حين ذكر المعلق الرياضي عثمان القريني اسم مدينة اليوسفية ضمن بعض المدن المغربية، وهو يعلق على فوز العداء المغربي سفيان البقالي بالميدالية الذهبية بالألعاب الأولمبية المقامة بفرنسا، فإن المعلق الأردني لم يدرك أنه سيقلب المواجع في نفوس جمهور عاصمة "بلاد احمر".
إذ انتصب في حينه، سؤال التراجعات المهولة التي تعرفها الرياضة الوطنية، التي كانت كلما ذكر صنف رياضة الجمباز عالميا إلا واقترن باسم مدينة "الويجانطي"( الاسم القديم لليوسفية)، باعتبار هاته المدينة كانت الخزان الأول والركيزة الأساسية التي تنجب الأبطال في رياضة الجمباز ذكورا وإناثا، وكانت تشكل العمود الفقري للمنتخب الوطني.
في الفترات الزاهية التي كانت اليوسفية مصنعا للنجوم الرياضية في الجمباز، ورغم غياب الاعتناء بالمدربين، وحرمانهم من العديد من الامتيازات والتعويضات المستحقة، فقد كان الفوز دائما وعن جدارة حليف بطلات الجمباز، سواء على مستوى الفرق أو على مستوى الفردي. ونذكر هنا والآن: البطلة أمنحار، والبطلة الغواتي، والبطلة النظيفي، والبطلة لعبولي وغيرهن من بطلات رياضة الجماز باليوسفية.
الطويليع: المسؤولون بقطاع الفوسفاط باليوسفية قادرون على إعادة قطار الرياضة فوق سكته
في هذا السياق أشار الفاعل الإعلامي والمدني نور الدين الطويليع، في تصريحه لجريدة "أنفاس بريس"، بأن سؤال التراجعات في رياضة الجمباز، هو سؤال مصدر للقلق، ويجلب معه الألم. والجواب عنه في حد ذاته يعد سؤالا حارقا. وأضاف بأنه لا يمكن أن نقارب مشكل التراجعات إلا في إطار نظرة شاملة لواقع الحال الذي تعيشه المدينة والإقليم بصفة عامة.
وكشف على أن الواقع مليء بالتراجعات على مستوى مجموعة من العناصر، والرياضة هي جزء من الكل، بمعنى أن هناك تراجعا كبيرا على مستوى الرياضة وأيضا على مستوى تدبير الشأن المحلي، وتراجع ملحوظ على مستوى الأنشطة الثقافية.
وكل هذه التراجعات ـ يوضح الطويلع ـ تطرح بالطبع أسئلة أخرى، لا يمكن أن نعالج إشكالياتها المترابطة، ولا يمكن لأي كان أن يجيب عليها، على اعتبار أن الجواب على سؤال التراجعات يتطلب إقامة مناظرات وأيام دراسية مفتوحة لمساءلة المسؤولين في قطاع الفوسفاط محليا، باعتبارهم كانوا مسؤولين ومازالوا إلى حدود اليوم، على تسيير وتدبير الشأن الرياضي بمدينة اليوسفية، إلى جانب مسؤولية المسؤولين في الحقل السياسي الذين تعاقبوا على تدبير الشأن المحلي باليوسفية. وأكد على أن الجميع مطالب بالإجابة على هذا السؤال انطلاقا من نقاش جدي ومسؤول لبلورة توصيات وقرارات لمعالجة المشاكل بواقعية وموضوعية.
وبحرقة قال محاورنا:" فعلا كانت اليوسفية تمثل أيقونة رحم إنجاب أبطال وبطلات رياضة الجمباز منذ عقود خلت، حيث بصم أبناء وبنات المدينة رفقة مدربيهم المعروفين الفترة الذهبية على المستوى القاري والإفريقي والعربي والوطني بحصادهم الذهبي. ولو استمر الوضع بشروطه السابقة لرأينا اليوم أبطالا وبطلات يسجلون بمداد من ذهب خلال الألعاب الأولمبية المقامة بفرنسا حاليا."
وأبرز بأن الجزائر ليست أحسن منا في جميع الميادين، ومع ذلك انتزعت ميدالية ذهبية في رياضة الجمباز، التي كانت كلما ذكرت هذه الرياضة ذكرت معها عاصمة الفوسفاط مدينة اليوسفية. واستطرد موضحا:" للأسف هذا مشكل كبير يرتبط بظاهرة التراجعات التي عرفها قطاع الفوسفاط محليا بشكل عام على مستوى كل ما هو اجتماعي وثقافي ورياضي بعد أن رفع يده على مجموعة من المجالات بالمدينة. والدليل أن أثر التراجع طال بشكل قوي المجال الرياضي وخصوصا رياضة الجمباز."
وشدد في تصريحه للجريدة على أنه في الحقيقة ليس هناك بديل على المجمع الشريف للفوسفاط محليا، فهذا القطاع هو الوحيد الذي يمكن أن يقود قاطرة التنمية محليا والعمل على إعادة إشعاع المدينة عالميا لما تزخر به من طاقات واعدة في رياضة الجمباز. وأن توقفه عن قيادة القاطرة أوقف أوتوماتيكيا كل شيء في مدينة الفوسفاط.
في سياق متصل يرى ضيف الجريدة أن هناك اعتبار آخر يتعلق بساكنة مدينة اليوسفية والنخبة المثقفة، ودورها الفعلي في هذا المجال، على مستوى الترافع على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والبيئية والتنموية بشكل عام، وانخراطها الجدي في الكشف عن أسباب معيقات التنمية وطرح أسئلة التراجعات المهولة التي طالت جميع مناحي الحياة. من أجل إثارة الإنتباه لعمق المشاكل من أجل تدخل أصحاب القرار لإعادة القطار إلى سكة الإشعاع ووضع المدينة الطبيعي والإعتباري.
مسؤول سابق بنادي الجمباز: هذه هي أسباب تراجع رياضة الجمباز باليوسفية
من جهته أكد الفاعل الجمعوي فردوس عبد المجيد، بصفته كان عضوا بنادي أولمبيك اليوسفية فرع الجمباز وممثلا له بالجامعة الملكية المغربية للجمباز، أن الجمباز في اليوسفية عرف فتراته الزاهية خلال فترة الثمانيات من القرن الماضي. وكان رئيس النادي "اليوبي" متمكنا من أسلحة تدبير وتسيير هذه الرياضة الساحرة، وله دراية ومعرفة بخباياها وقوانينها وتقنياتها وقواعدها الأساسية، وكان بجانبه مدربون متألقون، من أمثال المدرب الوطني محمد شكير، وشرافي، والطالبي، ثم الإطار المعروف الأستاذ شعشاع، بذاكرة الجمباز محليا.
ويستحضر فردوس سنوات الثمانينات حين تربع المغرب بفضل أبطال وبطلات الجمباز على منصة التتويج بميداليات البطولة العربية التي أقيمت في المغرب بالنسبة للإناث، على مستوى جميع أجهزة هذه الرياضية، "المتوازيان، الأرضي، الحصان، الخشبة..." حيث حصدن بطلات المدرب محمد شكير الميداليات الذهبيات.
في هذا الصدد يقول محاورنا بأنه رغم غياب وقلة المحفزات والتشجيع والاعتراف بالمجهودات المبذولة من قبل المسؤولين بقطاع الفوسفاط حينئذ وخصوصا من طرف رئيس نادي أولمبيك اليوسفية للجمباز "اليوبي"، فقد كان المدرب الوطني محمد شكير عاشقا، وملما برياضة الجمباز، ويعطي للتداريب كل وقته أكثر مما كان مخصصا لها، وكانت رياضة الجمباز بالنسبة إليه هي شغله الشاغل، يعشق سحرها وحركاتها، ويعمل بجد ومسؤولية وصرامة من أجل أن يكتسح كل بطلاته من بنات اليوسفية كل التظاهرات الوطنية والعربية والكد من أجل التمثيل المشرف عالميا في تلك الفترة المشرقة.
وأضاف بأنه بالرغم من النتائج التي كان يحصل عليها الأبطال والبطلات بفضل المدربين، فقد كان المسؤولون آنذاك يظهرون على شاشة التلفزة وكأنهم هم من حققوا ذلك الإنجاز والظفر بالميداليات، وكان المدرب محمد شكير يُبْعَدُ كليّا من إعطاء تصريحات في هذا الشأن لغرض في نفس المسيرين بقطاع الفوسفاط انذاك. وهذا ما وقع خلال فوز المنتخب الوطني الممثل ببطلات مدينة اليوسفية خلال البطولة العربية التي أقيمت بالمغرب.
ويتذكر عبد المجيد فردوس، كلام رئيس نادي الجمباز باليوسفية "اليوبي" حين قال في تصريح للتلفزيون المغربي على هامش البطولة العربية للجمباز أنه: "بعد عشر سنوات لن تعود هناك قوة لتسيير رياضة الجمباز وستعرف تراجعا". فهل كان الرئيس الفعلي للنادي يعلم بمصير هذه الرياضة باليوسفية في علاقة بعدم وجود الكفاءة التي ستخلفه لحمل المشعل بعد تقاعده. وهل كان يمني النفس بالعودة إلى مسؤولياته الرياضية بعد التقاعد؟
ورغم إحداث مدرسة رياضة الجمباز لتأطير الكتاكيت الصغار ذكورا وإناثا، والاستعانة بمدربات مثل لخضر والنظيفي سعيدة ثم النظيفي كريمة وغيرهن، والحضور المتميز في التظاهرات الوطنية مثل البطولة الوطنية، وبطولة كأس العرش، وإقامة التربصات لاختيار العناصر التي ستمثل الفريق الوطني سواء داخل المغرب بمعهد مولاي رشيد أو خارج المغرب في العديد من البلدان الأوروبية، فقد بدء الوهن يتسلل لجسم الجمباز.
ومن المعلوم أن الفريق الوطني المكون من غالبية أبناء وبنات عاصمة "احمر"، كان يشارك بقوة في تداريب ومعسكرات خارج الوطن، سواء في الاتحاد السوفياتي سابقا، ورومانيا وبلغاريا وفرنسا التي كانت تعرف جيدا مدينة اليوسفية كرحم خاص ينتج أبطال وبطلات رياضة الجمباز ومشتلا حقيقيا للتكوين والتأطير وصقل المواهب.
إحسان شكير: هذه هي شروط صناعة أبطال وبطلات الجمباز باليوسفية
ارتباطا بذات الانشغال، قال الإطار الرياضي إحسان شكير، أن سبب عدم استمرار مدينة اليوسفية في صناعة أبطال في رياضة الجمباز كرافد أساسي ومهم لتزويد المنتخب الوطني للجمباز بالعناصر الممتازة بشكل مستمر كما عهدنا لعدة عقود مضت، يرجع إلى عدة عوامل مرتبطة فيما بينها، أولها غياب استراتيجية ورؤية حكومية واضحة في المجال الرياضي، تنعكس إيجابا على الصعيد الجهوي، والإقليمي والمحلي.
وتساءل محدثنا:" هل تعمل الحكومة على تسطير مخططات متكاملة تشمل الجمعية الرياضية، والأطر الرياضية، وكذا اللاعبين الرياضيين ذو المستوى العالي، كما نصت الرسالة الملكية خلال المناظرة الوطنية بخصوص الرياضة في 24 أكتوبر 2008 بالصخيرات؟ وهل الحكومة قادرة على ضمان مسار رياضي محكم يشمل التكوين والتكوين المستمر، وكذا العمل على منهج دراسة ورياضة الذي يضمن للرياضي الممارس مسار أكاديمي يهيئه إلى سوق الشغل، أو إبرام عقود مهنية رياضية بين جميع الفاعلين الرياضيين، تستجيب لنصوص وبنود قانون التربية البدنية والرياضة 30-09 ، الشيء الذي يخلق لدى الفاعلين الرياضيين، من أطر الرياضية متخصصة في رياضة الجمباز، و لدى اللاعبين الممارسين لنفس الصنف الرياضي نوع من الاستقرار النفسي والذهني والمهني والاجتماعي، في أفق خلق الظروف المواتية من أجل المساهمة في أداء المهمة الموكولة إليهم، ألا وهي صناعة البطل الرياضي تخصص رياضة الجمباز بمدينة اليوسفية؟
وأكد إحسان شكير أن هناك شح في عدة مرافق عمومية باليوسفية، من بينها نواة جامعية لمختلف التخصصات تهتم بتكوين الأطر الرياضية، ومسار رياضة ودراسة، الذي يعتبر حلقة وصل وتواصل بين أطر الجمعية الرياضية وأساتذة التربية البدنية لفائدة التلميذ الرياضي الممارس لرياضة الجمباز، لضمان مسار رياضي محترف متخصص في رياضة الجمباز، يعزز عناصر المنتخب الوطني في انتظار التتويج والانتقال إلى التدريب في نفس التخصص بعد المرور بطبيعة الحال من مسار أكاديمي جامعي مهني قادر على حمل المشعل بشكل يشرف مدينة بلدنا ومدينتنا.
وبحسرة قال نفس المتحدث لقد كان صدر نادي أولمبيك اليوسفية للجمباز مزينا بنياشين الألقاب والأوسمة والميداليات بفضل أياد أسماء وازنة، كالبطلات نعيمة الغواتي، ومنى أمنحار، والدبيري حجيبة، إلى جانب الأبطال الديان عبد الواحد، والطراق رضوان، والشرفي عادل، وغيرهم من الأبطال الذين تمرسوا على يد أطر كان لهم صيت على الصعيد الدولي والوطني مثل المدرب الوطني محمد شاكر والشرفي أحمد والطالبي أحمد وشعشاع عبد السلام والناظيفي كريمة، أما اليوم فهناك تراجعات مهولة، لا أُطر تتميز بالكفاءة المهنية والجدية ولا عناصر رياضية لها من المهارات والقدرات الذهنية والبدنية، ودليلنا غياب النتائج المشرفة التي كان يحققها نادي أولمبيك اليوسفية للجمباز خلال فترة الثمانينيات والتسعينات، وغياب تلك الصورة النموذجية الرائعة للنادي الذي كان يعتبر من بين أول الأندية التي تضخ و تزود المنتخب الوطني للجمباز بعناصر قوية ومتمكنة.