عبد العالي بلقايد: في عيطة الشجعان وطبيعة متن الموسيقى التقليدية

عبد العالي بلقايد: في عيطة الشجعان وطبيعة متن الموسيقى التقليدية عبد العالي بلقايد

طبيعة هذه النصوص تبرز من خلال كونها مفتوحة، فهي لا تكتب بل يتم إلقاؤها إما في "إسايس" كما هو الشأن بالنسبة للقصيدة الأمازيغية، أو في "المناحة" كما هو محكي عن مباركة البهيشية التي كانت ترثي الرجال / المقاومون، أو في "الترواح" كما عند قبائل الحوز التي تعاطت لـ "حمادة" كشكل من أشكال القول في مدح الرسول.

 

فالقول هنا يكون متفرقا محتفيا متوزعا على أماكن متعددة بخريطة الوطن، لكن تحضر الوحدة على مستوى التيمة المركزية التي تتوطن متن جل القصائد التي تحتفي بالوطن احتفاء يكاد يكون مقدسا.

 

إن متن هذه القصائد التي احتفت بالمقاومة يكاد في جميع الصيغ سواء الملالية أو الزعرية أو الرحمانية أن يكون احتفاء بهذه الشخصيات التي انطلقت من منطلق وطني سواء على المستوى الشعبي أو على المستوى الرسمي.

 

فهذه القصائد احتفت بجميع القياد الذين عبروا عن مواقف وطنية سواء خلال دخول الإستعمار أرض هذه القبائل أو أثناء نفي المغفور له محمد الخامس:

 

"رَاهْ لِيلَةْ عَاشُورَاء

رَاهْ زْنَاقِي كُلْهَا مَكْسُورَةْ

رَاهْ الْفَرْدِي وَالشَّرْشُورَةْ"

 

فهي لم تكن مرتبطة بالظاهرة القائدية كما عبر البعض، بل هي ملاحم شعبية تفاعلت مع أحداث قومية كبيرة على قدر فائق من الأهمية.

فهي تغني التاريخ الوطني عبر هذه الملاحم وتكتبه في الوجدان الشعبي وفي الثقافة الشعبية المغربية التي تحتفي بالصوت عبر رثاء وتمجيد المقاوم الشعبي.

 

فهي لا تكتب هذا التاريخ، لأن الكتابة حضور لسلطة من يمتلك تقنية الكتابة، فهي لها كتابة مغايرة تتم عبر الوشم وزينة (الْحَرْﮜُوسْ) الذي ينطبع على وجوه النساء والعذارى.

 

حضارة المغاربة تجلت من خلال محرك التّْبَوْرِيدَةْ، وزينة سَلَاهِيمْ الفرسان الذين يؤدون طقوسهم في أبهى زينتهم مكسرين الحدود بين الكثير من الإحتمالات التي تحضر في وعي الفارس ولكن لا تكون حائلا بينه وبين الفرجة .

 

فحين تحتفي القصيدة الزَّعْرِيَّةْ بالقايد التهامي بن عبد الله، أو الْمَلَّالِيَّةْ بالقايد المعطي والقصيدة الرحمانية المعنونة بـ "خَالِي يَا خْوِيلِي" تحتفي بالقايد العيادي، فلا شك أنها تحتفي بهؤلاء القياد بنفس الدرجة أو أكثر التي تحتفي به برجال المقاومة الشعبية، كأولاد حليمة، وبزيكر، وشريفي بلفقيه، ودويدة الشيباني الواد زمي، وأمحمد.

فهي تصف عملهم بالمقدس:

 

"الِّلي بْغَى الجَّنَّةْ يَدَّنَى

وَالِّلي بْغَى أَوْلَادُو يَتْسَؤخَرْ"

 

فهي تصف عمل المقاومة بعمل يؤدي إلى الجنة.

 

إن الطابع الملحمي ينبري من خلال ما هو ديني، كما يظهر من خلال العمل البشري:

 

"دْوِيدَةْ الشِّيبَانِي

مَاتْ وَطَنِي"

 

خلاصة: إذا كانت نصوص المتن العيطي مفتوحة، فهي كذلك بالقدر الذي يتم فيها احترام السياق العام لنفس هذه القصائد التي هي بمثابة ملاحم قومية شأنها شأن ملاحم الصينيين واليونانيين الذين كتبوا ملاحمهم تمجيدا لقادتهم القوميين وأنزلوهم منازل أسطورية.

بالفعل فهؤلاء يمثلون أبطالا قوميين كتبوا المجد المغربي من خلال التاريخ، والجسد واللغة.

لماذا لا يبدأ تاريخ الشعر من هنا؟ لماذا لا يتم التأريخ للحركة الوطنية انطلاقا من هذه الحركات الشعبية؟

هي أسئلة شأن الكثير من الأسئلة التي تحتكرها نخبة تمتلك سلطة المؤسسات التي تحترف الكتابة؟