إطلاق النار وقتل شباب في عمر الزهور كما وقع في شاطئ السعيدية، وتارة من خلال إطلاق صواريخ باتجاه الجدار الأمني وقع بعضها ضواحي مدينة السمارة. وأما الدبلوماسية والإعلام الجزائريين فحدث ولا حرج عن السيل العرم من المعارك اليومية. 

وكانت لحظة الذروة في هذا التوجه نحو الحرب واضحة حين قررت الجزائر في 24 غشت 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية من جانب واحد مع المغرب، ومنعت حتى الطيران المدني من عبور اجوائها، وشرعت في حشود عسكرية على حدودنا الشرقية، وصرح الرئيس تبون ان العلاقات مع المغرب وصلت الى نقطة اللاعودة، اي الحرب بتعبير آخر. 

وأكيد أن تراجع الجنرالات الجزائريين عن ارتكاب حماقة الحرب  راجع الى عوامل خارجية وجيوسياسية اكثر من أي شيء آخر، ومنها على الخصوص تصاعد الحرب الاوكرانية وما افرزته من عجز المصانع الروسية عن تلبية طلب جيشها من العتاد والذخائر، مما يعني عجزها عن تلبية حاجات الجزائر إلى الذخائر وقطع الغيار لو انها كانت قد دخلت الحرب، خاصة وأن الجزائر تعتمد بنسبة 90% على السلاح الروسي. ناهيك عن تفوق التكنولوجيا الغربية الذي بات واضحاً في تلك الحرب. ويمكن أن نضيف إلى ذلك عاملاً مهما يرتبط بنوعية التحالفات الاستراتيجية والعسكرية التي عقدها المغرب في السنوات الأخيرة، والتفوق االاستخباراتي الذي لم يهد سراً، والسبق في مجال الاتصالات بالاقمار الصناعية والجيل الرابع من الحروب التي تعتمد على الحرب الالكترونية والمُسيّرات والتشويش على الاتصالات واختراقها أو قطعها كلياً عن طريق الفضاء او الطائرات الحربية من الجيل الرابع والخامس وغيرها من الأدوات التي أصبحت متاحة للمغرب بفضل تحالفاته النوعية مع فاعلين كبار في هذا المجال.
 
خلاصة القول أن العهدة الثانية للرئيس عبد المجيد تبون هدية غير مقصودة للمغرب، لأنها تعني خمس سنوات أخرى من الجمود السياسي والاقتصادي في الجزائر، وتعني خمس سنوات جديدة من الخيارات الاقتصادية الفاشلة، وتعني خمس سنوات أخرى من العزلة الدبلوماسية التي وصلت إليها الجزائر في جوارها المباشر جنوبا وشرقا وغربا، ومع زبنائها التقليديين في أوربا وخاصة إسبانيا وفرنسا، وعلى المستوى الدولي بشكل عام، حيث وصلت شظايا التوتر إلى حليفها الروسي بسبب انتقاد الجزائر من منصة الأمم المتحدة تدخل مرتزقة "فاغنر" الروسية في مالي، وهي بذلك تطلق الرصاصة على رجلها وليس على أحد آخر.

ولا شك أن استمرار هذا النهج في سياسة الجزائر من خلال التمديد لمرشح الجيش، سيعطي الفرصة للمغرب مرة أخرى لتعميق الفجوة التنموية والاقتصادية بل وحتى العسكرية والتكنولوجية مع الجزائر، خاصة وأن هذه العهدة الثانية تتوافق مع حدث جيوسياسي بامتياز سيشكل رافعة استثنائية لتحقيق طفرة تنموية في المغرب على كل الأصعدة، ويتعلق الأمر بتنظيم مونديال 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال. 

فهنيئاً للمغرب بهذه العهدة الثانية للرئيس تبون، وهي هدية ثمينة وغير مقصودة من جنرالات الجزائر لم نكن لنتوقع، نحن المغاربة، أفضل منها. فشكرا للإخوة الأعداء على الهدية.
 
أحمد نورالدين/ خبير في العلاقات المغربية الجزائرية