فيما يلي الحلقة الثالثة، التي يخص فيها الأستاذ الجيلالي العدناني، جريدة "أنفاس بريس" بنشر هذه السلسلة من المقالات:
سعيد بالعودة عبر الحلقة الثالثة نحو قراء جريدة "أنفاس بريس" ودائما عبر مفهوم اللاحدود، الذي يتأكد مع اختباره كيف له أن يصبح عمليا وفي خدمة جميع الأطراف التي تشير إليها تقارير الأمم المتحدة ومجلس الأمن. بل إن المؤسسات والمنظمات الدولية يمكنها اعتماده دون أن يطرح إشكالا قانونيا أو وجوديا لأي كان. ذلك أن الأمم المتحدة اهتدت إلى هذا المفهوم بشكل غير مباشر حين تأكدت لديها قناعات بأن الهوية الصحراوية ومسألة تنظيم الاستفتاء لا يمكن أن تمر داخل حدود رسمها المستعمر، وطبق لائحة إحصاء كان السبب فيها وهو ضرب المطالب المغربية.
مفهوم اللاحدود يمكن استعماله من طرف الوحدويين والانفصاليين لفهم الديناميات المجالية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. هذا المفهوم الدي عبر عنه المستعمر تحت أسماء ومسميات لخدمة مشاريعه التوسعية. فالمغرب ليس توسعيا باعتباره يطالب بمجالات جغرافية أو بجزء منها كانت تحت سيادته منذ قرون. أما الجزائر فلا يمكن تأمين حدوده سوى عبر مشاريع التعاون مع دول الجوار، ومع ذلك فهي تركب مفهوم الحدود الموروثة أو ممكن الحصول عليها عبر مشروع الانفصال (مقترح التقسيم الذي تقدمت به الجزائر).
أما بالنسبة للطرح الانفصالي فعلى الأقل سيمكن الإنسان الصحراوي بأن المكان الذي كان موطنه الأصلي إلى جانب مناطق أخرى قد أصبح منطقة لجوء واحتجاز. أما بالنسبة لمالي وموريتانيا فمفهوم اللاحدود لا يطرح أي إشكال سياسي أو ترابي على اعتبار أن الحركية الاقتصادية هي أحد مظاهر مفهوم اللاحدود. وكون وجود قبيلة أولاد أبي السبع نواحي مراكش أو بالأقاليم الجنوبية وموريتانيا أو قبائل إدا وتنان وإدا وبلال في المغرب وإداوعيش وإداوشلي أو إداوعلي في موريتانيا فهي دلائل على وجود علاقات متجذرة ثقافيا وإثنيا.
أين نحن من فكر الانفصال حين نناقشه بحسب مبدأ اللاحدود ودون أن ندخل في نقاش متشنج ومتخلف كما يقوم بذلك مناصرو الحدود وقراء الخريطة الجدد؟ أين نحن من حدود مغربية جزائرية لم يفرض فيها جواز السفر على المغاربة وتجار أكادير وكلميم إلا في سنة 1955 كما ثم القيام بإنهاء مركز جمركي ببشار سنة 1956 لأنه رفع العلم المغربي بعد استقلال المغرب. (انظر الوثيقة المرفقة)
سبق أن أشرنا إلى مسألة اعتراف الرئيس الفرنسي "إمانويل ماكرون" بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وعلاقته بالعمق التاريخي للوجود المخزني بالصحاري المغربية. وقد ضمنا في الحلقة الثانية وثيقة تاريخية هامة بقيت حبيسة الأرشيف الفرنسي السري، والتي عثرنا عليها ضمن ملف يناقش أهمية بالغة وهي ربط المغرب بالصحراء الغربية وإفريقيا الغربية عبر مالي.
الوثيقة ضمن وثائق أخرى تعود إلى 31 دجنبر من سنة 1923 (رسالة رقم 1750 ضمن أرشيف الخارجية وأرشيف السفارة الفرنسية بالرباط التي حصلت عليها سنة 1958) كانت موجهة إلى رئيس الحكومة الفرنسية، والحاكم العام للجزائر ووزير الحرب وقائد الفيلق التاسع عشر وأعضاء مجلس الحرب وكذا وزير الخارجية الفرنسية وتعود ل8 فبراير من سنة 1924. هذه الوثيقة ووثائق أخرى تدعو قائد الفيلق 19 الجنرال جورج (الذي سيصبح الرجل الثاني بعد الجنرال دي غول عند نهاية الحرب العالمية الثانية) إلى عدم الضم النهائي لتندوف والساورة ومن تم ضرورة التزام فرنسا بصيانة الوحدة الترابية للمغرب التي تنطلق من فكيك في اتجاه مالي التي كان بها قائدا مغربيا يدير ملاحة أو منجم ملح تاودني منذ زمن السعديين وإلى سنة 1928 وهو تاريخ اغتياله وبالتالي نهاية ما سماه الضباط الفرنسيون "ملف ثورة القائد المغربي بتاودني" (ملف بحوزتنا ضمن أرشيف إفريقيا الغربية). المسألة الهامة وهو أن اعتراف الجنرال ليوطي وكذا إسبانيا بضرورة إخضاع الصحراء الغربية لسلطة السلطان مولاي يوسف عن طريق ممثله بتطوان الخليفة السلطاني وهو ما حصل إلى حدود سنة 1949 كما تؤكد ذلك الجريدة الرسمية الإسبانية رقم 5 الصادرة بتاريخ 31 يناير 1947. يتبين من خلال هذا الأمر أن حقيقة مغربية الصحراء فيما بين 1830 و1949 هي نفسها التي اعترف بها الرئيس ماكرون. الحقيقة واحدة مع اختلاف السياقات وفي هذا الأمر كفاية لمن يريد التثبت والتحقق من البعد التاريخي الذي يجب استحضاره عند قراءة الخريطة والجريدة الرسمية والأرشيف ويتبين لمن يستمعون إلى دعاة التفرقة في مواقع التواصل الاجتماعي على أنهم على بينة من الجوانب الجغرافية والسياسية والقانونية والتكتيكية للقضية.
سوف لن نفصل في مسألة خضوع تندوف للسيادة الجزائرية ولكن سنركز على كيفية نقل المدينة والمنطقة من مشروع كولونيالي سعى إلى فصل شمال المغرب عن جنوبه إلى مشروع انفصالي يسعى إلى نفس الهدف برعاية جزائرية.
مفهوم اللاحدود سيكون مجديا لفهم الانتقال من السياسة الفرنسية والاسبانية لجذب القبائل خاصة بعد سقوط المطر لتتحول قبائل تابعة للنفوذ الاسباني إلى قبائل تابعة للنفوذ الفرنسي وغالبا ما تعود الأمور إلى طبيعتها الأولى بعد استهلاك ما جادت به المراعي. فقبائل اركيبات الشرق بتندوف وإيكيدي ودرعة أصبحت في جزء منها وخاصة الفقرا جزائرية بحكم انتمائها لتندوف وبعضها الآخر موريتانية بحكم انتمائهم لمستعمرة موريتانيا. والمعلوم على أن تسمية اركيبات الشرق تقابلها في منطقة الساحل أي الصحراء المغربية اركيبات الساحل وهي دينامية اجتماعية تهم المغرب ولم تهم الجزائر طوال قرون على اعتبار أن الدينامية الاجتماعية الشمالية فهي تهم آيت عطا وخاصة آيت خباش وتجكانت وآيت أوسا شرقا. فكل علاقة ما بين تافلالت وتوات وتمبكتو كان يتحكم فيها المخزن عن طريق البرابر وقواد الشراردة وباشوات وقواد توات وتندوف. أما الجانب الغربي فكانت أسر المخزن سواء بكلميم أو أقا عبر قبائل لعروسيين وأزركيين وتكنة وأولاد دليم واركيبات الساحل فكانت كلها تحت قبضة قواد وقضاة وشيوخ المخزن وتتأرجح ما بين كلميم والساقية الحمراء ووادي الذهب في اتجاه شنقيط وإمارة أدرار التي قاومت إلى جانب المغرب إلى حدود 1909 على الأقل. هذه الخطاطة التي تعتمد القصور والواحات ونقط الماء ومناجم الملح وأمن الطرق كانت أساسا مهما في المنظومة المخزنية المعززة بالأمن الروحي للطرق الصوفية وخاصة الناصرية التي صهرت على استغلال ملاحة تاودني والفاضلية القادرية والتجانية التي كانت حاضرة إلى جانب الناصرية في تندوف عبر أسرة العالم بلعمشي الذي نقل خزانته إلى أقا بعد احتلال تندوف. وسوف لن تعي السلطات الاستعمارية بهده المنظومة سوى بعد انتهاء الحاكم بونامي Bonamy من تقريره سنة 1924 والذي كان بالمناسبة أحد أكبر المدافعين عن الوحدة الترابية للمغرب إلى جانب الجنرال ليوطي. مفهوم اللاحدود هو مفهوم سيمكن الصحافيين مغاربة وأجانب، تبين الفرق بين محدودية الفهم حين نحاكي تكلس الخطاب الحدودي الذي ينطلق من الخط في اتجاه التصفية الاستعمارية وكون أن المغرب هو بلد محتل بعد 1975 ولكن من دون الرجوع إلى سيادته التاريخية وشرعيته القانونية التي ستعتمدها سرا وبطرق مباشرة أو ملتوية السلطات الاستعمارية الفرنسية والاسبانية. والمفروض، كما قلنا سابقا، وهو أن يتوجه صحافيوا جريدتي Le Monde أوELMundo إلى التساؤل عن الأرشيف السري الذي يؤكد سيادة المغرب على ترابه، وبالتالي فكل سؤال وجب توجيهه إلى سلطات بلدانهم.
فما معنى أن تعترف السلطات الاستعمارية السابقة بحقوق المغرب على أقاليمه الجنوبية إن لم تكن على علم بمضامين الحقائق الترابية والسياسية التي قدمناها في كتابنا حول الموضوع كما قدمتها كتب أخرى لعبد الله العروي أو محمد معزوزي وآخرون.
ما موقع تندوف من مسألة الصحراء المغربية وما هو موقعها من مسألة فبركة مخيمات المحتجزين؟ هنا أيضا نستحضر مفهوم اللاحدود والذي بدونه لا يمكن الربط بين الصحراء الغربية والشرقية والتي كانت تسمى كلها باسم الصحراء الغربية كما تبين ذلك خرائط الأرشيف وللتأكد من ذلك الرجوع إلى خرائط موقع Gallica والبحث باسم Sahara occidental 1884 ou 1920 (Augiéras).
مفهوم اللاحدود هو الذي مكن الساهرين على تنظيم الاستفتاء من اكتشاف خدعة "الشعب الصحراوي" والسيادة وتقرير المصير. ومفهوم اللاحدود في شقه الكولونيالي هو تعويم مجال التخوم في سياق قانوني غامض إلى حين ضمه إلى المستعمرة التي تعتبر المعيار في الهوية الترابية والسيادة المفبركة.
فكيف ستتبنى الجزائر الوطنية إمبراطورية استعمارية عبر خلق مفهوم ومبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار وفي نفس الوقت مفهوم اللاحدود عبر تبني حركة انفصالية فرض عليه عدم الانسياق وراء أي مقترح وحدوي أو بيني. بل حتى إن فكرة استقلال الصحراء الغربية تبقى غير مضمونة ووهمية لأن البناء الترابي للجزائر كله من أصل استعماري. فمسألة عدم المساس بالحدود تعتمد الخط بينما في المقابل تبقى الحقوق الترابية للمغرب مرتبطة بأقاليم ومجالات ترابية اقتطعت من إمبراطوريته وضمت إلى الجزائر. مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار هو من جهة الخط الذي يخفي المجال (حتى لا نقول الشجرة التي تخفي الغابة) كما أنها الأكذوبة التي حاولت محو كل التصريحات التي أدلى بها فرحات عباس أو ما جاء في اتفاق 1961 مع الحكومة الجزائرية المؤقتة أو مع تصريحات الرئيس الأول أحمد بن بلة. مفهوم اللاحدود هو جهاز مفاهيمي استعمله المستعمر كما الجزائر و بالتالي كان على الأمم المتحدة أن تتبناه كآلية لفهم الظواهر الاجتماعية أولا ثم الاقتصادية و السياسية.
تندوف لا يمكن فهمها سوى عبر هذا المفهوم وإلا كيف انتقل قصر تندوف و حي الرمادين الموصوف بأجمل قصر مغربي من طرف العقيد ترانكيTrinquet أو الجنرال كينارQuenard الذي دعا سنوات 1945 وخصوصا ما بين1950 و1953إلى الإسراع بخلق مركز تجاري سماه الشوفان لمسح تسمية الموغار Moggar التي تطلق على مواسم طنطان وأقا وأسرير وكلميم وبالتالي فإن كينار كان يسعى كما يعترف بعظمة لسانه إلى محو الهوية المغربية. نفس الجنرال سيتفاجأ باستمرار إقامة الصلاة باسم السلطان محمد بن يوسف بمساجد تندوف والمناطق المجاورة لها. بل وسيسعى جاهدا إلى إحياء التقليد المغربي ولكن تحت السيادة الفرنسية عبر منح البرنس والظهير والطابع لفائدة قواد المنطقة (أنظر اللائحة والتي عاد معظمهم إلى أرض الوطن بعد استقلال المغرب وخاصة القائد السنهوري أو العقيد حبوها الذين كانوا على اتصال بالقائد تم العامل بوعيدة أو بالضابط بوكرين...)
وثيقة من الجنرال Quenard يطلب فيها بإعداد ظهائروطوابع وبرنس لكل قائد حتى يعلن فصلهم عن المغرب وبداية تبعيتهم لسلطة فرنسا .
كيف تشكلت إذن مخيمات المحتجزين أو اللاجئين بالرغم منهم ؟ وكيف يمكن تفسير توافق الأرقام التي أعطاها المغرب بخصوص المحتجزين وتلك التي قدمتها فرنسا وهولندا مثلا؟ تقول الوثيقة الفرنسية المؤرخة بتاريخ 16 نونبر 1976 : "بالرغم من صعوبة إحصاء ساكنة بدوية وكذلك إشكالية استعمالها في لوائح الانتخابات فيمكن استنتاج فكرتين أساسيتين :
1-كون عدد اللاجئين يقل كثيرا عما تقدمه السلطات الجزائرية وكون أن الأرقام التي أعطاها السيدان Diouf et Séguro هي ما بين 20 و 25 ألف أو تلك التي قدمها الهولنديون أي ما بين 28 و 34 ألف هي الأقرب إلى الحقيقة والواقع.
2-الإستنتاج الثاني وهو أن أغلب هؤلاء البدو يتشكلون من جزائريين وماليين وموريتانيين فرضت عليهم السلطات الجزائرية قصرا حياة الاستقرار." انتهى كلام السفير الفرنسي بالجزائر Guy de Commines.
وتؤكد نفس الوثيقة على أن السلطات الجزائرية تتحدث تارة عن عدد يتراوح ما بين 50 أو 70 ألف لاجئ. أما التصريح الحكومي الجزائري فيؤكد على 50 ألف في الوقت الذي تتحدث فيه منظمة الهلال الأحمر الجزائري على 40 ألف لاجئ. أما المغرب فيؤكد من جهته على أن العدد لا يتجاوز 5 آلاف لاجئ قدموا من الصحراء الغربية". وقد انخرط المغرب في شخص الوزير أحمد العراقي، وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية، بدعوة من رئيس الهيئة العليا للاجئين أغا خان بالمساهمة في تقديم المساعدات للمحتجزين في تندوف وقد راسل الوزير المغربي وزارة الخارجية الفرنسية في هذا الاتجاه بتاريخ 10 نونبر 1976 ليؤكد على أن المغرب يطالب بعودة اللاجئين إلى بلدهم وأنه لن يقدم مساعدات بناءا على تقرير الهلال الأحمر الجزائري الذي يضخم في أعداد اللاجئين من أجل تقوية فكرة تقرير المصير وهو الأمر الذي نبه إليه السفير الفرنسيGuy de Commines كما سبقت الإشارة لذلك. وقد وضح السفير الفرنسي بالجزائر بتاريخ 8 يناير 1976 أن رقم 40 ألف لاجئ الذي تتحدث عنه الجزائر مبالغ فيه وكونها تريد تضخيم العدد لإظهار المغرب بأنه بلد غازي وكون الهروب من القمع والعنف هو الذي دفع الصحراويين إلى اللجوء وبالتالي بدأت الجزائر تدافع عن تقرير المصير بالنسبة لهؤلاء "المضطهدين" وبالتالي سيعطيها الأمر كل "الشرعية " في القيام بعملها.
ألا يدل تقرير السفير الفرنسي بالجزائر Guy De Commines de Marsilly على أن اللجوء وتقرير المصير هو أمر اصطنعته السلطات الجزائرية؟ إن هدا الأمر هو ما أكده السفير الفرنسي واسمحوا لي أن أقدم الاستنتاج بلغة التقرير:
" «L’Algérie est décidée à tout mettre en œuvre et à user de tous les moyens de pression pour contrecarrer les plans marocains».
ويتساءل نفس السفير عن الوضعية القانونية التي عانت منها الجزائر وهي تطالب بتقرير مصير اللاجئين وفي نفس الوقت المساعدة على خلق والاعتراف بالجمهورية الوهمية في 28 فبراير 1976 على اعتبار أن هذا الاعتراف يتجاوز مسألة تقرير المصير. وقد رفع السفير الفرنسي تقريرا عن وجهة نظر السفير السعودي الملحوك بالجزائر الذي أكد على معارضة الدول العربية لنوايا الجزائر وعلى الهويات المزيفة لمعظم اللاجئين الذين ينتمون أحيانا إلى مالي وتشاد والنيجر (تقرير موجه إلى وزير الخارجية الفرنسي Jean Sauvagnargues بتاريخ31 مارس 1976. وفي تقرير آخر مؤرخ ب 14 يونيو1978 موجه من نفس السفير وإلى نفس الوزير فقد تحدث عن معطيات و إحصائيات جزائرية جديدة تقول بتواجد 70 ألف لاجئ بينما يقول الهلال الأحمر الجزائري بوجود أقل من 44 ألف. فما السبب في هذا التناقض ؟ هنا سيعطي السفير الفرنسي إحصائيات الزملاء الهولنديين بحسب تعبيره: "لقد توصل الزملاء الهولنديون إلى أرقام أقل مما هو معروف عبر الاعتماد على توزيع المساعدات الغذائية خاصة عبر توزيع مادة الأرز".
ما هي أهم شهادة يمكن البدء بها حين نعود إلى سنة 1975 و1976؟ فضلت أن تكون لأحد مناصري جبهة البوليساريو وهو من جنسية فرنسية نقل لنا ظروف التهجير والاحتجاز.
لقد أكد هذا الشاهد (الذي فضلنا عدم ذكر اسمه) وكدا العديد من الشخصيات على أن اللاجئين قد تم اقتيادهم في ظروف قاسية وعنيفة على الرغم من إرادتهم نحو مخيمات كانت معدة سلفا لهذا الغرض من طرف الرئيس هواري بومدين الذي لقي معارضة شديدة من طرف ضباط الوطني الشعبي وكذا بعد إصدار بيان يعارض فكرة خلق ومساندة جبهة البوليزاريو كان من ورائه فرحات عباس و بنخدة ولحول وخير الدين و هو البيان الذي ناصره أيضا محمد بوضياف كما جاء في تقرير السفير الفرنسي.
وفي الأخير ألا يمكن أن القول بأن مفهوم اللاحدود، يمكننا أيضا من رسم أفق الخيال لدى السلطات الجزائرية التي انتقلت من الاستثمار في العدد والأرقام ولكن هده المرة عن طريق تضخيم عدد المحتجزين وهو الأمر الذي وظفت من أجله أموال طائلة تدعم هذا النوع من الدعاية. وقد بدأت بوادر التفكك في خطاب الضحية والمظلومية يتفكك كما تؤكد ذلك الشهادات القادمة من داخل المخيمات التي تؤكد على وجود جنسيات مختلفة ضمن النازحين أو المهجرين.
وتجب الإشارة إلى أن وثائق سرية إسبانية وفرنسية تؤكد على أن اغتيال الوالي مصطفى السيد قد حصل بسبب السياسة الجزائرية في تهجير الساكنة البدوية بالعنف بينما هو كان يفضل أن تبقى منتشرة عبر الصحراء حتى يتمكن من تطبيق خططه العدوانية عبر الاختلاط بالرحل واعتماد حرب العصابات. كما أن خلق المخيمات وتضخيم أعداد المحتجزين هو أمر انتبهت له الولايات المتحدة الأمريكية في شخص رئيسها فورد Ford الذي أكد على أن البوليساريو ستقود المنطقة نحو عنف لن يتوقف إلا بالقضاء عليها وهو الأمر الذي انتقدته بشدة جريدة المجاهد الجزائرية.
وللمزيد من الوثائق والخرائط التي تجسد مفهوم اللاحدود إليكم هذه الخريطة التي تجسد هدا المفهوم (وتبين كيف أن تندوف وما وراءها كانت مناطق مغربية) كيف استعمله المستعمر لاقتطاع أراضي مغربية تم ضمها إلى الجزائر. كما أن نفس الخطوط التي لا تظهر في الخرائط الرسمية تتجه نحو المحيط الأطلنطي وبالتالي فهي التي كانت السبب في وضع خط طرفاية الذي يتشبث به الانفصالي كما الذي يريد الحديث في التاريخ والجغرافيا من دون ضبط المفهوم والسياق والمعنى. وهو ما نبه إليه القلقشندي منذ قرون في كتابه "صبح الأعشى في صناعة الإنشا". مفهوم اللاحدود هو محاولة متواضعة لفهم حقيقة الخط الحدودي والمجال والوقوف عند أسرار الرقم وأسباب التضخيم وأخيرا كشف سراديب المرور من أدبيات الاستعمار وفخاخه في اتجاه مسرحيات الحركات التحررية التي تنهل من قاموسه وخططه وأحيانا من شخوصه. فكيف نصفي الاستعمار حين نستعمل في الخفاء والعلن أهم مقولاته وأدواته. ألا تشبه المقولات الجزائرية والانفصالية المقولة الاستعمارية التي تدعي عدم وجود سيادة مغربية وتعتمد سرا أو علنا بعد الاحتلال النظام السلطاني والمخزني لإدارتها. إنها خدعة الساحر والحمامة التي لم تعد تنطلي على أحد.
خريطة تلخص بشكل لا مجال للشك كيف اقتطعت ـراضي مغربية وضمت إلى الجزائر فيما بين 1845 و1957 ...
في انتظار الحلقة الرابعة (حقوق النشر محفوظة ل"أنفاس بريس" والكاتب الجيلالي العدناني)