أبلاغ: أي تدبير للملك العام المائي؟ قراءة في مضامين القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء

أبلاغ: أي تدبير للملك العام المائي؟ قراءة في مضامين القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء يونس أبلاغ
يندرج الماء ضمن دائرة الأملاك العامة التي لا تقبل التفويت أو الحجز أو التقادم. يراد بالماء حسب المادة الثالثة من نص القانون رقم 36.15، كل مادة حيوية مكونة من أوكسجين وهيدروجين في أشكالها الثلاث السائلة والصلبة والغازية. الماء ملك عام لا يقبل التملك الخاص والتصرف فيه بالبيع والشراء، باستثناء الحقوق الخاصة المعترف بها قانونا على المياه. هذه الامتيازات هي التي تخضع للمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة لموارد المياه، والتي لا يمكن تجريد ملاكها منها إلا بموجب مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة حسب الشروط المقررة في القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت. 

وفي هذا الإطار، جاءت محاور القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.13 بتاريخ 10 غشت 2016 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6494 بتاريخ 25 غشت 2016، في 163 مادة. وهي المحاور التي أُدْرِجَتْ من الناحية الشكلية في 12 بابا متضمنة (باستثناء الأبواب 4 و10 و12 والتي تتضمن موادا فقط) لعدة فروع مقسمة ومحددة بدورها عبر فصول. بُسِطَتْ أيضا في مقتضيات خاصة بالجانب التدبيري للماء كملك عام، وأخرى خاصة بالجانب المؤسساتي. هذه الأخيرة وكما أسماها المشرع في الباب السادس بإدارة المياه، هي التي تقوم بالإجراءات المتعلقة بالشق الأول (التدبير)، وتعمل على منح التراخيص والامتيازات التي تهم استعمالات الماء وبلورة استراتيجيات الحفاظ عليه وتدبير الأخطار المتصلة به في مخطط وطني وفي مخططات توجيهية للتهيئة المندمجة، فضلا عن قيامها بدور الشرطي الذي يعاين المخالفات ويسن العقوبات. وهي الإجراءات التي يقوم بها أعوان شرطة الماء طبقا للمادة 131 من نص القانون سالف الذكر التي أحالت على نص تنظيمي يستهدف تعزيز مهام المراقبة وتوفير الحماية الكافية للملك العام المائي.

وقد كان لافتا للنظر بأن مضامين النص تضمنت في طياتها كثرت الإحالة على النصوص التنظيمية، دون تحديد أي آجال لصدورها، علما أن التوجه التشريعي للمملكة وفي سياق تجويد المنظومة القانونية، أضحت معه مضامين النصوص القانونية تحدد في مقتضياتها الختامية آجالا معينة لصدور النصوص التطبيقية، ذلك أن المادة 162 من هذا النص، قد جعلت النصوص التطبيقية للنص المنسوخ (القانون رقم 10.95) سارية العمل إلى حين صدور النصوص التطبيقية للقانون الحالي رقم 36.15 المذكور. مما يجعل من مقتضيات الأخير، غير منسجمة مع الأدبيات الحديثة المتعلقة بتحرير وصياغة النصوص القانونية.

ولنا في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية نموذجا مماثلا. فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 280 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، على ما يلي: "تصدر كل النصوص التنظيمية المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي في أجل أقصاه ثلاثون (30) شهرا ابتداء من تاريخ صدوره في الجريدة الرسمية."؛ مما يجعل من هذه الملاحظة على أساس بين وأصل واضح. أما تعدد الإحالات على النصوص التنظيمية كأساس للقول بكونها هي الأخرى من هفوات القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء إثر كثرة إحالته على النصوص التطبيقية، فتجد سندها البين في عدد إحالات مواد هذا النص على المراسيم التطبيقية، والذي وصل إلى 56 حالة إحالة[1]. 

ولهذه الأسباب سيكون من التحصيل الحاصل القول إن تحرر القانون رقم 36.15 المذكور من تحديد آجال حتى ترى النصوص التنظيمية النور، سيؤدي لا محالة لإخلالات في تدبير الثروة المائية، ولاسيما على المستوى العملي. أما مساطر تدبير الملك العام المائي، فهي موزعة بين مجالي القانون والتنظيم، وأي دراسة بشأنها، ستقترن بالأخير نتيجة تنظيمه لمجالات لم يشملها مجال القانون رقم 36.15 المذكور.
من ناحية ثانية، وحيث إن القراءة المتأنية لمضامين النص أدت إلى تبيان أهدافه المحددة في مادته الأولى والمتمثلة في تحديد قواعد التدبير المندمج واللامركزي والتشاركي للموارد المائية؛ كضمان حق المواطنات والمواطنين في الحصول على الماء واستعماله بشكل عقلاني ومستدام إلى غير ذلك من الغايات الأخرى. وقد أكدت مادته الثانية على إرسائه للملكية العامة للماء مع تيسير حصول المواطنات والمواطنين على قدم المساواة على الماء والعيش في بيئة سلمية، بتدبير الثروة المائية بشكل مندمج وتشاركي ولامركزي ومراعاة مبدإ التضامن والعدالة المجاليين إلى غير ذلك من المقومات الأخرى الواردة في المادة المذكورة. وإذا كانت مادته الثالثة قد خُصصت للمفاهيم، وعَرَّفَتْ الماء بالشكل المومإ إليه سابقا، وفي مرحلة موالية حددت معنى الملك العمومي (العام؟) المائي بتقسيمه لصنفين: أملاك عامة بطبيعتها وأملاك عامة اصطناعية، فتعريف الحوض المائي والتدبير المستدام والمندمج والتشاركي وغيرهم من التعريفات. غير أن لم تقدم مع ذلك أي تعريف "للتدبير اللامركزي للماء" بالشكل الذي ألصقته كل من المادة الأولى والثانية (أي التدبير اللامركزي) بالتدبيرين المندمج والتشاركي. 

وبالتالي، ألم يكن حريا بالمشرع من خلال المادة 3 من القانون رقم 36.15 تحديد مدلول التدبير اللامركزي للماء بالشكل الذي حدد به مدلول التدبيرين المندمج والتشاركي؟ وفضلا عن ذلك، فإن للمشرع توجه سابق لتدبير الماء بطابع لامركزي تبعاً لما جاء في بيان أسباب القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء لسنة 1995، والذي نُسِخَتْ مقتضياته بالقانون 36.15 المذكور باستثناء المادة 7 التي ستظل سارية المفعول بالنسبة لطلبات الاعتراف بالحقوق الخاصة المكتسبة على المياه التي تم تقديمها بشكل قانوني في آجال محددة في الباب الثاني من القانون الحالي رقم 36.15.

سيكون بذلك من غير المجدي القول إن من ثغرات القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء عدم تعريفه للتدبير اللامركزي للماء. لكن، سيكون للكشف عن أسباب سكوت المشرع في هذا الشأن فوائد كثيرة. فالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية أسندت بعض الاختصاصات في هذا الباب للوحدات الترابية، ولاسيما القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات التي أدرجت الماء ضمن الاختصاصات الذاتية للجهة. كما أن المادة 82 من القانون التنظيمي المذكور قد اعتبرت أن الاختصاصات الذاتية للجهة تشتمل في مجال التنمية الجهوية على مجموعة ميادين، من بينها الطاقة والماء والبيئة. وفي هذا الصدد تقوم الجهة بتهيئة وتدبير المنتزهات الجهوية مع وضع إستراتيجية جهوية لاقتصاد الطاقة والماء، ثم إنعاش المبادرات المرتبطة بالطاقة المتجددة.

هذا التحليل الأخير وإن تميز بإبداء وجهة نظر حول القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء بتعارضه مع نصوص اللامركزية الترابية دون الرد عليه بشكل مباشر، فإن الاختلاف معه سيبقى قائما طالما أن مقتضيات القانون التنظيمي رقم 111.14 المذكور قد أسندت للجهة ضمن اختصاصاتها المشتركة مع الدولة اختصاص الماء. وقد أكدت المادة 91 من ذات القانون التنظيمي بأن الجهة تمارس أيضا الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في مجموعة من المجالات منها الماء والبيئة لأجل الحماية من الفيضانات والحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي ومكافحة التلوث والتصحر، ثم المحافظة على المناطق المحمية وعلى المنظومة البيئية الغابوية وكذا على الموارد المائية. في مقابل ذلك، جاءت المادة 94 في باب الاختصاصات القابلة للنقل متميزة ودقيقة في هذا الخصوص، لتحدد مجالات الاختصاصات القابلة للنقل من الدولة إلى الجهة اعتمادا على مبدأ التفريع، والتي تشمل بصفة خاصة: التجهيزات والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي والطاقة والماء والبيئة. وهو ما يؤدي إلى الاستنتاج بالقول، إن مقتضيات القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات قد أسندت للأخيرة عدة اختصاصات في تدبير الماء وصيانته وتثمينه ودرء المخاطر اللاحقة به، إلا أن مقتضيات القانون رقم 36.15 المتعلق المذكور، لم تستجب لتطلعات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ومن خلالها لتطلعات الوثيقة الدستورية.

يَنْتُجُ عن هذه الشروحات افتراضين، اثنين. الأول، إن نص القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء لم يواكب ورش الجهوية المتقدمة والتي كانت نصوصها القانونية جد متقدمة مقارنة مع النص القانون الحالي المتعلق بالماء. أما الافتراض الثاني، فيقود لجعل تدبير الماء اختصاص حصري للدولة في الوقت الذي لم يتم الارتقاء بالجماعات الترابية لممارسته كاختصاص إلى مستوى الشريك الفعلي، شأنه بذلك شأن التعمير الذي تقوم به إدارات الدولة نتيجة اهتمامه في أحيان عديدة بالجماعة الوطنية أكثر من اهتمامه بالجماعات التحتية- القاعدية. 

ولا جديد يُضاف بالقول إن المشرع غير مُطالب من خلال القانون رقم 36.15 بأن يجعل من الماء اختصاص حصري للجماعات الترابية وحدها، ما دامت نصوص القوانين التنظيمية للجماعات الترابية قد أدرجت بعض مجالات تدبيره ضمن الاختصاصات المشتركة وكذا القابلة للنقل؛ ذلك أنه وإن كان يمكن القبول بفكرة تراجع المشرع عن لفظة "الملك العام" الواردة في القانون رقم 10.95 المنسوخ وتوظيفه في القانون الجديد للفظ "الملك العمومي" دون أي تبرير، إلا أن مُشَرِّعْ القانون الإداري للأملاك، وبصرف النظر على أن مادة الماء، تندرج ضمن دائرة الأملاك العامة، يبقى معفيا من تحديد معيار دقيق لتمييز الملك العام عن الخاص. فتحديد معيار التمييز بين الصنفين، هي مسألة متروكة للقضاء أولا، وللفقه ثانيا. لكن في مقابل ذلك، لا يمكن غض النظر عن بعض هفوات هذا النص المذكورة منها آنفا أو بعض الملاحظة التي الأخرى التي يمكن إثارتها في هذا الصدد كالمتعلقة منها بالمقتضيات القائلة بتدبير الماء بشكل مندمج تشاركي ولامركزي. 

 لم تسند مضامين القانون رقم 36.15 للجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى أي اختصاص واضح بشأن تدبير الملك العام المائي. فالتنسيق مع الوحدات الترابية دون إعطائها سلطة قرار عند وضع التصاميم والمخططات (كالمخطط الوطني للماء أو مخططات الوقاية من خطر الفيضانات الواردة في المادة 118 من قانون الماء المذكور)، يتعارض مع المادة 82 من القانون التنظيمي للجهات التي أوكلت للجهة اختصاص ذاتي تقوم من خلاله بوضع استراتيجيات جهوية لاقتصاد الطاقة والماء. وبالتبعية يمكن الاستنتاج بأن فلسفة ومنهجية تدبير الماء والقيام به كاختصاص، هي نفسها المعتمدة في ميدان التعمير. وبالنتيجة، يمكن القول، إن الماء اختصاص حصري للجماعة الوطنية وحدها، ما لم يتم الارتقاء بعد بالجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى إلى مستوى الشريك الفعلي والحقيقي في تدبير الثروة المائية. 
ولئن كان هذا الجانب الأخير من الحل لا يحتاج لتبريرات أخرى لتأكده، غير أن إثارة طبيعة الرأي الاستشاري الذي تبديه وكالات الحوض المائي بشأن الاختصاصات المسندة للجماعات الترابية بموجب القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، ليست عديمة الجدوى في هذا الخصوص. فالمشرع ومن خلال قانون الماء المذكور، حدد طبيعة الرأي الذي تبديه وكالة الحوض المائي حول تدخل الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية لإنجاز أشغال البنية التحتية لأجل المصلحة العامة فوق الملك العام المائي، بالرأي المطابق. وبالتالي فلا شك أن تدخلات الأشخاص المعنوية العامة فيما تتخذه من قرارات وتدابير في هذا الشأن، ستنطوي على البطلان في حالة مخالفتها للرأي المذكور وعدم الأخذ به؛ مما يجعل من هذه المؤسسات العمومية (وكالات الحوض المائي) صاحبة سلطة البت الحقيقية، بالشكل المتعارف عليها فقهاً وقضاءً في دراسات نظرية الرأي الاستشاري في القرار الإداري. 

ولئن لم يكن القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء قانونا بيئيا بالدرجة الأولى على خلاف التشريعات الحديثة للمملكة والتي أخذت تهتم بالبعد البيئي كأحد أهم أهدافها الرئيسية، فيمكن تسجيل ملاحظة أخرى وهي أنه لا يمكن إنكار أخذ القانون المذكور بعدة تقنيات حديثة كأساس لتدبير الملك العام المائي مع تخصيصه لمجموعة من المقتضيات لحمايته جنائيا وفقا لمواد الباب الحادي عشر، كما يسجل أن مضامينه قد تسمح بالمحافظة على الماء وتثمين تدبيره كثروة تحفظ حقوق أجيال الحاضر والمستقبل، فضلا عن تقاطع مواده مع مجموعة من القوانين ذات صلة وارتباط وثيق به، كالقانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة ومع قواعد القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير (المادتان 63 و95 بخصوص التنسيق مع وكالة الحوض المائي عند إعداد وثائق التعمير، وكذا بمطابقة هذه الأخيرة مع وثائق تدبير الماء –المخطط الوطني والمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة-)، ثم مع مقتضيات القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وكذا القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقول العينية لما يشكله نظام الامتياز على الملك العام المائي من حق عيني لمدة محددة لا تخول للمستفيد أي حق للملكية على هذا الملك العام. 

وبالتالي يمكن الخلوص حسب هذا التحليل الأخير إلى أن مضامين النص الحالي المتعلق بالماء، تبقى منسجمة في هذا الجانب مع المنظومة القانونية للمملكة. 

في المحصلة: 
يبدو أن هذه المساهمة المقدمة كقراءة في ضوء القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، قد طغى عليها طابع الانتقاد والتشكيك. لكن لا يجب أن يفهم من الملاحظات المذكورة سلفا بأنها تنقيصا من عمل المشرع أو المؤسسات. فالغاية من هذا النقد كانت مجرد تكتيك فقط، لأجل الإحاطة بهذا النص القانوني من قواعد القانون الإداري للأملاك، والذي شكلت قراءته النقدية فرصة لرصد قواعده الإجرائية والأدوار المسندة للمؤسسات ولكل المتدخلين في ميدان الماء بالمغرب. صحيح أن مضامين النص قد حملت في طياتها بعض الأخطاء الشكلية أيضا والتي لا يمكن قبولها، بل كانت ستعفي منها مجرد مراجعة أخيرة قبل النشر بالجريدة الرسمية، لكنها تسربت إلى سطوره مما يصعب تداركها (المادة 85 على سبيل المثال:"...ومصاريف البت في ملفات..."؟). 
 
د. يونس أبلاغ: أستاذ محاضر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية قلعة السراغنة 
عضو مختبر الأبحاث القانونية وتحليل السياسات -جامعة القاضي عياض مراكش-