تكتيك جديد تلجأ إليه جماعة العدل والإحسان، بعدما ذبلت ملامحها وانفضحت مناماتها وخابت تنبؤاتها، ويتمثل في الاستغلال البئيس للصحافيين المفرج عنهم بمقتضى عفو ملكي بمناسبة الذكرى الفضية لاعتلاء الملك محمد السادس العرش. لم يسبق للجماعة أن استقبلت المعفى عنهم أو احتفت بهم كما تفعل مع الصحفيين اليوم. فقد شمل العفو قيادات في تنظيمات إسلاموية ونشطاء في صفوف تنظيمات تكفيرية "جهادية" بعد مراجعات فكرية، وجميعهم ينتمون إلى نفس العائلة الإيديولوجية للجماعة، يقاسمونها مشروع دولة الخلافة وتحكيم الشريعة وتكفير الديمقراطية والمؤسسات التشريعية وينادون بالحاكمية. ورغم روابط الأخوة من الرضاعة من نفس الثدي الإيديولوجي، لم تبادر الجماعة إلى الاحتفاء بمن شملهم العفو كما لم تجنّد قيادييها لمغازلتهم. طبعا لم تفعل الجماعة ولن تفعل مع أي إسلاموي تم اعتقاله في ملف الإرهاب ثم استفاد من العفو، لأنها تدرك أن لا جدوى من وراء من نَبَذهم الشعب.
وْجَهْ الشّارْفَة ما يخْفى ولو تحُكُّو بالحَلْفَة
خسرت الجماعة كل رهاناتها، سواء تعلق الأمر بالدعوة إلى تشكيل تحالفات مع معارضي النظام، أو بمحاولات الركوب على الاحتجاجات الاجتماعية (20 فبراير، أساتذة التعاقد، الأطباء والممرضون..) أو المظاهرات والوقفات من أجل غزة أو نصرة الرسول محمد (ص). فالشعب المغربي يدرك جيدا أن التنظيمات الإسلاموية تشكل تهديدا لأمنه واستقراره بسبب عقائد التكفير ودعوات التفرقة والتمذهب التي خربت دولا ومجتمعات في الشرق الأوسط؛ لهذا أفشل الشعب كل خطط لخوانجية وتصدى لمشاريعهم التخريبية وإستراتيجية الأخونة/السلفنة/الوهبنة. لطالما ناورت جماعة العدل والإحسان وانسلت داخل بعض التنظيمات النقابية والهيئات المدنية، لكن وعي المواطنين أحبط مسعاها. نصف قرن من مناورات الجماعة بهدف اختراق المجتمع والتغلغل في مفاصل الدولة دون جدوى. لقد اكتسب الشعب المغربي ما يكفي من المناعة ضد التخونج والتأسلم بحيث لا تغريه الشعارات التي أغرت شعوب الشرق وأغرقتها في الفتن المذهبية والحروب الطائفية. لقد سقطت كل الأقنعة عن التنظيمات الإسلاموية، وظهرت حقيقة أنظمتها الدموية في العراق وأفغانستان واليمن ومصر مرصي وإيران. كما سقط القناع عن الوجه الاستبدادي لجماعة العدل والإحسان من خلال ما تقرره أدبياتها من وحشية العقوبات في حق مخالفيها، ومن تخاذلها تجاه أعداء وحدتنا الترابية، أو في مناصرة قواتنا المسلحة الملكية في حربها ضد عصابات البوليساريو بدءا من تطهير معبر الكركرات مرورا بمطاردة فلولها في المنطقة العازلة، أو التنويه بالانتصارات الدبلوماسية. هذا الوجه البشع للجماعة التي كانت تتستر عليه بالشعارات سرعان ما ظهرت تجاعيده فما عادت تخفيها المساحيق مهما طفحت ألوانها، ولا أعادت إليها تحالفاتها الماكرة مع أعداء الوطن الظاهرين والمخفيين بريقها الخادع الذي أضفاه عليها مرشدها ياسين بمظلوميته التي أنهاها قرار رفع الإقامة الإجبارية عنه. فمهما حاولت الجماعة تجميل وجهها، سواء باستغلال الحرب على غزة، أو بالاحتفاء بالصحفيين المعفى عنهم، فإن العطّار لن يُصلح ما أفسد الدهر.
لو كان الصفيحة تْرُدْ العَارِ، لو كانت ردّاتُو على الحمار
في تدوينة له على صفحته بالفيسبوك كتب حسن بناجح محتفيا بتوفيق بوعشرين وهو يعانقه: " بعد سنوات من الاعتقال التعسفي للصحافي المرموق توفيق بوعشرين، اليوم نمشي معا نحو حفل استقبال معتقلي الرأي المفرج عنهم.. في انتظار أن نراه في تجربة إعلامية لملاقاة قرائه". لا يُفهم من هذا الاحتفاء الزائد والمبالغ فيه سوى سعي الجماعة إلى تلميع صورتها وتجميل وجهها والبحث عما يساعدها على استرجاع بعض "شرعيتها" السياسية التي فقدتها لما رفضت البيعة لجلالة الملك، أو لما ناصبت العداء للنظام الملكي، أو لمّا جعلت القومة سبيلها والزحف على السلطة غايتها، أو لما طالبت نادية ياسين بنظام جمهوري بديل عن النظام الملكي. ما تجهله الجماعة وتتجاهله هو أن الشعب المغربي نفض يديه من تجار الدين والمتآمرين على الوطن وعملاء خصومه، أولئك الذين يجمعهم مع الجماعة شعار "الضرب معا والسير على حدة". إنها محاولة بئيسة ويائسة من الجماعة التي تستنجد بمن هو غارق في الخسة والنذالة، ومطالب بدفع ملايين الدراهم تعويضا للأضرار النفسية والاجتماعية التي تسبب فيها لضحاياه، حتى وهو مشمول بالعفو الملكي الذي لا يعفيه من تنفيذ الحكم القضائي لفائدة من استغلهن جنسيا وشوه سمعتهن ومس بأعراضهن وأعراض أبنائهن وعائلاتهن. سيظل بوعشرين رمز الفساد الأخلاقي والمهني مهما حاولت الجماعة إخفاء جرائمه والاستعانة به للتباكي على مظلوميتهما المفترى عليها. وصدق المثل الشعبي:" لو كان الصفيحة ترد العار، لو كانت رداتو على الحمار".