تنافس 60 رياضيا ورياضية مغربية في أولمبياد باريس، في 19 رياضة بين جماعية وفردية، اكتفى المغرب بميداليتين فقط، حيث توج البطل العالمي والأولمبي سفيان البقالي بذهبية 3 آلاف متر موانع، في حين عادت البرونزية للمنتخب المغربي الأولمبي.
وباستثناء ذهبية البطل العالمي والأولمبي سفيان البقالي، وبرونزية المنتخب المغربي كرة القدم، فقد كانت الحصيلة العامة لمشاركة المغرب في أولمبياد باريس 2024 متواضعة، وهو ما يجمع عليه جل المغاربة الذين كانوا يمنون النفس بأكثر من ميداليتين، وفي ظل هذا الوضع تعالت الأصوات مطالبة بإعادة النظر في طريقة إعداد البطل الرياضي الأولمبي من أجل إحراز الميداليات.
ويبدو أن الأمر لا يتعلق بالمغرب فقط، بل تواصل الدول العربية غياباها بشكل كبير عن منصات التتويج في دورات الألعاب الأولمبية، وذلك منذ بدء مشاركاتها في هذا الحدث الرياضي العالمي.
عداءون صنعوا المجد الأولمبي المغربي
ورغم الإمكانات الهائلة والموارد المتاحة لدى العديد من الدول العربية، فإن الحصيلة الإجمالية للميداليات تظل قليلة ومتواضعة مقارنة بدول أخرى أصغر حجما أو أشد فقرا.
كيف يتم إعداد بطل أولمبي؟
وتدفع حصيلة المشاركة المغربية المخيبة للأمال في الألعاب الأولمبية باريس 2024، إلى طرح سؤال جوهري: كيف يتم إعداد بطل أولمبي وما هي تكلفة الذهب الأولمبي؟كيف يتم إعداد بطل أولمبي وما هي تكلفة الذهب الأولمبي.
لا يوجد "سعر" محدد للذهب الأولمبي، لكن هناك جهد وعرق وتضحية، لذا يجمع خبراء الرياضة على أن الاستثمار المالي الضروري لتهييء بطل والدفع به من أجل الظفر بميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية، يختلف حسب عدة عوامل كطبيعة النوع الرياضي ووضعية البلد ومستوى الدعم المؤسساتي. مع الأخذ بعين الاعتبار لمجموعة من العناصر.
البطلة العالمية نزهة بيدوان صاحبة برونزية أولمبياد سيدني 2000
يرى الخبير الرياضي عبد اللطيف شرافي، بأن إعداد بطل من المستوى العالي يتطلب سنوات من التداريب، أحيانا على امتداد اليوم كله، ما يساهم في حسم الاختيار نحو الرياضة، والقطع مع خيار التوظيف.
"الوصول إلى أعلى درجات التباري يتطلب رفع إيقاع التحضير وهو ما يتطلب دعما كبيرا، في بعض الدول يستفيد البطل من منح تخصصها الحكومات، ودعم من القطاع الخاص ومنح جامعية، تستثمر في تغطية نفقات التحضير عالي المستوى، من خلال ولوج مراكز التدريب والاستعانة بأخصائيين وتأمين المشاركة في التداريب والمنافسات، في إطار مقاربة تشاركية".
ما هي التكلفة المالية لذهب الأولمبياد؟
من جهته يرى عبد اللطيف عباد الإطار السباق بوزارة الشباب والرياضة، أن عملية إعداد البطل حتى يصبح بطلا أولمبيا تنطلق منذ الفئات الصغرى، وتستغرق المدة التي يمكن فيها إعداد بطل أولمبي ما بين 8 إلى 12 سنة وهي المدة المعتمدة لهذا الاستثمار البشري.
"لابد أن تراعي عملية إعداد البطل التطور الفيزيولوجي للبطل، ونشأته وكذا قدراته الجسمانية والعقلية، مع الأخذ بعين الاعتبار مشواره الدراسي عبر إتباع نظام "رياضة ودراسة"، فطرق التكوين تتم بطرق علمية يشرف عليها مكونون من ذوي الاختصاص في الفئات الصغرى".
أما فيما يتعلق بالتداريب اليومية ومعسكرات التدريب، فلابد أن تكون متواصلة دون انقطاع، أي مبرمجة على طول السنة، وهذه المرحلة يكون فيها البطل مرفوقا بطاقم مكون من معد ذهني ومعد بدني ومعالج طبيعي لأن الأمر يتعلق باستثمار لا مكان فيه للصدفة والعشوائية، حسب المصدر ذاته.
يجمع الأبطال الأولمبيون والمدربون وأهل الاختصاص الرياضي، بأنه من الصعب إنجاز ميزانية توقعية لإعداد بطل بغاية الظفر بميدالية ذهبية، لأن التكلفة المالية تختلف من بلد لآخر ومن تخصص رياضي لآخر.
لكن حسب بعض التجارب التي تمت بالمغرب، فالرياضي الذي يدخل عالم التكوين في سن صغير، يكلف ما بين 250 ألف درهم إلى 300 ألف درهم في السنة، وفي مرحلة تأهيله لخوض الألعاب الأولمبية ويصبح سنه أكبر فالتكلفة ترتفع، لأن هذه المرحلة تستدعي مشاركته في ملتقيات دولية وتربصات في مناطق أخرى مناخها ملائم للدولة التي ستقام فيها الألعاب، لهذا تكون التكلفة عالية لكنها تختلف من رياضة لأخرى فهناك فرق بين الرياضة الفردية والجماعية، لكن الأرقام تبقى نسبية.
ووفق عبد اللطيف عباد، الذي سبق أن أشرف على إدارة الألعاب الإفريقية، فإن "المغرب لا يتوفر على دراسة توضح تكلفة ميدالية أولمبية، حتى وإن كانت لدينا تجارب على غرار هشام الكروج ونزهة بيدوان، إلا أن ما يمكن الإشارة إليه هو أن ميدالية البطلين مثلا كانتا أقل تكلفة لما هو عليه الأمر عالميا، وهو ما يحيلنا على التدبير الذي تحقق بسبب توفر ألعاب القوى على طريقة تسيير منحتنا عدائين أهدوا المغرب ميداليات بأقل تكلفة".
دراسة أمريكية.. ذهبية الأولمبياد تتطلب استثمارا يتراوح ما بين 3 و5 مليون دولار
في الولايات المتحدة الأمريكية لا يؤمن القائمون على الشأن الرياضي بالموهبة وحدها، بل يعتبرون الإنجاز الرياضي استثمارا يتقاطع فيه الإداري والمالي والبشري. ويرتكزون في البحث عن ميدالية ذهبية أولمبية، أساسا على التمويل الخصوصي والشراكات مع المقاولات ودعم الجامعات الرياضية.
وفي ما يلي بعض العناصر الرئيسية لضمان بلوغ قمة المجد الأولمبي، من خلال دراسة أحيلت علينا من طرف عبد اللطيف شرافي المفتش الممتاز لمادة التربية البدنية والرياضية، نوردها بإيجاز.
آليات التمويل:
الدعم الخصوصي والاحتضان: خلافا لكثير من الدول التي تعتمد بشكل مطلق على التمويل الحكومي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد بشكل واسع على الاحتضان من طرف المقاولات، والدعم الخصوصي لتمويل برامج تأهيل الأبطال للأولمبياد. بينما تعتمد اللجنة الأولمبية والبارالمبياد كموارد من عائدات النقل التلفزيوني والاحتضان وبيع المنتجات، على أن يتم توزيع الجزء الأكبر من هذه العائدات على الأبطال والاتحادات الرياضية.
التكلفة التقريبية للميدالية الأولمبية:
حسب بعض التقديرات حول تكلفة الحصول على ميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية، فإن خبراء الرياضة في الولايات المتحدة الأمريكية، قد حددوا قيمتها المالية ما بين 3 و5 مليون دولار. وهذا المبلغ يتضمن مجموع النفقات المتعلقة بالمعسكرات التدريبية والدعم الموجه للبطل والرحلات واللوجستيك. علما أن نسبة رمزية من هذه التكلفة المالية تخصص لتطوير الأداء على المستوى البعيد للرياضي، أي الاستثمار في برامج الفئات العمرية والرياضة الجامعية من أجل اكتساب هوية للمواهب الصاعدة.
لبناء شخصية بطل أولمبي تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية على عدد كبير من مراكز التدريب الأولمبي، على غرار مركز كولورادو الذي يوفر تجهيزات من الطراز العالي جدا لتأهيل الأبطال، علما أن عددا منهم يتقاضون منحا رياضية جامعية تمكنهم من الجمع بين الرياضة والتحصيل العلمي.
مقارنة مع أنظمة أخرى في الصين أو روسيا فإن أسلوب إعداد الأبطال بالولايات المتحدة الأمريكية، يعتمد على شبكة دعم وتمويل واسعة ومختلفة. مع الإشارة إلى أنه تاريخيا كان أبطال أمريكا دوما على رأس لائحة المتوجين.