حين نستحضر المشهد الجمعوي بمجال إقليم الرحامنة في سياق المهرجانات السنوية ذات الصلة بالتراث اللامادي، لابد أن تنتصب أمام المتلقي على المستوى الوطني جمعية الرحامنة للموروث الثقافي والبيئي بصخور الرحامنة، على اعتبار أن الحديث عن تاريخ مهرجان الطَّلْبَةْ وَالرّْمَى وَالْخِيَّالَةْ، ونسخته الحالية رقم 17، الموسومة بشعار: "معا نصون تراثنا ونحافظ على إرثنا" الممتدة من 28 غشت إلى غاية فاتح شتنبر 2024، هو حديث نابع من صفاء العمل الجمعوي الهادف في بعده الوطني، والمؤمن بالروح الجماعية ذات البعد التشاركي، وكأنك في حضرة خلية نحل تشتغل بنكران الذات وبعشق لا حدود له، في تناغم جميل بين كل مكوناتها وشركائها لتنتج عصارة برنامجها الغني والجامع بين تراث فنون التبوريدة والفكر والثقافة والإبداع من أجل ترسيخ قيم تَمَغْرَبِيتْ.
الحديث عن النسخة رقم 17 لمهرجان الطَّلْبَةْ وَالرّْمَى وَالْخِيَّالَةْ، يقودك حتما للحديث عن برنامج الجمعية المنظِّمة وشركائها، حيث تتأسس فقراته الغنية والهادفة طيلة أربع أيام، على الجانب الفكري والثقافي والإبداعي والفني. برنامج متنوع ومتعدد سيحقق لا محالة هدفه النبيل الذي يترك الأثر المحمود لدى المتلقي، ويرسخ ببصماته وتراكماته الجميلة كل مظاهر صناعة الفرجة والفرح، في علاقة بالحضور القوي لِعَلَّامَةْ سَرْبَاتْ الْخَيْلْ القادمين من مختلف أقاليم وعمالات المغرب.
من المعلوم أن هذه النسخة الراقية شكلا ومضمونا، قد استقطبت أجود مْقَادِيمْ وَعَلَّامَةْ سَرْبَاتْ سنابك الخيل الذين سجلوا بمداد من الفخر والوطنية منذ عقود حضورهم الوازن رفقة فرسانهم وخيولهم على صهوة "بُّودْيُومْ" دار السلام بالرباط وصالون الفرس بالجديدة، دون الحديث عن مشاركاتهم القيمة محافظة وصيانة للتراث اللامادي بمختلف المهرجانات الوطنية والمواسم التاريخية بالمغرب بعشق لا حدود له.
في سياق متصل ركز المنظمون على إعطاء أهمية قصوى للجانب التنموي من خلال إقامة معرض خاص بالتعاونيات والجمعيات الفلاحية ومختلف العارضين للمنتجات المجالية، في أفق تثمين كل منتوجات ومجهودات فعاليات المجتمع المدني المشتغلة في ذات الميدان.
من جهة أخرى، سيستهل المهرجان فقراته المتنوعة بقراءات جماعية لحفظة القرآن الكريم، والانتقال لتقديم عروض التبوريدة على إيقاع سنابك الخيل والبارود، بمشاركة فرسان وخيول مختلف الأقاليم المغربية الوافدة من الجنوب والوسط والغرب فضلا عن سربات منطقة الرحامنة ودكالة وأحمر وعبدة، لتأكيد البعد الوطني وتعدد مدارس طرق فنون ورياضة التبوريدة المغربية.
ومن أجل ضمان كرامة الجمهور الغفير ـ نساء ورجالا وشبابا وأطفالا ـ الذي اعتاد على متابعة المهرجان، بما فيهم جليتنا المغربية المقيمة بالخارج، فقد حرصت جمعية الرحامنة للموروث الثقافي والبيئي على توفير كل مستلزمات الراحة والأمن والأمان من خلال إقامة مدرجات تليق بحجم هذه التظاهرة التراثية والثقافية والفنية، بتنسيق تام مع الجماعة الترابية والسلطات المحلية والإدارة الترابية والأمنية وقطاع الصحة وجنود الخفاء.
وعلى اعتبار أن الجانب الفكري والثقافي والفني أضحى ضرورة مهمة لدى الجمعية، من منطلق إيمانها بأهمية النبش في تاريخ المنطقة، وتقديم جديدها على مستوى اليقظة الثقافية والتراثية لحماية وتحصين وتثمين كنوز المجال والإنسان، فقد تم برمجة ندوة فكرية بالخيمة الثقافية موسومة بـ "الموروث الثقافي والتاريخي...جذور عميقة وهوية متجددة"، إلى جانب مائدة مستديرة في موضوع: "التبوريدة التقليدية الواقع والآفاق"، فضلا عن أمسية زجلية وفنية احتفاء بتراث التبوريدة، معززة بلوحات غنائية بمشاركة مجموعة مخاليف فن العيطة الحوزية.
الجدير بالذكر أن مهرجان الطلبة والرمى والخيالة سيستقطب في نسخته 17 نخبة من المثقفين والمفكرين والباحثين، والمهتمين بالتراث المغربي، للمشاركة والمساهمة الفكرية ومتابعة كل فقرات البرنامج الثقافي والإبداعي والفني، نظرا للقيمة التاريخية التي تزخر بها منطقة صخور الرحامنة، فضلا عن إيمان ثلة من بنات وأبناء الرحامنة بأهمية الجانب الفكري والثقافي بالموازاة مع احتفالية فنون التبوريدة وفن القول والغناء والموسيقى التقليدية من أجل ترجمة شعار الدورة المتمثل في "معا نصون تراثنا ونحافظ على إرثنا".