محمد هرار: طفل بأمة

محمد هرار: طفل بأمة محمد هرار
شدّني ما عزم عليه الطّفل الرّجل “قصي العوداتي” حفيد حفيضة الخياط، القاطن بمدينة المضيق شمال المغرب؛ فإنّه لمّا كسّر حصّالته التي دأب على ملئها منذ 6 أعوام؛ سنتيما تلو الآخر حسب ما فرضته ظروف العائلة وصيرورة المدرسة وتكاليفها؛ لم يفكّر في الاستجابة لشهواتٍ تمليها عادة الطّفولة، وإنّما آثر بهمّته العالية أن يجعل مبلغ محصّلته في عمل خيري ذي نفع عام.

تأثّر الطفل قصي بأحداث غزة التي شاهدها العالم على المباشر دون منتاج، حيث رأى مشاهد قتل الأطفال والشّباب والشّيوخ، والرّكّع السّجود دون رحمة، وبلا ذنب اقترفوه؛ فقرّر كسر حصّالته والتّبرّع بجميع ما حوت لصالح أطفال غزّة المحاصرين والمنكوبين دون وجه حقّ!!.

كانت فرحته كبيرة جدّا لم يتخيّلها أحد إلّا من خلال وصف أمّه التي كانت من أقوى الدّاعمين له في مشروعه وتوجّهه، فقد تحدّثت عن تلك الفرحة وعن قلبه الكبير الذي لم يعظّم لنفسه هذا المبلغ الذي قضّى لجمعه ستّ سنوات كاملة من الصبر والاهتمام.. كانت حصّالته أغلى شيء لديه بعد الدّراسة؛ ورغم ذلك لم تُغرِه بل رأيناه جوادا كريما يؤثر أقرانه الغزّاويّين رغم ما به من حاجة… لقد شرّفني سلوك ابني ورجوت لأطفالنا جميعا الاقتداء به والنّسج على منواله…
 
 لقد ترك كلام الأمّ وهي تنقل حوارها مع ولدها في نفسي كباقي النّاس أثرا عميقا. 
سألته عن خلفيات كسر الحصّالة فجأة، ردّ قائلا: يا أمّي الغالية، لقد قرّرت التّبرّع بالحصّالة وما حوت لأطفال غزة المنكوبين، يا أمّاه إنّ ما شاهدته في التّلفاز وعبر وسائل التّواصل الاجتماعي، ليقطّع القلوب ألما وحسرة؛ فلا حاجة لي بما حوت حصّالتي بعد اليوم. يا أمّي دلّيني على أقرب جمعيّة أسلّم هذه الدريهمات لعلّها تصل إلى أطفال تتلوّى أمعاؤهم جوعا وعطشا…

 
قلت: قد ترك تصرّف الطفل المضيقي المغربي النّبيل أثرا عميقا في نفسي حتّى أذهاني وأنا أستعرض أمّة المليار ونصف، وما فيها من الأغنياء والأثرياء، الذين لو جعلوا بعضا من زكاة أموالهم أو تبرّع كلّ واحد منهم بما حوت حصّالة ابننا الكريم هذا لغزّة، لما احتاج الطفل قصي أو غيره كسر حصّالته ليجعلها هبة لوجه الله بكل عفوية وحسن نية. 
وستظلّ مبادرته درسا من دروس التّربية العالية ووسيلة إيقاظ ضمائر كادت ترديها الدنيا الملهية البخسة.

 
أتوجّه لهذه الأمّ الكريمة بالشّكر على حسن تربية ابنها قصي وتنشئته على المروءة؛ كما أخصّه بالشّكر الجزيل على هذه المبادرة الطّيّبة التي لا شكّ أنّها مثال يحتدى به، فهو يعمل على تشجيع الكبار على الإنفاق في سبيل الله، ويزرع في نفوس أقرانه من الأطفال والشّباب روح البذل والتّبرع والعطاء والمسؤولية والمساهمة الحقّة، ولو بما حوت حصّالتهم البسيطة.