يعتقد الكثير من المتتبعين للشأن الرياضي أن نجاح التظاهرات العالمية يقاس بعدد الميداليات وبالرتب المحصل عليها في الترتيب العام للبطولات، والحال أن المكاسب التي تجنيها الدول المحتضنة يفوق بكثير ذهب وفضة وبرونز المنافسات.
تعد تجربة قطر، بوصفها أول بلد عربي ينظم المونديال حدثا كونيا، ذا تأثير كبير في العالم وعلى المواطن القطري.
ومع اختيار المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال لاستضافة كأس العالم 2030، سيكون المغرب ثاني بلد عربي يحظى بهذه الفرصة، فرصة ركوب صهوة التنمية من خلال تظاهرة رياضية.
"أنفاس بريس" تسلط الضوء على المكاسب التي جنتها قطر من تنظيم المونديال، ليس فقط على مستوى البنيات التحتية بل على مستويات أخرى جيوسياسية واقتصادية وثقافية، في أفق أن يلتقط المغرب أهمية الحدث وما سيترتب عنه من متغيرات تمس صورة المغرب.
كيف غير المونديال وجه الشيلي وإسبانيا وجنوب إفريقيا؟
في أحيان كثيرة يعترض السياسيون على تنظيم المونديال، حين يعتقدون أنه مجرد إهدار للمال العام، لكن الواقع يؤكد استفادة مجموعة الدول من تنظيم فعاليات كأس العالم لكرة القدم، وقدرة هذا الحدث على تحقيق إقلاع اقتصادي وتقدم على مستوى تنمية مجموعة من القطاعات الأخرى فضلا عن تسويق صورة البلد عالميا.
حين كانت الشيلي تستعد لتنظيم مونديال 1962، ضرب أعنف زلزال في القرن العشرين هذا البلد، فساد الدمار كثيرا من المرافق التي كانت ضمن مخطط المونديال. قامت "الفيفا" بمحاولة لإنقاذ التظاهرة وشرعت في مباحثات مع الأرجنتين كبديل للشيلي المنكوبة. لكن رئيس اتحاد كرة القدم في الشيلي دافع عن ترشيح بلاده، عبر نداء وجداني حين قال للمجتمع الدولي: "لم نعد نملك شيئا، لذا نريد استضافة كأس العالم". وهكذا سيتآزر المجتمع لإعمار هذا البلد وبنائه بعد الزلزال.
بعد أن نظمت إسبانيا كأس العالم سنة 1982، اكتشف الخبراء حجم المكاسب التي جنتها على المستويات الاقتصادية والسياسية والديمقراطية والحقوقية والثقافية، وهو البلد الذي كان يعاني من تبعات نظام فرانكو.
وإذا كان مونديال جنوب إفريقيا 2010، الأضعف من حيث المستوى التنظيمي والتقني، غير أنه حقق أعلى نسبة أرباح سجلت في تاريخ الفيفا في تلك الفترة الزمنية. بل إن السياحة عرفت ازدهارا غير مسبوق والبنيات التحتية أصبحت الأعلى جودة في جنوب إفريقيا، بل إن حضور نيلسون مانديلا منح للدورة بعدا سياسيا كبيرا في القارة.
التجربة القطرية.. قابلة للاستنساخ
تعد تجربة قطر مع "مونديال" 2022، جديرة بالاهتمام، خاصة أمام الجدل الذي سبق تنظيم هذا الحدث من انتقادات لبلد صغير على مستوى المساحة كبير بأحلامه وإمكانياته المالية، ما دفع المنظمين إلى ركوب التحدي، والخروج من امتحان كأس العالم بمكاسب كثيرة.
الدليل أن صندوق النقد الدولي أشاد بالنهج الاقتصادي الذي تبنته قطر بعد احتضانها نسخة كأس العالم لكرة القدم 2022، مؤكدأ أن "الدوحة عززت مكانتها العالمية بالاستفادة من البطولة الرياضية". وبلغ عدد الزوار الوافدين إلى قطر في 2023 ضعف مستويات ما قبل جائحة كورونا تقريبا، وحققت السياحة هذا العام أرقاما قياسية. بل إن تكلفة بناء الملاعب لم تتجاوز 5 في المائة، بعد التركيز على مرافق حيوية أخرى من الموانئ والطرق إلى المترو والمطارات.
وحسب التقارير الرسمية فإن الاستفادة من البنية الأساسية التي تم إنشاؤها قد تجسد في خلق فرص عمل جديدة، وأعمال تجارية لتحقيق مزيد من النمو الاقتصادي، مع قرارات أخرى كانت ثمرة المونديال كإلغاء نظام الكفالة. كما تركت البطولة إرثا بشريا ظهر جليا على تصدير الثقافة القطرية والعربية والإسلامية واندماجها.
لقد شكلت التجربة القطرية الكروية موضوعا لعدد من البحوث والدراسات الأكاديمية، أجمعت كلها على ما تحقق من ملتقى كروي مس جميع القطاعات. وقالت بشرى زكاغ، أستاذة سوسيولوجيا التربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق بالمغرب، في مداخلة تقييمة دولية: "مونديال قطر ساهم في تحويل حدث عالمي تقليدي تحكمه علاقات ثابتة إلى محفل شبكي وعقدي، فرض سردية مغايرة عن الذات العربية وقيمها الإنسانية والدينية".
لقد جنت قطر أعلى عائد مالي في تاريخها، إذ بلغ حوالي 17 مليار دولار، فيما وصلت إيرادات "فيفا" إلى 7.5 مليار دولار على مدار السنوات الأربع الماضية، علما بأن إجمالي ميزانية "فيفا" للبطولة بلغت 1.7 مليار، بحسب بيانات وكالة الأنباء القطرية.
مونديال 2030..أكثر من مجرد حدث كروي
أمام هذه المؤشرات يمكن التساؤل حول الدروس التي يمكن أن يستخلصها المغرب من تجربة قطر؟
وفي رده عن هذا السؤال أوضح عبد الرحيم غريب، الأستاذ الباحث في الحكامة الرياضية، أن الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربة قطر في تنظيم الكأس العالم، هي روح المبادرة والإيمان بأنه "يجب ألا ننتظر مونديال 2030 بل يجب أن نبادر بتنظيم مجموعة من التظاهرات الدولية والقارية لدعم قدراتنا التنظيمية وخبرتنا في هذا المجال". وأشار إلى أن المغرب يستوعب هذا الأمر جيدا بحيث أنه بادر إلى تنظيم مجموعة من التظاهرات لتحسين قدراتنا التنظيمية.
وشدد عبد الرحيم غريب على ضرورة تأهيل المشهد الإعلامي المغربي، لأن عملية التواصل والترويج والمواكبة ذات أهمية قصوى، من أجل تجنب الانزلاقات لأن التنظيم الجيد يبدأ من تطوير وتأهيل المشهد الإعلامي.
وفي معرض حديثه، سلط محاورنا الضوء على تجربة قطر في أصول الضيافة وكيف كانت ترحب بالجميع، مع التأكيد على احترام خصوصيتها ومقوماتها الاجتماعية والدينية والتاريخية وهو ما يجب الاقتداء به، "فمرحبا بالجميع في إطار الخصوصية العربية والإسلامية مع احترام المغرب وخصوصيته".
وأشار غريب، إلى أن قطر جعلت التنظيم عربيا وليس قطريا فحسب، "فالمغرب كذلك عليه الدفع بجميع الدول العربية والإفريقية كي تتبنى المشروع حتى يكون مشروعا عربيا إفريقيا، وقبل هذا يجب الدفع بكل المغاربة للانخراط فيه حتى يكون كل مغربي سفيرا لهذا المشروع وحاملا له، ليس في المغرب فقط بل في كل ربوع العالم".
وفي حديثه عن المكاسب التي يمكن أن يجنيها المغرب من تنظيمه لمونديال 2030، وهل يمكن أن يكون الأمر مشابها لتجربة قطر؟ أوضح كريم صبري الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء عين السبع، أن الحديث عن مكتسبات المغرب من تنظيم مونديال 2030 يقتضي التفكي بعقلية المستثمر من خلال السؤال الجوهري: كم سوف نصرف؟ وكم سنحصل؟ بالنسبة للمصاريف فأكيد أن الأمر يخص البنى التحتية لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هذه البنى التحتية مؤقتة ومرتبطة بالمونديال؟ هل ستكون المداخيل على المدى المتوسط والطويل؟
أما الشق الثاني المتعلق بالتمويل والتحصيل وبالحكامة، "أخشى أن نطرح بعد المونديال سؤال أين ذهبت هذه المداخيل؟ لأننا للأسف لدينا مشكل كبير يتمثل في ربط المسؤولية بالمحاسبة، فكثير من التظاهرات استنزفت مالا عاما وتم الوقوف على الاختلالات ولا أحد يحاسب. فالمشكل هو من أين ستمول هذه الكأس؟ وأين ستذهب هذه الأموال؟".
ويؤكد خبراء أن المغرب سيشهد طفرة اقتصادية كبيرة، بعد نيله شرف تنظيم نهائيات كأس العالم سنة 2030، بالتقاسم مع إسبانيا والبرتغال، مستفيدا من الزخم الذي سيعطيه احتضان هذه التظاهرة العالمية. ورأوا أن هذا الحدث العالمي، سيساهم في زيادة نفوذ المغرب على المستوى الجيوسياسي.