شهد المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس، على امتداد ربع قرن من الزمن، قفزة رياضية كبرى وضعته في تصنيفات عالمية، فمنذ تربعه على العرش، شيد المغرب العديد من المنشآت الرياضية الحديثة والتجهيزات المتطورة، كما سعى إلى تحقيق إنجازات في مختلف الرياضات سواء الفردية أو تلك التي تمارس بشكل جماعي.
وتميز عهد الملك محمد السادس، ببلورة خارطة طريق حقيقية، لتأهيل الشأن الرياضي على مختلف المستويات، والتي رسمتها بالخصوص الرسائل الذي دأب على بعثها لمختلف المناظرات القارية والدولية، داخل المغرب وخارجه.
ظل الشأن الرياضي، محورا أساسيا في برامجها، ومخططاتها، وهو ما يعكس بجلاء الإيمان الراسخ للملك بأهمية الرياضة كرافعة أساسية للتنمية.
تجسد الاهتمام بالشأن الرياضي من خلال مجموعة من الإنجازات عكست التزام المغرب بتعزيز وتشجيع الشباب على ممارستها، ففي السنوات الأخيرة، تم العمل بجد لتحقيق إنجازات كبرى في مجال المنشآت الرياضية، حيث تم إنشاء وتطوير مجموعة من المرافق الرياضية المتميزة التي جعلت المغرب قبلة للملتقيات الرياضية وتؤكد المنشآت الرياضية في المغرب على رؤية الملك محمد السادس في بناء جسور رياضية بين الأجيال المغربية، حيث تم استحداث مراكز رياضية متطورة وملاعب عصرية في عدة مدن، والتي تهدف إلى توفير بيئة رياضية ملائمة ومشجعة للشباب لممارسة الرياضة وتطوير مهاراتهم والارتقاء في السلم الاجتماعي.
وحين توج الملك محمد السادس بجائزة التميز للاتحاد الإفريقي لكرة القدم لسنة 2022، تأكد للقاصي والداني أن المملكة المغربية قد آمنت بأهمية الرياضة حين وضعتها في صلب كل مسلسل تنموي، ووقفت عند العناية الكبيرة التي يوليها ملك البلاد، للرياضة والرياضيين، سواء على مستوى البنيات التحتية الرياضية، أو على مستوى تأهيل الكفاءات والاستثمارات الموجهة للشباب عموما.
" أنفاس بريس" تسلط الضوء على القفزة الرياضية التي شهدها المغرب على امتداد ربع قرن من الزمن.
المناظرة الوطنية حول الرياضة.. خارطة الطريق
كان يوم 24 أكتوبر 2008، موعدا مع التاريخ إذ شهد قصر المؤتمرات بالصخيرات تنظيم مناظرة وطنية للرياضة، وأبرز ما ميزها الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين، والتي كانت مليئة بالإشارات القوية والانتقادات الشديدة اللهجة، تحمل القائمين على الشأن الرياضي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الرياضية من تراجع.
ربطت رسالة الملك بين النهوض بالرياضة الوطنية، وضرورة توفر الإرادة السياسية القوية للقطع مع سياسة الارتجال ومحاربة الفساد، والعمل على استثمار قدرات وخبرات أبطالنا المعتزلين، ليس فقط في تأطير الأجيال الصاعدة، بل حتى في القيادة والتسيير، مادام يوجد بينهم من هم مستعدون لتحمل المسؤولية، ومتحمسون لإحداث الطفرة النوعية المرجوة، عبر نظام حديث ومتكامل، مع الحرص على "إعادة هيكلة القطاع الرياضي، ودمقرطة الأجهزة المسيرة، والانكباب بجدية على تأهيل الرياضة المدرسية والجامعية وسائر التنظيمات الرياضية".
مركز محمد السادس لكرة القدم ..خطوة في درب العالمية
يعد مركز محمد السادس لكرة القدم، من أفضل البنيات التحتية الرياضية في القارة الأفريقية، حيث يتوفر على ملاعب من الجيل الجديد، ومرافق رياضية وطبية مكنته من احتضان معسكرات لمنتخبات وفرق عالمية، واستقبال مناظرات ولقاءات ذات بعد إشعاعي كبير. يوجد مركز محمد السادس لكرة القدم، على مساحة 30 هكتارا بالمعمورة، ويحتوي على بنيات تحتية من الجيل الجديد وتجهيزات حديثة ومتطورة، تستجيب لمعايير الاتحاد الدولي لكرة القدم، كما يتوفر على وحدات للإيواء رفيعة المستوى، ومسبحا أولمبيا في الهواء الطلق، وملعبين لكرة المضرب، وملعبا لكرة القدم على الشاطئ، ومتحفا وطنيا لكرة القدم يعد الأول من نوعه في تاريخ الكرة المغربية، وقاعة للعروض من المستوى الرفيع. فتح المركز أبوابه في وجه منتخبات إفريقية وعالمية، فتحول إلى آلية لتنفيذ رهان الدبلوماسية الناعمة.
أكاديمية محمد السادس ..رياضة ودراسة
أسهمت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، وهي مشروع ملكي، في النهوض بكرة القدم الوطنية وتطويرها ومنح إشعاع حقيقي للمنتوج الكروي المحلي، من خلال انتقاء وتكوين لاعبين موهوبين، يشكل أغلبهم العمود الفقري للمنتخب الوطني لكرة القدم، الذي بلغ نصف نهائي كأس العالم "قطر 2022" لأول مرة في تاريخ كرة القدم العربية والإفريقية، كما ساهمت هذه المؤسسة، بما تزخر به من بنيات تحتية رياضية وتربوية وتعليمية وطبية، في اكتشاف مواهب كروية على أعلى مستوى، بفضل حكامة جيدة في التدبير، انسجاما مع الرؤية الملكية، التي وضعت ثوابتها في مارس 2010، حيث أشرف الملك محمد السادس على تدشين "أكاديمية محمد السادس لكرة القدم"، وفق معايير تضاهي أكبر مراكز التكوين الأوروبية ذات الصيت العالمي.
مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين.. تدبير ما بعد الاعتزال
في 17 غشت 2011، وبمبادرة من الملك محمد السادس، تم تأسيس مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين. وتسعى المبادرة الملكية إلى تأمين حياة كريمة للرياضيين وتقديم المساعدة الاجتماعية الضرورية من حيث التغطية الصحية والتعاقد. فهؤلاء نجوم الرياضة الوطنية، الذين مثلوا المغرب في العديد من التظاهرات الدولية، إضافة إلى كون الفاعلين في عالم الرياضة الذين عملوا على تحسين مردودية الرياضيين المغاربة، يستحق أن تكون لهم هيئة اجتماعية ترعاهم.
وضعت مؤسسة محمد السادس معايير الأهلية للحصول على عضوية بالمؤسسة، أبرزها شرط المشاركة في نهائيات كأس العالم أو كأس إفريقيا أو الألعاب الأولمبية ودوري أبطال إفريقيا في الرياضات الأولمبية الفردية والجماعية. وشمل الأمر الحكام الدوليين المشاركين في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، أو مرتين على الأقل في نهائيات كأس إفريقيا للأمم والفائزين بالميداليات في دورة الألعاب البارا أولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن اللاعبين الدوليين الذين احترفوا في الخمسينات والستينات، والفائزين والمدربين المحليين المتوجين بالبطولة الإفريقية في التخصصات الأولمبية الجماعية أو الفردية.
دراسة ورياضة.. مشروع بتوصية من الرسالة الملكية
كان الرياضيون يجدون صعوبات كبيرة في التوفيق بين ما تقتضيه التداريب الرياضية من جهد ووقت، وما تتطلبه الدراسة من استعداد وحضور وتحضير مستمر، وكان التلاميذ أمام خيارين إما ممارسة الرياضة أو الاهتمام بالرياضة فقط، من هذا المنطلق تم إحداث مسارات ومسالك «دراسة ورياضة» في إطار الاتفاقية الإطار للشراكة الموقعة أمام أنظار الملك محمد السادس، يوم 17 شتنبر 2018. حيث يهدف هذا المشروع إلى توفير بنية تجمع المعرفة الرياضية والأكاديمية، كما يهدف إلى تقليص آفة الهدر المدرسي. خاصة حين يتوفر الإيواء وضوابط المتابعة يمكن من الاستفادة من الزمن الكافي للتمارين الرياضية، دون أن يؤثر ذلك على مسارهم الدراسي ويمنحهم فرصا للتألق على المستوى المعرفي والرياضي من خلال المزاوجة بينهما.
ويندرج المشروع في سياق الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار رقم 17. 51، ذات الصلة بدعم وتنويع الأنشطة الرياضية وتعزيز النبوغ والتفوق لدى المتعلمين، وكذا تنفيذا لمقتضيات القانون رقم 09. 30 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، مشاركة مختلف المتدخلين من مدراء مؤسسات تعليمية وأطر تربوية ورؤساء جمعيات رياضية.
تنظيم المونديال.. الحلم الذي أصبح حقيقة
انتقل ملف الترشيح المغربي من "ترشيح الماكيط"، إلى ترشيح واقعي، فتواصلت الأشغال بالملاعب الثلاثة الكبرى بطنجة ومراكش وأكادير، إلى أن اكتمل العمل بها لتصبح أيقونات رياضية، مع إعادة تأهيل مركبي محمد الخامس بالدار البيضاء ومركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، وإعطاء انطلاقة الأشغال بمركبات تطوان، وجدة والحسيمة، وفي انتظار الشروع في بناء مركب جديد بالدار البيضاء، والذي سيكون بلا شك معلمة رياضية بمواصفات عالمية.
في 4 أكتوبر 2023، زف بلاغ الديوان الملكي بشرى للمغاربة والعرب والأفارقة، تتضمن خبر احتضان المغرب لكأس العالم 2030 إلى جانب اسبانيا والبرتغال، حرص الملك محمد السادس على نقل هذا النبأ السعيد لشعبه، فعمت فرحة كبيرة البلاد، إذ اعتبر القرار إشادة واعترافا بالمكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب بين الأمم الكبرى.
الحصاد الرياضي.. من شرف المشاركة إلى العالمية
كان طبيعيا أن تنعكس هذه الجهود على الإنجازات الرياضية، لأن الرؤية والاستراتيجية الوطنية للرياضة، كان لهما أثر واضح على النهضة الكروية التي تشهدها المملكة. فعلى مستوى الرجال، وصل فريق الرجاء الرياضي إلى نهائي كأس العالم للأندية مرتين، وتمكن فريق الوداد الرياضي من الفوز بعصبة الأبطال الإفريقية مرتين، كما اكتسح فريق نهضة بركان كأس الاتحاد الإفريقي. بالإضافة إلى ذلك، وصل المنتخب الوطني المغربي، لنصف نهائي كأس العالم في قطر، وحقق المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة إنجازات كبرى على رأسها الفوز بكأس إفريقيا.
أما على مستوى السيدات، فقد حقق فريق الجيش الملكي لقب عصبة أبطال إفريقيا، ووصل منتخب السيدات إلى نهائي كأس إفريقيا، وتأهل إلى ثمن نهائي كأس العالم.
وفيما يتعلق بتنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى، فقد تم الحصول على الموافقة لتنظيم كأس إفريقيا 2025 للرجال والسيدات، بالإضافة إلى التحضيرات لتنظيم كأس العالم 2030. تعكس هذه الإنجازات مدى نجاح الاستراتيجية الوطنية في تعزيز وتطوير الرياضة المغربية، مع التركيز على كرة القدم بشكل خاص.