كريم مولاي: مالي وليبيا وروسيا وأخطاء النظام الجزائري.. ماذا بعد؟

كريم مولاي: مالي وليبيا وروسيا وأخطاء النظام الجزائري.. ماذا بعد؟ كريم مولاي
لم ينتظر الروس طويلا حتى يقولوا للنظام الجزائري بأن موسكو تدرك أنه ما كان للجيش المالي وجماعة فاغنر أن يخسروا المعركة أمام الأزواديين لولا الدعم الرسمي الجزائري، فأوعزوا لقائد الجيش الليبي في بنغازي الجنرال خليفة حفتر بتوجيه قواته إلى الجنوب الغربي لليبيا والسيطرة على معبري "إيسيس" على الحدود الليبية ـ الجزائرية..
 
لم يكن خافيا أن الخطوة التي أقدم عليها حفتر لا تحظى فقط بالدعم الروسي بل إن القاهرة سرعان ما فتحت أبوابها لحكومة أسامة حماد المدعومة من برلمان طبرق، والموازية لحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا، من دون أن تأخذ بعين الاعتبار علاقاتها مع حكومة الدبيبة، ولا أيضا بالموقف الدولي الذي يعترف بحكومة الوحدة الوطنية ممثلة لليبيا.. وهو موقف لم يثر فقط غضب طرابلس التي تقول الأنباء إنها أقدمت على الطلب من عدد من العاملين في السفارة المصرية بطرابلس بمغادرة البلاد.. وإنما أيضا دعت وزير الخارجية الجزائري إلى أن يعبر عن قلق بلاده إزاء عودة التصعيد بين الفرقاء الليبيين، ودعا الفرقاء الليبيين إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد وحقن الدماء..
 
ربما سيكون من المؤسف جدا أن ليبيا ستدفع ثمن أطماع إقليمية وصراعات دولية لا ناقه لها فيها ولا جمل، حتى وإن كان الفاعل فيها مرة أخرى هو طرف ليبي بالأساس يطلق على نفسه قائد الجيش الوطني الليبي..
 
تماما مثلما يدفع الشعب الأزوادي مرة أخرى ثمن أطماع روسيا للتمدد إفريقيا ومحاولة الثأر من فرنسا وأوروبا ليس بمزاحمتها في مستعمراتها والوصول إلى ثروات الساحل الأإفريقي فحسب، وإنما من خلال دعم موجة الهجرة إلى القارة الأوروبية التي تدعم بسخاء أوكرانيا في مواجهة روسيا منذ نحو عامين..
 
وإذا كان الصراع الروسي ـ الأوروبي أو الروسي ـ الأمريكي لا يعنينا كثيرا نحن في الجزائر، لجهة العلاقة المباشرة ببلادنا، إلا أن طبيعة العلاقات الدولية التي تربط النظام الجزائري بالعالم، وسلوكات قادة النظام الجزائري المتقلبة، هي التي أدخلت الجزائر إلى أن تكون ساحة للحرب والمعارك بين هذه القوى، وتفتح أبواب جهنم على الجزائريين الذين سيكتوون بنيران هذه الحروب المتصاعدة حولها، والتي يقترب لهيبها من الجزائر..
 
سمح النظام الجزائري لفرنسا بأن تقاتل الماليين تحت شعار مكافحة الإرهاب، قبل أن ينقلب على عقبيه ويسمح لعناصر فاغنر بالعبور إلى شمالي مالي لمواجهة فرنسا.. لكن تطورات الأحداث داخل مالي قلبت الطاولة عليه، بعد أن أعربت الجزائر عن استعدادها لمد أوروبا بالغاز بديلا عن الغاز الروسي، حيث تم إسقاط اتفاقية السلام المالية المعروفة باتفاق الجزائر، قبل أن يتم التخلص من قيادات للأزواد كانت محسوبة على النظام الجزائري..
 
تحركات تصدى لها الأزواد بقوة وتمكنوا من هزيمة الجيش المالي وفاغنر شر هزيمة قبل أيام، وهو ما أثار حفيظة موسكو التي عادت وحركت جيش حفتر نحو الحدود الليبية ـ الجزائرية..
 
وهكذا تحولت الجزائر بسبب حسابات خاطئة وأقرب للمراهقة السياسية منها لعقل الدولة الاستراتيجي إلى دولة معزولة تهددها الحرب من كل جهة، ولم تبق لها إلا تونس، التي تدير من خلالها معاركها السياسية والإعلامية، وهي جبهة ضعيفة وهشة، ليس فقط لأن من يقودها ينفذ سياسة الأرض المحروقة تجاه معارضيه وخصومه السياسيين، وإنما لأنها تعيش أوضاعا اقتصادية مزرية تنذر بانفجار اجتماعي وشيك..
 
في ظل هذه الأجواء المتوترة يصبح الحديث عن انتخابات رئاسية وتنافس انتخابي نزيه بين الرئيس الحالي عبد المجيد تبون والمنافسين له، سواء تعلق الأمر بمرشح حركة "حمس" أو بمرشح جبهة القوى الاشتراكية مجرد لغو سياسي وإعلامي لا طائل من ورائه، إذ أن أمن الجزائر اليوم في خطرولم يعد لها من حليف إلا النظام التونسي، وهو عبء وليس سندا..
 
ربما المتأمل في المشهد الجزائري اليوم وما آلت إليه أوضاع البلاد التي حباها الله بثروات هائلة من شأنها أن تمكن البلاد من نهضة غير طبيعي، يشعر بالأسى، لكنها نتيجة غير مستغربة لمسار من السياسات الخاطئة التي تنطلق من تأمين المصالح الخاصة على المصالح العامة للبلاد، حتى لو أدى ذلك إلى إيذاء الجوار وتهديد أمنهم واستقرارهم..
 
كريم مولاي، خبير أمني جزائري