نوفل البعمري: معهد السلم الأمريكي.. قضية الصحراء حُسِمت!

نوفل البعمري: معهد السلم الأمريكي.. قضية الصحراء حُسِمت! نوفل البعمري

أصدر معهد السلم الأمريكي تقريراً بتاريخ 14 غشت 2024 يتعلق بقضية الصحراء تحت عنوان " لقد انتهى الصراع في الصحراء الغربية، والآن يأتي دور التفاوض"؛ وتأتي أهمية التقرير من كونه صادر عن معهد للتفكير الاستراتيجي أسسه الكونغريس الأمريكي من أجل أن يعهد له بالتفكير في كيفية "الوصول لعالم خالٍ من الصراعات العنيفة والنزاعات الدولية" ومن بين النزاعات الإقليمية التي أصدر حولها تقريره باعتباره نزاعاً يهدد السلم والأمن ملف الصحراء، الذي انطلق فيه من ثلاث أفكار أساسية:

 

- إن اعتراف فرنسا بالسيادة المغربية يعد خطوة حاسمة نحو إنهاء صراع الصحراء الغربية.

-يتزايد القبول الدولي للسيادة المغربية على الإقليم.

-ينبغي "للشعب الصحراوي" (المقصود هنا بالساكنة الصحراوية") والجزائر التفاوض على شروط السلام. "

 

وهي النقط الثلاث التي شكلت محور التقرير التي تُبرز أهمية الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء و قرارها القاضي بالإقرار بالسيادة الكاملة للمغرب على ترابه، وهو قرار يبدو أنه كان له التأثير الكبير في صناعة تقرير معهد السلم الأمريكي اعتباراً لكون موقف فرنسا الجديد يتعلق بدولة استعمارية و ما عاشته أفريقيا من مشاكل خاصة المغرب في العلاقة مع الجزائر مرتبطة أساساً بالكيفية التي تم بها تصفية الاستعمار خاصة منها الحدود الموروثة عن الحقبة الكولونيالية، وهي حقبة تعاملت فيها فرنسا مع الجزائر باعتبارها مقاطعة فرنسية لهذا كانت تحاول اقتطاع أكبر قدر من المجال الجغرافي المغربي لصالح الجزائر/فرنسا، فكان لها بالتالي دور كبير في صناعة ملف الصحراء إبان البدايات الاولى لاستقلال المغرب لعرقلة أية مطالب مغربية بالصحراء الشرقية كذا حفاظاً على النفوذ الفرنسي بالمنطقة ليكون بذلك لفرنسا دور في افتعال هذا النزاع، لهذا كان للقرار الفرنسي هذا الأثر السياسي الكبير الذي امتد لمعهد أمريكي بهذا الحجم يؤثر في السياسة. الخارجية.

 

للكونغرس الأمريكي اعتباراً للدور التاريخي لفرنسا بالمنطقة، ثم أيضا لتأثيرات في الملف خاصة على مستوى الأمم المتحدة، لهذا يُنتظر أن يكون هناك تحول إيجابي كبير في الملف لصالح المبادرة المغربية، وهي النقطة المركزية التي استند عليها التقرير، فكان أن اعتبر هذه الاعترافات المتزايدة بمغربية الصحراء، والدعم المتنامي لمبادرة الحكم الذاتي والخطوات التي تم اتخاذها بالمنطقة خاصة منها افتتاح قنصليات بالداخلة و العيون الأثر المباشر على مسار الملف، سياسياً، ليدفع بالتالي المعهد لتقديم خلاصة واضحة هي أن النزاع قد تم "حسمه لصالح مبادرة الحكم الذاتي" و الرؤية المغربية التي تزايد حجم الطلب الدولي عليها سنة بعد أخرى.

 

ما يجعل من هذا التقرير مهماً، أو أهميته إن صح التعبير تنطلق من المرتكز الثالث الذي قام عليه وهو مرتكز طالب فيه ما سماه " بالشعب الصحراوي" وكان يقصد هنا الساكنة الصحراوية والجزائر بضرورة التفاوض مع المغرب، هنا لابد من الإشارة إلى نقطتين:

 

التقرير تحدث عن " الساكنة الصحراوية" ولم يشر لمنظمة مليشيات البوليساريو باعتبارها معنية بأي تفاوض، أو بأية عملية سياسية محتملة، وهنا يكون التقرير قد نزع صفة تمثيلية البوليساريو للساكنة/الشعب الصحراوية و جعلها مفتوحة على كل الخيارات التي سيختارها الصحراويين، هنا لابد من فتح قوس للقول أنه إذا كانت الساكنة الصحراوية بالمنطقة قد اختارت ممثليها ومؤسساتها المحلية المنتخبة، فإن السؤال يُطرح على مخيمات تندوف، وحول من يمثل تلك الساكنة المتواجدة هناك، و يظل أول مدخل لها هو إحصاءها و تمكينها من بطاقة لاجئ تنفيذا لقرارات مجلس الأمن حتى تكتمل الصورة وتختار ديموقراطياً، بشكل حر من يمثلها في أية عملية سياسية، ولحين تحقيق ذلك يبقى المنتخبين من أبناء منطقة الصحراء هم الممثلين الشرعيين والوحيدين للساكنة و "الشعب" الصحراوي.

 

وقد أضاف التقرير في نقطة ثانية هنا أن التفاوض معني به ليس فقط "الساكنة الصحراوية" بل الجزائر، وهو بذلك يتوجه مباشرة إلى هذا النظام من أجل الدخول في مفاوضات مباشرة مع المغرب حول مستقبل المنطقة على قاعدة "الحكم الذاتي"، إذ لم يكن اعتباطاً أن تقترن الجزائر ب"الساكنة الصحراوية " في دعوة التقرير للمفاوضات، هي دعوة مباشرة لهذا النظام قصد التخلي عن جموده و عن وضع العراقيل قصد فرملة التقدم في المسلسل السياسي، على أرضية المبادرة المغربية التي اعتبرها التقرير هي أساس الحل الوحيد الذي يمكنه أن يُنهي مع هذا النزاع و الصراع الذي قد يتخذ طابعاً "عنيفاً" و يؤدي لتهديد المنطقة، هذا التهديد الذي يتجاوز أفريقيا ويصل لأوربا بفعل التهديدات الارهابية والتلاقي الموضوعي بين التنظيمات الجهادية التكفيرية و تنظيم مليشيات البوليساريو.

 

إننا أمام تقرير صادر عن معهد يشتغل على النزاعات التي يُشكل استمرارها تقويضاً للسلام في العالم، ويضع بذلك تصوراً سياسياً للخروج من هذا النفق، وبمضمون التقرير فأمام تزايد حجم الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء والتأييد المتنامي لمبادرة الحكم الذاتي، يظل المقترح المغربي المخرج الوحيد لهذا النزاع، وإلا سيظل الوضع على ما هو عليه، وهو وضع يكرس السيادة المغربية على هذه الاقاليم ويعزز الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، لكن بالمقابل تشكل المخيمات معه قنبلة موقوتة تهدد السلم والأمن في المنطقة.