عبد العالي المصباحي:إنجازات الملك محمد السادس خلال خمسة وعشرون سنة من الحكم

عبد العالي المصباحي:إنجازات الملك محمد السادس خلال خمسة وعشرون سنة من الحكم عبد العالي المصباحي
طلب‭ ‬مني‭ ‬صديقي‭ ‬الصحافي‭ ‬أن‭ ‬أعطيه‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مقال‭ ‬مكتوب‭ ‬حول‭ ‬إنجازات‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الربع‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬تربعه‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬أسلافه‭ ‬الميامين،‭ ‬فسألت‭ ‬نفسي‭ ‬هل‭ ‬سأتحدث‭ ‬عن‭ ‬إنجازات‭ ‬الملك‭ ‬أم‭ ‬إنجازات‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬أم‭ ‬إنجازات‭ ‬أب‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬وهذا‭ ‬الشعب‭. ‬فجلالته‭ ‬له‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وظيفة‭ ‬ويلعب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬واحد،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬قوته‭ ‬وتواجده‭ ‬الضروري‮ ‬والهام‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭.‬
إن‭ ‬الجواب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬يقتضي‭ ‬مني‭ ‬بحث‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬مجلدات،‭ ‬وهذا‭ ‬لعظم‭ ‬إنجازاته‭ ‬وقوتها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬المواطن‭ ‬المقيم‭ ‬بالمغرب‭ ‬يلامس‭ ‬هذه‭ ‬الإنجازات‭ ‬تباعا‭ ‬خلال‭ ‬حياته‭ ‬اليومية،‭ ‬فالمغترب‭ ‬أو‭ ‬الزائر‭ ‬لأرض‭ ‬الوطن‭ ‬يذهل‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬التقدم‭ ‬والرقي‭ ‬الذي‭ ‬يعرفه‭ ‬المغرب‭ ‬وبوثيرة‭ ‬تصاعدية‭ ‬نحو‭ ‬القمة‭. ‬
 
سأبدأ‭ ‬هذه‭ ‬المداخلة‭ ‬المتواضعة‭ ‬تحريرا‭ ‬لا‭ ‬مضمونا،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬المضمون‭ ‬هو‭ ‬صلب‭ ‬إنجازات‭ ‬هذا‭ ‬الملك،‭ ‬سأبدأ‭ ‬من‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬طرح‭ ‬على‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الصحافية‭ ‬آن‭ ‬سان‭ ‬كلير‭ ‬صاحبة‭ ‬برنامج‭ ‬7/7‭ ‬سنة‭ ‬1993،‭ ‬حينما‭ ‬قالت‭ ‬له‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬سيدي‭ ‬محمد‭ ‬وهو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬آنذاك،‭ ‬فأجابها‭ ‬أتمنى‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬عهدا‭ ‬سهلا‭ ‬وإلا‭ ‬فلن‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬للملك‭. ‬لقد‭ ‬قال‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬آنذاك‭ ‬بجيناته‭ ‬الوراثية‭ ‬وليس‭ ‬بفمه،‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬العلوية‭ ‬المعروفة‭ ‬بالتحدي‭ ‬والشجاعة‭ ‬والحكمة،‭ ‬فقد‭ ‬حباها‭ ‬الله‭ ‬بالملك‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬وليس‭ ‬لأحد‭ ‬منا‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬عطاء‭ ‬رباني،‭ ‬مصداقا‭ ‬لقوله‭ ‬جل‭ ‬وعلا: «قل‭ ‬اللهم‭ ‬مالك‭ ‬الملك‭ ‬تؤتي‭ ‬الملك‭ ‬من‭ ‬تشاء»‭. ‬فمثلا‭ ‬جد‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬المولى‭ ‬إسماعيل‭ ‬سمي‭ ‬بأبو‭ ‬النصر‭ ‬لكثرة‭ ‬انتصاراته،‭ ‬وجده‭ ‬سيدي‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬سمي‭ ‬بمحرر‭ ‬الثغور‭ ‬والشواطئ،‭ ‬وجده‭ ‬المولى‭ ‬الحسن‭ ‬الأول‭ ‬سمي‭ ‬بالملك‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عرشه‭ ‬على‭ ‬صهوة‭ ‬جواده،‭ ‬وجده‭ ‬سيدي‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬محرر‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬الحماية،‭ ‬وأبوه‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬مبدع‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬ومتمم‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والترابية‭ ‬للمغرب‭. ‬ليأتي‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬ليتم‭ ‬هذه‭ ‬الإنجازات‭ ‬بثورة‭ ‬اقتصادية‭ ‬وبناء‭ ‬دولة‭ ‬المؤسسات‭ ‬عوض‭ ‬دولة‭ ‬الأشخاص‭. ‬لأنه‭ ‬أمام‭ ‬تطور‭ ‬العالم‭ ‬كنا‭ ‬أمام‭ ‬خيارين:‭ ‬إما‭ ‬مواكبة‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والمؤسساتية،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬نهوي‭ ‬ونضعف‭ ‬أمام‭ ‬الزحف‭ ‬العالمي‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬والرقمي‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تنبه‭ ‬له‭ ‬جلالته،‭ ‬فاستطعنا‭ ‬تجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الطوفان‭ ‬أو‭ ‬هذه‭ ‬العاصفة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬هوت‭ ‬فيه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬العريقة‭ ‬بسبب‭ ‬هشاشة‭ ‬مؤسساتها‭ ‬وضعف‭ ‬مقومات‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬لديها‭. ‬فجلالته‭ ‬له‭ ‬تكوين‭ ‬قانوني‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القوانين‭ ‬الوضعية‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬ما‭ ‬ساعده‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬الصحيح‭.‬
 
كما‭ ‬أن‭ ‬بعد‭ ‬نظره‭ ‬وحصافة‭ ‬رأيه‭ ‬وبديهته‭ ‬جعلته‭ ‬يتنبأ‭ ‬باكرا‭ ‬بأن‭ ‬قوة‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬اتحاده‭ ‬مع‭ ‬إخوانه‭ ‬الأفارقة،‭ ‬لهذا‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬بأديس‭ ‬أبابا‭ ‬أحمل‭ ‬اليوم‭ ‬قلبي‭ ‬ومشاعري‭ ‬وأنا‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬بيتي‭ ‬أي‭ ‬لحاضرة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬لأن‭ ‬المغرب‭ ‬خرج‭ ‬قويا‭ ‬حينما‭ ‬حاول‭ ‬خصومه‭ ‬المس‭ ‬بوحدته‭ ‬الترابية،‭ ‬وعاد‭ ‬أقوى‭ ‬حينما‭ ‬تأكد‭ ‬لأشقائنا‭ ‬الأفارقة‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬حلقة‭ ‬حتمية‭ ‬وفاعلة‭ ‬وقوية‭ ‬في‭ ‬تقدم‭ ‬إفريقيا‭ ‬وتطوير‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬جنوب‭ ‬جنوب‭.‬
 
‭ ‬بصفتي‭ ‬رجل‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬القانونية‭ ‬وعلم‭ ‬الإجرام،‭ ‬سأتطرق‭ ‬للإصلاح‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬التشريعي‭ ‬والقانوني،‭ ‬وأبرز‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭ ‬بالإصلاح‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبقاطرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬وهكذا‭ ‬استطاع‭ ‬جلالته‭ ‬أن‭ ‬يزاوج‭ ‬ما‭ ‬بينهما‭.‬
 
فحينما‭ ‬أمر‭ ‬جلالته‭ ‬بتعديل‭ ‬الدستور‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬بمثابة‭ ‬الثورة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬للمغرب‭ ‬بامتياز،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬التعديل‭ ‬جاء‭ ‬بسبع‭ ‬مرتكزات‭ ‬أساسية‭ ‬كانت‭ ‬هب‭ ‬الأوراق‭ ‬الرابحة‭ ‬في‭ ‬رهان‭ ‬التعديل‭ ‬وهي:‭ ‬
 
•‭ ‬تعزيز‭ ‬فصل‭ ‬السلطات‭ ‬مع‭ ‬إعطاء‭ ‬مفهوم‭ ‬جديد‭ ‬لممثليها؛
 
•‭ ‬تقريب‭ ‬الإدارة‭ ‬من‭ ‬المواطن‭ ‬بإحداث‭ ‬جهوية‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬لا‭ ‬مركزية‭ ‬هادفة‭ ‬وإقرار‭ ‬ديمقراطية‭ ‬تشاركية‭ ‬مع‭ ‬ربط‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالمحاسبة،‭ ‬وتسهيل‭ ‬الولوج‭ ‬للخدمات‭ ‬واعتبار‭ ‬سكوت‭ ‬الإدارة‭ ‬بمثابة‭ ‬موافقة‭ ‬ضمنية‭ ‬ثم‭ ‬تيسير‭ ‬الإجراءات‭ ‬الإدارية‭ ‬مع‭ ‬رقمنة‭ ‬الإدارة؛‭ ‬
 
•‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الثوابت‭ ‬الخاصة‭ ‬بالدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬مؤسسة‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين؛
فكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬قوة‭ ‬المغرب‭ ‬والمغاربة‭ ‬قاطبة،‭ ‬أولا‭ ‬بالالتحام‭ ‬حول‭ ‬العرش‭ ‬وتأكيد‭ ‬البيعة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬تماسك‭ ‬فسيفسائي‭ ‬عرقي‭ ‬برابط‭ ‬ديني‭ ‬موحد‭ ‬وقوي،‭ ‬مصداقا‭ ‬لقوله‭ ‬عز‭ ‬وعلا:‭ ‬«وأطيعوا‭ ‬الله‭ ‬وأطيعوا‭ ‬الرسول‭ ‬وأولي‭ ‬الأمر‭ ‬منكم»،‭ ‬وتصديقا‭ ‬لحديث‭ ‬المصطفى:‭ ‬«من‭ ‬مات‭ ‬وليست‭ ‬في‭ ‬عنقه‭ ‬بيعة‭ ‬مات‭ ‬ميتة‭ ‬الجاهلية»؛‭ ‬
 
•‭ ‬إعطاء‭ ‬مكانة‭ ‬للأمازيغية؛
ذلك‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬لجغرافية‭ ‬المغرب‭ ‬هي‭ ‬جبال‭ ‬الأطلس،‭ ‬فالعمود‭ ‬الفقري‭ ‬للأمة‭ ‬المغربية‭ ‬هم‭ ‬الأمازيغ‭ ‬فكان‭ ‬لزاما‭ ‬إقرار‭ ‬التعددية‭ ‬اللغوية‭ ‬دستوريا‭ ‬والتي‭ ‬فرضها‭ ‬العمق‭ ‬التاريخي‭ ‬والراجع‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬2000‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬منها‭ ‬حضارة‭ ‬قائمة‭ ‬الذات‭ ‬وموروثا‭ ‬ثقافيا‭ ‬يضاهي‭ ‬الحضارات‭ ‬العريقة؛‭ ‬
‭ ‬•‭ ‬تكريس‭ ‬الطابع‭ ‬التعددي‭ ‬للهوية‭ ‬المغربية‭ ‬الموحدة‭ ‬والغنية‭ ‬بتنوع‭ ‬روافدها،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بانتهاج
تسامح‭ ‬ديني‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬مشترك‭ ‬وتعددية‭ ‬تكمل‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي‭ ‬واحترام‭ ‬الخصوصيات‭ ‬العرقية‭ ‬والقبلية‭ ‬في‭ ‬انسجام‭ ‬وتناغم‭ ‬فكري؛
 
•‭ ‬توسيع‭ ‬مجال‭ ‬الحريات‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية‭ ‬وضمان‭ ‬ممارستها؛
لحظر‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬وإقرار‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحقوق‭ ‬مع‭ ‬جعل‭ ‬السلامة‭ ‬الجسدية‭ ‬والمعنوية‭ ‬والاسرية‭ ‬حقوقا‭ ‬دستورية‭.‬
 
فتولد‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الجذرية‭ ‬تعديلات‭ ‬قانونية‭ ‬مسترسلة‭ ‬ومتواترة،‭ ‬صدرت‭ ‬بمقتضاها‭ ‬قوانين‭ ‬جديدة،‭ ‬وتم‭ ‬تحديث‭ ‬أخرى‭ ‬لمواكبة‭ ‬التطور،‭ ‬كحق‭ ‬تأسيس‭ ‬الجمعيات‭ ‬وتعديل‭ ‬قانون‭ ‬الصحافة‭ ‬والنشر‭ ‬وإقرار‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬المعلومة‭ ‬واعتبار‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬والإبداع‭ ‬والنشر‭ ‬كحق‭ ‬دستوري؛‭ ‬
 
* تعزيز‭ ‬منظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان؛‭ ‬
بإحداث‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بدل‭ ‬ديوان‭ ‬المظالم‭ ‬وإحداث‭ ‬مؤسسة‭ ‬وسيط‭ ‬المملكة،‭ ‬ثم‭ ‬جعل‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬تسمو‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬الوضعية،‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالقضاء‭ ‬إلى‭ ‬سلطة‭ ‬مستقلة،‭ ‬لتوطيد‭ ‬مبدأ‭ ‬فصل‭ ‬السلطات‭ ‬وتوازنها،‭ ‬إطلاق‭ ‬مشروع‭ ‬الإصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬والعميق‭ ‬لمنظومة‭ ‬العدالة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬سنوات 2013 / 2017؛‭ ‬الاستقلال‭ ‬التام‭ ‬للسلطة‭ ‬القضائية‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬السلط‭ ‬مع‭ ‬الاستقلال‭ ‬التام‭ ‬للنيابة‭ ‬العامة‭. ‬
 
‬القيادة‭ ‬والحكم‭ ‬يعنيان‭ ‬التشريع GOUVERNER C EST LEGIFERER
فحينما‭ ‬بدأ‭ ‬جلالته‭ ‬بالتشريع‭ ‬لفائدة‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة‭ ‬ـ‭ ‬الفصل‭ ‬34‭ ‬من‭ ‬الدستورـ‭ ‬هنا‭ ‬تكون‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المواطن‭ ‬كيفما‭ ‬كلف‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مصاريف‭ ‬وإمكانيات‭ ‬وجهود‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬نجد‭ ‬كحقوق‭ ‬دستورية:‭ ‬المناصفة‭ ‬والمساواة‭ ‬طبقا‭ ‬للفصل‭ ‬السادس؛‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬والصحة‭ ‬والتغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتعليم؛‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية؛‭ ‬مشاركة‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬الشأن‭ ‬العام؛‭ ‬إعطاء‭ ‬صفة‭ ‬المنفعة‭ ‬العامة‭ ‬للجمعيات‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الاجتماعي؛
 
محاربة‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬مع‭ ‬إحداث‭ ‬خلية‭ ‬التكفل‭ ‬بالمرأة‭ ‬والطفل‭ ‬وإقرار‭ ‬المصلحة‭ ‬الفضلى‭ ‬للحدث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬والمواقف؛‭ ‬إحداث‭ ‬مدونة‭ ‬الأسرة‭ ‬ثم‭ ‬الأمر‭ ‬بتعديلها‭ ‬لتواكب‭ ‬تطور‭ ‬المجتمع؛‭ ‬تعديل‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬لحماية‭ ‬الفئات‭ ‬الضعيفة؛‭ ‬إحداث‭ ‬وزارة‭ ‬التضامن‭ ‬والإدماج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والأسرة؛‭ ‬إحداث‭ ‬بطاقة‭ ‬الرميد‭ ‬وبعدها‭ ‬لامو‭ ‬وتقنين‭ ‬نظام‭ ‬التقاعد؛‭ ‬ثم‭ ‬تنظيم‭ ‬المهن‭ ‬التقليدية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي‭.‬
 
كان‭ ‬لهذه‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬غايات‭ ‬نبيلة‭ ‬وأهداف‭ ‬مسهّمة‭ ‬وعزم‭ ‬قوي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬جلالته‭ ‬لتخليق‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬قراءتها‭ ‬في‭ ‬حينها‭ ‬آنذاك،‭ ‬فلما‭ ‬صدر‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬المغربي‭ ‬سنة‭ ‬1961‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬تعديلات‭ ‬كثيرة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬دستور‭ ‬2011،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬انطلاقة‭ ‬لكل‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تنزيل‭ ‬مقتضياته‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬ملاءمة‭ ‬التشريعات‭ ‬المغربية‭ ‬مع‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬المغرب‭ ‬قد‭ ‬اختار‭ ‬في‭ ‬تصدير‭ ‬دستوره‭ ‬خيارا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬يروم‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬دوليا‭ ‬وقاريا‭.‬
فبعد‭ ‬1961‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬تعديلات‭ ‬طفيفة‭ ‬لبعض‭ ‬الفصول‭ ‬سنة 67 / 74 / 77 / 82 / 92 / 94 / 96 / 99 / 2000 لتبدأ‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2003‭ ‬وتيرة‭ ‬سريعة‭ ‬في‭ ‬التشريع‭ ‬همت‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬قانون‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتي‭ ‬وافق‭ ‬عليها‭ ‬البرلمان‭ ‬بغرفتيه‭ ‬إثر‭ ‬وقوع‭ ‬أول‭ ‬اعتداء‭ ‬إرهابي‭ ‬بمدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬ماي‭ ‬2003،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬السنة‭ ‬صدر‭ ‬قانون‭ ‬نظام‭ ‬المعالجة‭ ‬الآلية‭ ‬للمعطيات‭ ‬بعدما‭ ‬بدأت‭ ‬الحواسب‭ ‬تغزو‭ ‬الإدارات‭ ‬العمومية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التجارية،‭ ‬وعرفت‭ ‬سنة‭ ‬2004‭ ‬حذف‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تختص‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الفساد‭ ‬المالي‭ ‬والارتشاء‭ ‬تماشيا‭ ‬مع‭ ‬اختيار‭ ‬المغرب‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬المحاكمة‭ ‬العادلة‭ ‬والتكريس‭ ‬الحقيقي‭ ‬لمبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬المتابعات‭ ‬بهذه‭ ‬المحكمة‭ ‬كانت‭ ‬تحرك‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬وليس‭ ‬الوكيل‭ ‬العام‭ ‬للملك،‭ ‬حيث‭ ‬وزعت‭ ‬اختصاصاتها‭ ‬على‭ ‬خمس‭ ‬محاكم‭ ‬عادية‭ ‬كبرى‭ ‬وهي‭ ‬الرباط‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬مراكش‭ ‬فاس‭ ‬مكناس‭. ‬فيما‭ ‬عرفت‭ ‬سنتي‭ ‬2006‭ ‬و2007‭ ‬قانوني‭ ‬غسيل‭ ‬الأموال‭ ‬والتصريح‭ ‬بالاشتباه،‭ ‬وعرفت‭ ‬سنة‭ ‬2008‭ ‬قانون‭ ‬48.07‭ ‬الخاص‭ ‬بالتصريح‭ ‬بالممتلكات‭ ‬لكل‭ ‬الموظفين‭ ‬وممثلي‭ ‬الأمة،‭ ‬وعرفت‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬عدة‭ ‬تدخلات‭ ‬تشريعية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬قانون‭ ‬العنف‭ ‬بالمباريات‭ ‬الرياضية‭ ‬لما‭ ‬أصبحت‭ ‬تعرفه‭ ‬الرياضة‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬الهوليگانز،‭ ‬ثم‭ ‬قانون‭ ‬تجريم‭ ‬سرقة‭ ‬الرمال‭ ‬حيث‭ ‬استغل‭ ‬تطور‭ ‬التعمير‭ ‬بالمدن‭ ‬في‭ ‬استنزاف‭ ‬الثروات‭ ‬الرملية،‭ ‬ثم‭ ‬ظهير‭ ‬غسيل‭ ‬الأموال‭ ‬وإلغاء‭ ‬الفصول‭ ‬494/495/496‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬النساء،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تعديل‭ ‬الفصل‭ ‬475‭ ‬بإلغاء‭ ‬فقرته‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسمح‭ ‬بتزوج‭ ‬الخاطف‭ ‬بالضحية‭ ‬القاصر‭ ‬ثم‭ ‬قانون‭ ‬محاربة‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬والتحرش‭ ‬الجنسي‭ ‬ثم‭ ‬قانون‭ ‬33.18‭ ‬لتشديد‭ ‬العقوبة‭ ‬ضد‭ ‬محرري‭ ‬العقود‭ ‬الرسمية‭. ‬وقوانين‭ ‬أدخلت‭ ‬بعض‭ ‬التعديلات‭ ‬على‭ ‬الفصول‭ ‬الخاصة‭ ‬بمكافحة‭ ‬الارهاب‭ ‬وغسيل‭ ‬الأموال‭.‬
 
فنجد‭ ‬إذن‭ ‬بعد‭ ‬خمسون‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬التطبيق‭ ‬للقانون‭ ‬الجنائي‭ ‬أدخل‭ ‬عليه‭ ‬31‭ ‬تعديلا‭ ‬هم‭ ‬بالأساس‭ ‬تخليق‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الفساد‭ ‬ثم‭ ‬الرقي‭ ‬بالقانون‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬والتنزيل‭ ‬الحقيقي‭ ‬للمحاكمة‭ ‬العادلة‭ ‬واحترام‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية،‭ ‬ثم‭ ‬حماية‭ ‬المعاملات‭ ‬وضمان‭ ‬استقرارها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حماية‭ ‬القوة‭ ‬الثبوتية‭ ‬للعقود‭ ‬الرسمية،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الشفافية‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬المعلومة‭ ‬والتعاون‭ ‬القضائي‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬عبر‭ ‬الوطنية،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬خلايا‭ ‬التطرف،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬إدخال‭ ‬عدة‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬المسطرة‭ ‬الجنائية‭ ‬لتواكب‭ ‬هذه‭ ‬التعديلات،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬حماية‭ ‬الشهود‭ ‬والضحايا‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬توازن‭ ‬مصالح‭ ‬أطراف‭ ‬الدعوى‭ ‬والفصل‭ ‬بين‭ ‬سلطات‭ ‬ممارسة‭ ‬الدعوى‭ ‬العمومية‭ ‬والبث‭ ‬داخل‭ ‬أجل‭ ‬معقول‭ ‬مع‭ ‬احترام‭ ‬قرينة‭ ‬البراءة‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬فحص‭ ‬التهم‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الإثبات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الضمانات‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬المحاكمة‭ ‬الجنائية‭.‬
 
ولأن‭ ‬المغرب‭ ‬اختار‭ ‬نظاما‭ ‬جديدا‭ ‬للفصل‭ ‬التام‭ ‬بين‭ ‬السلط‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬تعديل‭ ‬منظومة‭ ‬العدالة‭ ‬سنة‭ ‬2017،‭ ‬بفصل‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬عن‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬وإحالة‭ ‬كل‭ ‬اختصاصاته‭ ‬على‭ ‬الوكيل‭ ‬العام‭ ‬للملك‭ ‬لدى‭ ‬محكمة‭ ‬النقض‭ ‬والذي‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬هو‭ ‬رئيس‭ ‬النيابة‭ ‬العامة،‭ ‬مع‭ ‬إحداث‭ ‬لجنة‭ ‬للتنسيق‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬والمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للسلطة‭ ‬القضائية‭ ‬ورئاسة‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭.‬
 
فقد‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬الرجل‭ ‬العادي‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬كما‭ ‬يراها‭ ‬رجل‭ ‬القانون،‭ ‬والتي‭ ‬يقدر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬للتأسيس‭ ‬الحقيقي‭ ‬لدولة‭ ‬المؤسسات‭ ‬عوض‭ ‬دولة‭ ‬الأشخاص‭.‬
 
حفظ‭ ‬لله‭ ‬مولانا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬وأبقاه‭ ‬ذخرا‭ ‬وملاذا‭ ‬لهذا‭ ‬الشعب‭ ‬ولهذا‭ ‬البلد،‭ ‬وإن‭ ‬كتبت‭ ‬بمداد‭ ‬البحر‭ ‬وأقلام‭ ‬الغابات‭ ‬فلن‭ ‬أوفي‭ ‬حقه‭ ‬فيما‭ ‬حققه‭ ‬خلال‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الجاد‭ ‬والعزيمة‭ ‬القوية‭ ‬والجهد‭ ‬اللا‭ ‬مشروط‭ ‬والعطاء‭ ‬الوافر،‭ ‬والسلام‭ ‬على‭ ‬المقام‭ ‬العالي‭ ‬بالله‭.‬
 
عبد العالي المصباحي، رئيس رابطة قضاة المغرب