من المهم الإشارة بخصوص الاحصاء العام المنتظر القيام به في بلادنا، أن الحدث في حد ذاته مهم جدا ومحطة تتطلب تعبئة كبيرة لبناء وعي جماهيري بالرهانات المعقودة عليه سياسيا واقتصادية واجتماعيا، ومن تم، الحث على المشاركة فيه بجدية والتزام، لكن يبدو ان النقاش تحول من الحديث عن الاحصاء كإجراء علمي لتوضيح الرؤية لدى المدبر العمومي قبل بناء أي سياسة عمومية، إلى نقاش حول من يفترض أن يؤول إليه أمر القيام بهذا الإحصاء، وهنا اجدني مضطرا إلى الإدلاء ببعض الملاحظات:
- شخصيا لم انتبه لقضية من سيتولى القيام بعملية الإحصاء، والسبب أنني أنتمي الى جيل (أو أجيال) اعتادت على كون رجال التعليم هم الفئة التي تتحمل عبء التنفيذ الإجرائي لعملية الإحصاء، فتكرار هذا الأمر في الإحصاءات التي عرفها المغرب، حول هذه العملية إلى ما يشبه عادة او عرفا لا يثير إشكالا بهذا الحجم.
- إذا ظهرت مقاربة أخرى لأجرأة الإحصاء بمنطق آخر وبمقاربة أكثر عقلانية من هذا العرف او العادة، فما المانع دون تطبيقها؟! وهل هناك قانون يحول دون ذلك؟! لا أعتقد...لكن هل كانت مندوبية الإحصاء مستعدة للاعتماد على فئات أخرى دون رجال التعليم، او حتى فكرت في هذا البديل؟! هذا سؤال آخر ليس لنا جواب عليه.
- في اعتقادي، ان رجال التعليم لم يسبق لهم التقدم بطلب رسمي للمشاركة في عملية الإحصاء، ولا اقترحوا أنفسهم لهذا الأمر، بل توجه لهم الدعوة للمشاركة بشكل اختياري ولا إجبارية فيه، حسب ظروف وطاقة كل شخص. وعليه، فلو قامت مندوبية الإحصاء فرضا بتبني مقاربة أخرى وسعت إلى تنفيذها دون الاعتماد على رجال التعليم، لما اعترض عليها واحد من هؤلاء، على اعتبار أنها هي صاحبة العرض والمتحكمة فيه والمسؤولة عنه.
- رجال التعليم يعملون في إطار نظامي داخل وزارة يتبعون لها ويخضعون لضوابطها و قراراتها في احترام للسلطة الرئاسية وللسلم الإداري، فإذا كان الأمر يجري بموافقة الوزارة ، فلماذا نسائل رجل التعليم ؟! بصدق لم أفهم كثيرا موقف الوزارة الوصية، خصوصا أنها خلال هذا الموسم مع رهان كبير وهو تعميم مشروع مدارس الريادة، واتساءل لماذا مثلا تم منع الأساتذة العاملين في المدارس التي تحمل شارة الريادة من المشاركة في الإحصاء، دون غيرها، أليس هذا ميز وحيف!؟
- إذا كان صحيحا ومعقولا أن عملية الإحصاء تخضع لترتيبات تأطيرية وتكوينية مسبقا، فقد كان من المفترض في الساهرين على الإحصاء، اختيار الفئات المشاركة فيه و إخضاعها للتدريب منذ شهور وليس شرطا ان يضمونها فئات من رجال التعليم.
- قد يكون من مبررات مندوبية الإحصاء في الاعتماد على رجال التعليم (وفئات أخرى) ما راكموه من تجربة في هذا الميدان، ومعرفتهم بالأوساط المجالية، ربما هذا تبرير.
- اختلف مع سي غالي بخصوص مصطلح " العطاشة" للمبررات التي سقتها، وأهمها أن المشاركة مسألة اختيارية وليس شرطا واجبا وبالتالي أرى أن التعميم ليس في محله، وأن التوصيف قوي جدا، لكن سي غالي يعي ما يقول وله مبرراته أيضا، ومنها أن بعض رجال التعليم كانوا يستدعون طيلة السنة لمتابعة برامج خاصة بالتكوين المستمر من طرف وزارتهم قصد تطوير آدائهم والرفع من قدراتهم، ولكنهم كانوا يرفضون بدعوى عدم وجود تعويض عن هذه المشاركة، لكن الآن عندما يستدعون لإجراء دريب خاص بالإحصاء "مؤدى عنه"، يلبون الدعوة في عز الصيف بل ويقطعون عطلهم السنوية لأحل تلبية النداء. أليست هذه مفارقة!
- تعويض رجال التعليم بالخريجين من حاملي الشهادات الذين مازالوا بدون عمل، حل أمثل بالطبع، لاسيما أنه كان بالإمكان إخضاعهم لتدريب معمق وطيلة السنة، ولكن عدم اللجوء إليهم قضية تسأل عنها الجهات الوصية عن الإحصاء وليس رجل التعليم.
- "دابا اللي اعطاء الله عطاه".. لذا فمن الواجب توقيف هذا البوليميك، "البكا مورا الميت خسارة" ... وما يلزم فعله الآن، هو التركيز على الإحصاء وفتح نقاش عمومي حول اهدافه والغاية منه لتعبئة المواطنين من أجل المشاركة فيه بإيجابية. " نعم، الرسالة وصلات"، يمكن تدارك الأمر فيما هو آت إذن...سواء تعلق الأمر بالإحصاء او بغيره من بحوث ميدانية وطنية، لكن الاستمرار في هذا الجدال سيؤثر سلبا على موقف المواطنين من الإحصاء وعلى التجاوب مع الاسئلة التي ستطرح عليهم، بل وعلى نظرتهم العامة إزاءه وهذا ما يجب تجنبه.
رشيد لبكر، أستاذ بكلية الحقوق جامعة شعيب الدكالي بالجديدة