حتى وإن صادف -حديث الأربعاء - لهذا الأسبوع يوم الدخول المدرسي للسنة الدراسية 2024- 2025 .فإنني لا اعتزم التفصيل فيه. فمجرد الاقتراب من هذا الموضوع،تجد نفسك مكبلا في عمق قضية التعليم بشكل عام،الذي لا يذكر إلا وكلمة أزمة تسبقه وتعود بك الذاكرة ويطفو على السطح تلك المبادئ الأساسية للتعليم بالمغرب.كما حلم بها رواد الحركة الوطنية، وكما أقرتها اللجنة العليا للتعليم في 1957، واللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة 1958.
وهكذا تراك تصفق (1) لتعميم التعليم، وتتأسف عن الهدرالمدرسي.(2)تفرح للمغربة، والهرولة قائمة للتسجيل بمدارس البعثات الأجنبية .(3)تفتخر بالتعريب ليفاجئك التردد . (4) تعتز بالتوحيد لتكشف أن هناك مسارات متعددة؛ لكل واحد منها مصب (البطالة، والإدارة والمقاولة والأعمال الحرة ). (5)تنوه بالمجانية لتكتشف أن مليون وأربع مائة ألف تلميذ مرت أسرهم لصناديق الدفع والأداء قبل أن يلتحق أبناءهم هذا الصباح بفصول المدرسة.
فهل الصورة قاتمة إلى هذا الحد الذي جعل الأجير المحدود الدخل والموظف البسيط والمياوم يهجرون وأبنائهم المدرسة العمومية مفضلين المنفى إلى القطاع الخاص رغم نار الفاتورة الشهرية على وهم جنة المجانية بالقطاع العام.
هل التعليم بالقطاع الخاص اختيار بالفعل قراره تتخذه الأسر بكل حرية؟ هل الهجرة للقطاع الخاص تعود لجودة التجهيزات والبنايات ؟ هل للشعور بالسلامة والأمن بداخلها ؟ هل لجودة أطرها؟ وهل فقط لرغبة عميقة وتشجيع (للفكاك من حريق الرأس ).
وقبل هذا وذاك هل إهمال التعليم العمومي، لعقود كانت الغاية منه هو تخلص الدولة من أعبائه المالية بناء على إملاءات الموسسات المالية الدولية في فترة الثمانينات؟
شخصيا لا أعتقد مطلقا أن المدرسة العمومية المغربية قد انزلقت إلى هذا الحد الذي أصبحت فيه الأسر تخجل أن تقول في اللقاءات العائلية والخاصة إن فلذات كبدها بمدرسة الحومة أو اعدادية الحي ( عبد الكريم الخطابي، الزرقطوني ، شوقي ….) مع أن سبعة ملايين تلميذ بالمدرسة العمومية ما دام لم يستطيعون لغير ذلك سبيلا.
هل من المعقول أن نشكك في قدرات وكفاءات أطرنا التربوية؟ وهم الذين تم انتقاؤهم بناء على اختيار دقيق وخضعوا لتكوين نظري وعملي .ويدفع لهم المجتمع 56 مليار درهم كأجور حسب تصريح للسيد شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأساسي والرياضة. هل الإدارة بكل أجهزتها عاجزة على توفير الأمن والسلامة بالمدرسة العمومية؟ هل عجزنا عن تأهيل البنية التحتية وبلادنا تتقدم بسرعة في تأهيل مدن بأتمها ؟
أين الخلل إذن ؟
في تقديري يمكن الوقوف على مايلي :
- إن حكاية التعليم بالمغرب كانت منذ الاستقلال جزء من التدافع السياسي والاجتماعي بين أطراف صراع تلك المرحلة ببلادنا، وبالتالي لم يكن القطاع يدبر لا بمعايير النجاعة ولا بمقاييس الفعالية،بل كان يخضع دائما للتجاذبات والتوازنات السياسية والتي يتم تصريفها في غالب الأحيان عبر قنوات الفاعل الحكومي والنقابي.
- الوعي المتأخر والإرادي بأهمية التعليم ودوره في التنمية،جعل بلادنا في 2024، لازالت تحارب أمية الكبار المرتفعة، وأحيانا الصغار. في الوقت الذي حسم هذا الأمر في عدد من الدول التي حصلت على استقلالها في نفس الفترة مع بلادنا.
- التردد والضبابية وغياب رؤية واضحة. مع اخضاع القطاع لتجارب متعددة قد عطل انبثاق نظام تربوي مغربي اصيل ومتفتح تكون اللغة الوطنية قاعدته الأساسية.
- الحكامة المحدودة للقطاع لم تساعد على تعبئة كل عناصر قوته وصهرها وفق مقاربة تشاركية في استراتيجية مستقبلية يكون محورها التلميذ، ومنسوب المسؤولية مرتفع لدى الفاعل التربوي.
- وفي الختم إذا كان التعليم يشكل حقا من حقوق الإنسان،كما ورد في الإعلان العالمي لسنة 1948 وفي عدد من صكوك اليونيسكو وفي أهداف التنمية المستدامة ل2030 حيث يشكل التعليم وسيلة رئيسية وفضلى مصعدا للارتقاء اجتماعياً، خاصة بالنسبة للفئات الهشة . فيمكنني القول بدون مجازفة إن الهرولة الاضطرارية أحيان والاجتماعية في غالب الأحيان، الآن بالمغرب نحو القطاع الخاص قد عطلت المصعد من جهة ومن جهة أخرى تساهم بقوة في هشاشة وتفقير عدد من الأسر الوسطى،لما تستنزفه من مواردهم المحدودة. وقد آن الأوان لنقاش عمومي حقيقي حول هذه المعضلة التي أصبحت اجتماعية وليست تربوية. ما عدا ذلك الاحتقان الاجتماعي لا مفر منه .