محمد عزيز الوكيلي: ثقافة جزائرية غير مسبوقة.. "الأمل في إعادة الماتش"!!!

محمد عزيز الوكيلي: ثقافة جزائرية غير مسبوقة.. "الأمل في إعادة الماتش"!!! محمد عزيز الوكيلي
من أكثر المواقف التي ربى النظام العسكري الجزائري عليها أجيالا من الجزائريين لا يقل عددها عن الثلاثة بالتمام والكمال، أنه يمنّيهم عند كل خيبة أو إفلاس، بأن الأمور ستصلح من تلقاء ذاتها، وأنها ستعود إلى ما تبتغيه الجماهير المكلومة بلا ادنى عناء، وبصورة كاريكاتورية تجعل عقارب الزمن تدور في الاتجاه المعاكس لمسارها الاعتيادي، حتى يتسنى حدوث التصويب المطلوب!!
 
أول مناسبة أبان فيها حكام الجزائر عن هذا التوجه الغرائبي، إذا لم تخنّي الذاكرة، تلك المباراة النارية في كرة القدم، التي دارت بين المنتخبين الوطنيين الجزائري والكاميروني، برسم التأهل لنهائيات كأس العالم في دورة 2022 المنظَّمة بدولة قطر الشقيقة، التي أبدعت في تنظيمها بتفوّق ليس له نظير... تلك المباراة، التي انتهت بانتصار للمنتخب الكاميروني في قلب الجزائر بهدفين لواحد، والتي سجل الكاميرونيون فيها هدف السبق في آخر اللحظات، الأمر الذي شكّل صدمة عنيفة هزت كل الجزائريين إلى درجة إفقادهم القدرة على عَقْل الأشياء ووزنها بميزان المنطق، فطفقوا يُمنّون النفس بإيحاء من حكامهم ووسائل إعلامهم المريضة بصدور قرار من الفيفا يقضي بإعادة تلك المباراة. لماذا؟ لأن الحكم "غاساما" تجاوز فيها اختصاصاته فساهم بذلك في انتصار منتخب الكاميرون في لحظة الصِّفر، حسب زعمهم، وحسب التحليلات الكروية التي قام بها صحافيون رياضيون جزائريون لا يفهمون في مجالهم المهني إلا كما يفهم بائع البقدونس في مجال فيزياء الفضاء!!
 
الغريب في هذه الظاهرة المرَضية، المثيرة للضحك الأسوَد، أن الجزائريين ظلوا يعتقدون بقرب صدور قرار الفيفا بإعادة المباراة ذاتها، حتى بعد سفر المنتخب الكاميروني إلى الدوحة وبدئه في تسخين عضلاته ومفاصله ليخوض أولى مواجهاته... بل ظلوا يمنون النفس بتلك الإعادة رغم انتهاء مباريات الدور الأول من البطولة العالمية، حتى قال بعضهم إن نتائج الدور الأول بالمجموعة التي لعب فيها منتخب الكاميرون سيتم إلغاؤها، لكي تعاد مباراته ضد الجزائر، بينما قال أكثرهم تعقلا إنهم ينتظرون أن تقوم الفيفا بإقصاء المنتخب الكاميروني ووضع المنتخب الجزائري بدلا منه هكذا بجرة قلم... ولا أحد، أقول لا أحد، خرج عن الجوقة الإعلامية الجزائرية المريضة لينبّه الزملاء والشعب المسكين إلى أن الفأس قد وقعت فعلا في الرأس، وأن مشاركة الجزائر بواسطة منتخبها في تلك النهائيات قد صار من باب المستحيلات... فهل معنى هذا ان كل إعلاميي الجزائر فقدوا عقولهم؟ لا بكل تأكيد، فالأمر يتعلق فقط، بخوف ورعب أسطوريَيْن من حماقات حكامهم، وعلى رأسهم الفريق اول شنقريحة، الذي لم يكن يردد في غمرة سكره وعربدته اليوميَيْن سوى عبارة واحدة يستحيل أن يُقاطعَها مُقاطِع، أو يعترض عليها مُعترِض، وهي: "علاش المرّوك مشاو للنهائيات واحنا لاَلاَ"، وهي المقولة التي سرعان ما انتشرت بحكم الإيحاء الجَمْعي في الشارع الجزائري، فصرنا نسمعها ونقرأها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بفضل ذباب إلكتروني صنعه حكام الموراديا لهذا الغرض السجالي غير المعقول بالذات؟!!
 
بيد أن الأغرب من كل هذا، أن هذه الظاهرة لم تقف عند مباراة كرة القدم سالفة الإشارة، بل انتقلت بقدرة قادر إلى المجالين السياسي والدبلوماسي... فكيف ذلك؟!
 
عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بلسان رئيسها السابق دونالد ترامب عن اعترافها بمغربية الصحراء، كان ردُّ فعل حكام الجزائر، المعبَّر عنه من لدن إعلامهم وذبابهم الإلكتروني، مقولَتَهم "إن القرار الأمريكي لا يزيد عن كونه مجرد تدوينة بثها الرئيس ترامب عبر شبكات التواصل"، وأنها "لا تمت بأي صلة لإرادة الدولة الأمريكية"!!
فلما علم حكام الجزائر بأن الرئيس الأمريكي سجل قراره ذاك في حوليات الإدارة الأمريكية، وأنه بعث نسخةً منه رسميةً إلى الهيأة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، عادوا إلى القول إن ذلك الاعتراف ليس إلا إجراءً هامشياً تم اتخاذه في الوقت الضائع من العُهدَة الرئاسية، وأن الرئيس الجديد، جو بايدن، لن يلبث أن يضعه على رأس قائمة قراراتِ سَلَفِه المُعًدَّة للإلغاء والتشطيب، شأنها في ذلك كشأن الاتفاق الذي أبرمه ترامب مع إيران على سبيل المثال لا الحصر!!
 
والمصيبة أن عَجَزَة الموراديا وإعلامَهم وذبابَهم ظلوا ينتظرون إلغاءَ إدارة الرئيس بايدن لاعتراف ترامب بمغربية الصحراء الغربية، إلى أن تحدثت السفيرة الأمريكية في الجزائر، هذه الأيام، إلى إحدى وسائل الإعلام بالجارة الشرقية والشقية، والتي لم يجد صحافِيُها حرجا في طرح السؤال ذاته: "وماذا عن اعتراف الرئيس ترامب بمغربية الصحراء"؟ فكان جوابها صادما ومُقَنبِلاً إذ قالت بكل طلاقة: "إن ذلك الاعتراف يعتبر حقيقة تاريخية" وإنه "لن يتغير"... فيا له من ردّ مزلزل!!
 
بعد التجربة الأمريكية، جاء الدور على نظيرتها الإسبانية، والتي تمثلت بدورها في اعتراف صريح للمملكة الإسبانية بمغربية الصحراء، وبكون المقترح المغربي للحكم الذاتي هو الحل الأمثل لإنهاء النزاع المفتعل بيننا وجارة الشرق، إذ سرعان ما انطلق حكام الجزائر وإعلامهم وذبابهم في شرخ الأسطوانة ذاتها بلا ادنى تعقّل، متناسين أن الأمر يتعلق هذه المرة بالسلطة الاستعمارية السابقة للجنوب الصحراوي المغربي المعني، وأنها هي ذاتُها السلطةُ الموقعةُ بمعية المغرب منذ سنة 1975 على معاهدة إنهاء استعمارها للمنطقة ذاتها... ورغم كل ذلك، طفقوا من جديد يتحدثون عما سمّوه قراراً شخصياً لرئيس الحكومة الإسبانية لن يلبث أن يتم التراجع عنه وإلغاؤه غداة أول انتخابات موالية سيتغير فيها هذا الرئيس، دون أن يجدوا، كما في التجربة الأمريكية، مسؤولا عاقلا من بني جلدتهم أو من أصدقائهم المتعيِّشين من رشاويهم السخية، مَن ينبههم إلى أن الاعتراف الإسباني لا يخص شخص رئيس الحكومة، ولا الحكومة ذاتها، بل هو نابع من الدولة العميقة، وبالتالي غير قابل للتراجع، لأنه والحالة هذه لم يصدر إلا بعد أخذ ورد داخل دهاليز الحُكم الإسباني بكل مكوناته ومقوّماته ومهندسيه... وبالرغم من كل هذه الاعتبارات، ظل النظام الجزائري يُمنّي النفس "بإعادة الماتش"، كما في التجربة الكروية مع الكاميرون، وخاصة على إثر اهتزاز مقعد رئاسة الحكومة بإسبانيا من جراء حصول الحزب الحاكم على نصيب من الأصوات يقل نسبيا عن نصيب غريمه اليميني الشعبي، مما أحيا الأمل ذاتَه لدى سكان الموراديا قبل أن تُعيدهم الأحداث التي تلت ذلك إلى جادة الواقع!!
 
والآن، جاء الدور على ماماهم فرنسا، التي يبدو أنها فرضت عليهم فِطاماً قسرياً بدا من الوهلة الأولى أكثر عنفا وإيلاما من سابقَيْه، حين اعترفت بدورها بمغربية الصحراء ولكن، هذه المرة، بنبرة أكثر قوة وعنفا لأنها لم تكتف بالإقرار بذلك كأمر واقع فحسب، بل أكدت على نيتها العمل على دعمه وتكريسه محليا وجهوياً ودولياً على السواء...
 
وإلى حد كتابة هذه السطور، مازالت تطلع علينا بين الحين والآخر تدوينات رسمية وأخرى شبه رسمية تحمل آمالا مستديمة في أن تتراجع فرنسا عن اعترافها ذاك، إما بضغط من قوى فرنسية لا يراها احد غير حكام الجزائر، أو بتدخلٍ لدول الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يُعيد تدوير عقارب الزمن الفرنسي في الاتجاه المعاكس... تماماً كما لم يحدث أبدا في التجربتين المغربية الأمريكية والمغربية الإسبانية!!
 
ومَن يدري، فقد يُعاد لعب مباراة الجزائر الكاميرون ضداً على كل المعقولات والتوقعات، فتنفتح بذلك "طاقة القَدْر" كما يقول إخواننا المصريون، فيُعاد من خلالها تشكيل الموقفيْن الإسباني والأمريكي بما يُرضي حكام الجزائر...وبعدَهما الموقفُ الفرنسي... ومَن يدري، فقد يعود إلينا زمن الآيات والمعجزات بعد طول غياب...
ولله في خَلقه شؤونٌ وحِكَم!!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي