وفاة الممثل آلان ديلون.. قراءة تحليلية لنفسية الرمز أو الأيقونة

وفاة الممثل آلان ديلون.. قراءة تحليلية لنفسية الرمز أو الأيقونة الممثل آلان دولون يتوسط: الدكتور أنور الشرقاوي والدكتور هاشم التيال (يمينا)
هذه الظاهرة النفسية المرتبطة بصور أيقونات السينما مثل "آلان ديلون"، الذي لم يكن مجرد ممثل على الشاشة، بل كان تجسيداً للأفكار والأحلام والنماذج الرمزية التي تنبع من أعماق النفس البشرية. 
 
عندما كان "ديلون" يحتضن "رومي شنايدر" في مشاهد الحب، لم تكن تلك مجرد مشاهد عابرة، بل كانت تجسيدًا لرغبات وتطلعات المشاهدين الكامنة في لاوعيهم. 
 
في تلك اللحظات، تحول إلى الرجل المثالي الذي يحلم كل رجل بأن يكونه، وتحلم كل امرأة بأن تحصل عليه.
من الناحية النفسية، يمكن اعتبار أيقونة السينما صورة "مثالية للذات"، وهي الصورة التي يسعى الفرد لا شعورياً إلى دمجها في ذاته.
يمثل هذا المثال، الجمال، القوة، الجاذبية، أو حتى النجاح الاجتماعي. ومع ملامحه الجميلة وكاريزماته القوية، أصبح آلان "ديلون" بالنسبة للكثيرين رمزاً لهذا المثال البعيد، الذي يكاد يكون غير قابل للتحقيق.
 
الأدوار التي لعبها، بدءاً من "الساموراي" وصولاً إلى "الفهد"، عززت هذه الصورة لرجولة مثالية، تجمع بين القوة والأناقة، والغموض والجاذبية.
 
بالنسبة للرجال، قد يمثل "ديلون" نموذجاً يُحتذى به، حيث يسقطون عليه رغباتهم في القوة والجاذبية والسيطرة على الذات. 
 
رؤية "ديلون" على الشاشة كانت بمثابة مواجهة لصورة الرجل الخارق، الذي يبدو قادراً على تحقيق كل شيء والسيطرة على كل شيء.
 
هذا قد يؤدي إلى شعور مزدوج: من جهة، رغبة في تقليده، ومن جهة أخرى، إحباط بسبب الفجوة التي لا يمكن تجاوزها بين المثالي والواقع.
 أما بالنسبة للنساء، فقد جسد "ديلون" صورة العاشق المثالي، رمزاً إيروسياً يثير الرغبات اللاواعية. 
صورته على الشاشة كانت تمنحهن الفرصة لإسقاط أحلامهن بالحب المثالي في إطار آمن بعيد عن المواجهة المباشرة مع هذه الرغبات.
 
غير أن هذا التعلق بأيقونة السينما يكشف عن حاجة أعمق: وهي الرغبة في الاتصال بجوانب من الذات لا يُسمح بالتعبير عنها بالكامل في الحياة اليومية. 
 
تصبح الأيقونة هنا بمثابة وعاء لهذه الجوانب المكبوتة أو التي يصعب الوصول إليها، كنوع من الازدواجية الخيالية التي تعيش ما لا يمكن أو لا يُجرؤ الشخص على عيشه.
 
إن إدراج ممثل آخر مثل عمر الشريف، ذو الأصل العربي، في هذا السياق، يوسع المنظور حول ما يمكن أن تمثله أيقونة السينما.
 
 فقد كان عمر الشريف بحضوره المغناطيسي وأناقته الطبيعية يجسد على الشاشة قيمًا مختلفة ولكنها قوية بنفس القدر مثل تلك التي جسدها ديلون. 
 
في أفلام مثل "لورنس العرب" و"دكتور جيفاغو"، لم يكن عمر  الشريف يجسد الجمال والقوة فقط، بل أضفى بعدًا روحيًا وعمقًا عاطفيًا، مما جعله يتردد صداه بشكل خاص لدى الجمهور العربي والعالمي.
لقد كان عمر الشريف بالنسبة للكثيرين رمزًا للحكمة والغموض والأناقة، المتأصل في ثقافة غنية ومعقدة.
 
حيث جسد ديلون رجولة أوروبية باردة ومتطورة، أضفى عمر الشريف دفءًا وإنسانية جعلته أيقونة تعلق بها الناس، ولكن بطريقة مختلفة.
 
في النفس الذكورية، كان يمكن أن يمثل عمر الشريف نموذجًا أكثر توازنًا يجمع بين القوة الداخلية والنبالة والحساسية، مما يشكل صورة رجولة تجمع بين الفعل والتأمل.
 
 أما بالنسبة للنساء، فقد جسد عمر شريف بجاذبيته العربية وصوته الدافئ رمزًا لجاذبية تربط بين الجمال الجسدي والوعد بالحماية والعمق العاطفي. 
كان يمثل نموذجًا لحب عاطفي عميق ولكنه محترم، متجذر في قيم ثقافية وروحية.
وهكذا، فإن أيقونة السينما، سواء كانت تحمل ملامح "آلان ديلون" أو "عمر الشريف"، تصبح مرآة للتطلعات العميقة والرغبات المكبوتة. 
 
إنها تتيح للأفراد التواصل مع جوانب من نفسهم لا يمكنهم الوصول إليها في حياتهم اليومية، سواء كان ذلك في البحث عن الجمال، أو القوة، أو الحب، أو الروحانية. 
تتجاوز هذه الأيقونات الثقافات، مقدمة لكل شخص مساحة للحلم، وللتصور، وربما لفهم نفسه بشكل أفضل.
الدكتور أنور الشرقاوي والدكتور هاشم تيال، طبيب نفسي