حمزة شيكي: إعفاء المتقاضين من التمثيل بمحام أمام المحاكم في بعض القضايا.. امتياز أم انتهاك؟

حمزة شيكي: إعفاء المتقاضين من التمثيل بمحام أمام المحاكم في بعض القضايا.. امتياز أم انتهاك؟ حمزة شيكي
إن الحديث عن التمثيل بواسطة محامي -الدفاع- يجد أساسه في ضمانات الحق المحاكمة العادلة التي تلتزم الدول بتكريسه بموجب دساتيرها إلى جانب المواثيق الدولية التي صادقت عليها، فالمتقاضي يستعصي عليه الإلمام بالقواعد القانونية وممارسة مساطرها، ومن ثم فإنه لا مجال للحديث عن ولوج المتقاضي بشكل متبصر ومستنير للعدالة، إلا بوجود محام يدافع عن حقوقه وفق ما يمليه القانون بكل صدق وأمانة وإخلاص وبشكل يتحقق معه الأمن القضائي له -المتقاضي-.

هكذا فإن إعفاء المتقاضي من وجوب تنصيب محام للدفاع عنه يكاد لا يتجاوز حد اعتباره تنصلا للدولة من واجب تحقيق الأمن القضائي له.

إن التساؤل الذي يطرح نفسه بالدرجة الأولى هو؛ كيف يتقدم المتقاضي بطلباته عندما تعفيه الدولة من تقديمها بواسطة محام؟.

إن الجواب العملي عن هذا التساؤل يثير غموضا كبيرا إن لم نقل خطيرا، لأن المتقاضي في هكذا أحوال يتقدم بطلباته إلى المحاكم من لدن جهات مجهولة، نكاد لا نعرف عنها وعن مؤهلاتها وكفاءتها ومسؤوليتها أيما شيء يذكر.

وقد تكون المصيبة أعظم عند الاستفسار عن مآل المعطيات الشخصية لهؤلاء المتقاضين الذين قد نجد صعوبة في وصفهم بالمعفيين من تنصيب محام أم المجني على حقوقهم ومعطياتهم الشخصية، من هذه الجهات التي أتاح لها المشرع ضمنيا الحق في مسك المعطيات الشخصية للمتقاضين ومساعدتهم في إعداد طلباتهم دونما رقيب أو حسيب، وما الذي يضمن عدم التلاعب بها خارج القانون..

ناهيك على أن الأمر لا يتوقف عند الجهل بمصدر إعداد طلبات المتقاضين ومآل معطياتهم الشخصية، بل يتعداه إلى أكثر من ذلك عندما يقوم الطرف الثاني -المدعى عليه- بتنصيب محام للدفاع عن حقوقه، فأية محاكمة عادلة هذه التي يكون أحد أطرافها ممثلا بمحام يدافع عنه وآخر تساعده جهة نكرة مجهولة مصدرا وكفاءة ومسؤولية… ألسنا حينها أمام محاكمة غير عادلة ينعدم فيها التكافؤ بين مراكز المتقاضين كفاءة ومعرفة فنية وقانونية؟

ألسنا بالأحرى أمام مجزرة وانتهاك صارخ لحق المتقاضي في الولوج المستنير والمتبصر للعدالة…أمام لا أمن قضائي؟ أليس حريا بالدولة أن تضمن الأمن القضائي لجميع المتقاضين، بجعل التمثيل بواسطة محام أمام القضاء إلزاميا مع ضمان الحق في المساعدة القضائية لكل من يستحقها؟

إن حقوق المتقاضين لا تقبل أيما مزايدات  سياسية أو مهني ضيقة، ومن يقول بأن المطالبة بإلزامية المحامي تعكس دفاعا عن مصلحة فئوية محدودة يكاد لا يتعدى حد تحوير النقاش وطمس حقيقة تنصل الدولة من مسؤوليتها الدستورية في ضمان محاكمة عادلة  للمتقاضين بشكل يعزز  أمنهم القضائي..
 
 
حمزة شيكي/ محام متمرن بهيئة المحامين بالقنيطرة